
ميكائيل بنيامين
مصطلح الأقليات – وسيلة للحماية ، وليس هدفا للعزل او التقليل من الشأن
كان آخرها تعليق فخامة رئيس العراق (عبد اللطيف رشيد)، على كلمة “الأقليات” بمجرد ان سمعها في مذكرة قدمت له، تضمنت دعوة لتشريع قانون حماية حقوق الأقليات وحماية التنوع العراقي*، حين قال: شخصيا لا اتفق مع هذا المصطلح ولا أحب استخدامه، فليس لدينا أغلبيات واقليات وانما الكل مواطنين.
رأي الرئيس هذا لم يكن جديدا ولا غريبا (بالنسبة لي)، بالطبع لم يكن الأول ولا يبدو ان يكون الأخير (على الأقل) لفترة زمنية لن تكون قصيرة.
ربما يكون هذا اللقاء ما يزيد عن العشرة من نوعه، فقط خلال النصف الأخير من 2022 وأول شهري 2023، لا أتكلم عن لقاءات اعتيادية على المستوى المجتمعي وبين عامة المواطنين، بل لقاءات جمعت أعضاء برلمان ووزراء وصناع قرار في مستويات وهيئات مختلفة، الى جانب أكاديميين وناشطين، ممن ينتمون لمجتمعات الاغلبيات وكذلك للاقليات.. ما رأيته منهم هو: الحساسية وعدم تقبل استخدام مصطلح الأقليات، واتضح لي ان أسباب الرفض تتمثل في الغالب بالآتي:
الأول: كأن باستخدام المصطلح، فيه عزل وتمييز لهذه المجتمعات عن غيرها من مجتمعات الأغلبية، وعن بقية المواطنين.
الثاني: كأن المصطلح فيه انتقاص وتقليل من شأن هذه المجموعات. بينما يشار لهم في العراق خصوصا (هم سكان البلد الأصليين).
لكن المؤكد، ان هذا فهم خاطئ لما يقصد بمصطلح “الأقليات”، وكي لا نكرر إشكالية التعريف التي ما زالت لم تحسم، ولا نكرر المعايير الموضوعية والذاتية التي بتوافرها تحدد أي المجموعات الاثنية والدينية واللغوية تكون مشمولة بهذا المصطلح، سنكتفي باختصار القول:
استخدام المصطلح هدفه الأساسي، أن تحدد آلية لمساواة وعدالة هذه المجموعات، مع غيرها من مجتمعات الاغلبية، لأنه بغير هذه الآليات، لا يمكن حماية حقوقها. ولا يعني بأي حال من الأحوال ان نعزلها عن بقية المواطنين او الإشارة اليها لأنها أقل شأنا واضفاء شعور الدونية.
مثلا في العراق: هل نخاف على اللغة العربية والكردية من الضياع؟ بينما كل المناهج التعليمية ومخاطبات الدولة الرسمية بهذه اللغات؟ لكن، ماذا سيكون مصير اللغات الاشورية والمندائية والماجو والزردشتية والارمنية والشبكية ووو ؟ اذا لم تحدد كونها لغات أقليات وتحتاج اليات خاصة لحمايتها وتعزيزها؟ هل من الطبيعي والصحيح ان نترك ممارسات وشعائر دينية واجتماعية للايزيديين والكاكائيين وذوي البشرة السمراء (عراقيين من أصول افريقية) وبهائيين ووو ، ولا نحدد آلية لتعزيزها (تمييزا إيجابيا) بذريعة ان الكل مواطنين عراقيين ؟ ولا يجب ان نفرق؟ لنفكر فقط: اذا لم نوفر هذه الآليات: ماذا سيكون مصير وجود هكذا مجموعات اثنية، دينية ولغوية وثقافية؟ ماذا عن عناصر هويتها وثقافتها؟ ماذا عن إمكانية مشاركتها في الحياة العامة؟ ماذا عن المساواة وعدم التمييز ضدها؟ هل تنفعهم كلمة “المواطنة للجميع”، رغم كون المواطنة مفهوم متطور، راقي ومطلوب جدا. لكن هل يجب ان يكون على حساب استيعاب الاخرين او دمجهم او استبعادهم والغائهم؟
مع ذلك، سأكرر:
– المادة 125 من الدستور العراقي، أفضل أساس لتنظيم حقوق الاقليات وباسم واضح (قانون حماية حقوق الأقليات).
– وفق المادة أعلاه، ان يشمل القانون حقوقا إدارية وسياسية ولا يكتفي بالحقوق الثقافية والتعليمية وعدم التمييز فقط، أي ان يتضمن آليات الحماية الخاصة بالوجود والبقاء، حماية الهوية، المساواة وعدم التمييز، المشاركة الفعالة وذات المعنى في الحياة العامة.
– أن يتضمن القانون مادة تحدد بوضوح المعايير الموضوعية والذاتية لاي مجموعة يشملها القانون، وكما تحددها المواثيق الدولية وإعلان الأقليات.
– الأفضل ان يتضمن القانون أسماء الأقليات الاثنية والدينية واللغوية المشمولة، لان في ذلك إقرار واعتراف رسمي بوجودها، شرط ألا يتسبب ذلك بإلغاء البعض لسبب مصالح القوى المتنفذة أو المزيد من التقسيمات الداخلية للبعض الاخر ووو، عندئذ الأفضل الاكتفاء بمعيار “المقصود بالأقليات”.
– ان يتضمن القانون مادة تمنح الأقليات حق النقض (الفيتو) للقرارات التي تمس شؤونهم الخاصة.
– ان يتضمن القانون اليات تنفيذ واضحة، الى جانب إجراءات جزائية في حال الاخلال بذلك.
*تعليق الرئيس سمعته أثناء مشاركتي ممثلا (لشبكة تحالف الأقليات العراقية) مع وفد كبير قام بزيارته لايصال مخرجات النشاط الذي نظمته مستشارية الامن القومي في بغداد بالتنسيق مع منظمتي كابني وأفق للتنمية البشرية وبدعم من مجلس الكنائس العالمي في (يوم التسامح الوطني) ليومي ٦و ٧ اذار ٢٠٢٣ ، احتفالا بالذكرى الثانية لزيارة قداسة البابا فرنسيس للعراق.