اليهود
كوّن المجتمع اليهودي العراقي طوال 2500 عام من وجوده، مجموعة متجانسة، واستطاع الحفاظ على هويته الدينية، وثقافته، وتقاليده على مرّ القرون، على الرغم من الغزوات المتعددة، والانتفاضات السياسية، والحروب، والفيضانات، والأوبئة الفتاكة. وقد امتاز اليهود عن باقي الملل التي عاشت في العراق، بلهجتهم العربية القديمة التي تطورت في أيام الخليفة هارون الرشيد، والمعروفة بالعربية – اليهودية، وهي قريبة من لهجة أهل تكريت، ولهجة أهل الموصل. وهي مليئة بالمفردات التوراتية العبرية، والرموز التوراتية، وخليط من الكلمات الفارسية، والتركية، والآرامية، ثم أضيف بعد الاحتلال البريطاني بعض المصطلحات والكلمات الإنكليزية، والقليل من المصطلحات الأوروبية. وكانوا قد تميزوا في العصر العثماني بملابسهم التقليدية العراقية، ثم الأوروبية في العهد الملكي، وبمحافظتهم على قدسية يوم السبت- (الشبات)، والأعياد الدينية المقدسة، وبطعامهم من اللحم الحلال (الكاشير)، وعدم استعمال الحليب ومشتقاته مع اللحم، وأيضا من خلال طقوس ديانتهم في أعيادهم، وتوقهم الديني العميق لمدينتهم الروحية، أورشليم (القدس)، التي عبّروا عنها في صلواتهم اليومية، وفي طقوس عيد الفصح (البيسح).
وقد اندمج اليهود بصورة تامة مع الأوضاع السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وقد استعربوا بصورة كاملة، حتى أن تقاليدهم الاجتماعية، وطرائق معيشتهم كان لا يمكن تمييزها عن أقرانهم العرب. ولهذا السبب، فإن خلو العراق من الطائفة الإسرائيلية (كما كانت تسمى في العهد الملكي، ثم سميت (الطائفة الموسوية) بعد قيام دولة إسرائيل)، من طريق الهجرة على وجه الخصوص، هو حدث وقع بالإكراه، وتميزت هجرتهم من العراق عن الهجرات المماثلة لباقي يهود البلاد العربية الأخرى بقسوتها وعنفها المفاجئ، الذي أثار الأسف الشديد بين اليهود وإخوانهم من الوطنيين العراقيين من الأديان الأخرى.