حوار بين مختطفة وإرهابي في الصحراء القاحلة
الباحث/ داود مراد ختاري
علمنا في بعاج سيتم توزيعنا نحن الفتيات على أعضاء تنظيم داعش، أصاب الخوف قلوبنا والجميع في نحِيب، طلب من الجميع بالاستحمام عنوة، بالرغم من معارضتنا لكن دون جدوى .
وقالت الناجية (س. ع. ع / 1998 تل قصب)
تم توزيعنا كل خمسة او ستة الى مجمع ما داخل قضاء شنكال وكانت كل واحدة لحصة أحد المقاتلين وأنا كنت من حصة الداعشي (سعد كناش ابراهيم الزبيدي – ابو ماهر) من أهل البعاج .كان متزوجاً وتعامل زوجته معي بالقسوة خلال فترة أربع سنوات .
حاولت الهروب لثلاث مرات ، في المرة الاولى حاولنا الهرب نحن مجموعة من الفتيات من مقر الدواعش، سرقنا الموبايل من سيارة أحدهم واستطاعت احدى الزميلات من التحدث مع شقيقها في كوردستان وزوده بالإحداثيات ، ونحن البقية كنا نتحدث مع الحارس الوحيد الذي بقى في المقر، أما بقية زملائه ذهبوا الى الموصل،
طلب شقيق زميلتنا ان نتهيأ للهرب عندما يسدل الظلام لأنه اتفق مع مهرب سيأخذننا الى داره .
لكن الحارس أعلم بنيتنا في الهرب وأتصل بزملائه بسرعة العودة لأنه لا يستطيع السيطرة على الوضع وعند غروب الشمس عادوا هؤلاء ولم نستطيع تنفيذ مهمتنا، ونلنا عقاباً، حاول أحدهم قتلنا لكن بعد الاتصال بمراجعهم طلب مثولنا أمام القاضي الشرعي للبعاج .
- الشرعي/ لماذا تودن الهرب من الدولة الاسلامية ؟
- الفتيات الاربعة : نحن مازلن قاصرات ولا نتحمل فراق الأهل فاتصلت احدى زميلاتنا بشقيقها للاطمئنان على صحته .
- أنتن أصبحن مسلمات بينما أهلكم هم كفرة ولا يجوز لكلٌن التحدث مع أهل الالحاد والكفر.
- لكن هم أهلنا ؟
- كانوا أهلكم ، أما الان جميع المسلمين هم أهلكم ، بينما هم أعداء لكم .
- لكننا لا نستطيع أن نتخلى عن الوالدين والأشقاء
- سندخل كل واحدة الى عائلة في البعاج، وأية محاولة أخرى سيتم قتلكن .
ثم جاء (سعد كناش) وأخذني الى داره، عاقبني بلا رحمة مع التهديد بالقتل، وحذرني من محاولة الاتصال مع الأهل .
كانت معاملة زوجته معي أسوء منه بكثير ، حاولت أن أخدمها في جميع الاوقات كي تساعدني في الافلات من الجحيم، لكنها كانت تنقل كل كلمة اقولها أو حركة معينة الى زوجها .
قبل تحرير قضاء البعاج تم قصفها بلا هوادة ، رحلت العوائل عنها وبعث سعد كناش عائلته الى قرية قريبة لكنه أبقاني عنده، ثم ذهبنا اليهم وقصفت الطائرات هذه القرية أيضاً فرحلنا جميعاً الى مدينة (الميادين) في سورية، بقينا سنة كاملة فيها كان يتقاضى راتباً شهرياً عن كل فرد في العائلة (80) دولاراً، ثم تحولنا الى قرية قريبة تابعة الى مدينة (ميادين) وكلما نرحل من الدور التي نسكن فيها تأتي الطائرات وتقصفها .
خلال هذه الفترة كنت منقطعة عن الأهل تماما، لكن شقيقي (علو) كان أيضاً مقاتلاً لدى الدواعش فيزورني بين فترة وأخرى
بعد تحرير العراق ومدينة الحسكة السورية رحلنا الى الجزيرة ، كانت في أكثر الليالي هناك انزال قوات من قبل الطائرات وتساعدهم مجموعة من الطائرات المقاتلة، تهبط احدى الطائرات بعد المعركة وتأخذ مقاتليها وبعض الدواعش الموالين لهم ثم تقلع.
حينما كنت في مدينة (الدشيشة) زارتني فتاة اسمها (منال) من تل قصب وبقيت عندي عشرة أيام ، وكنت أزور بنت عمي باستمرار لكن بعدما تحررت دشيشة أنقطعت عنهما .
بعد فترة لم تبقَ لدى التنظيم سوى المدن الصغيرة (هجين، سوسة وشعفة) بعث زوجي بعائلته الى مدينة الحسكة بعد أن زودهم بالمستمسكات المزورة ، لكنه أبقاني عنده تحت رحمة القصف المستمر، وقلت له:
- لماذا زودت عائلتك بالمستمسكات وبعثتهم الى المنطقة الآمنة في الحسكة، وأبقيتني هنا ؟
- لا أستطيع أن أبقى لوحدي دون زوجة
- لكنك في القتال باستمرار وانا هنا تحت قصف الطائرات ؟
- لا تخافين من القصف ، الله سيحميك لأنك دخلت الاسلام ، بعدما كنتِ في ديانة الكفر والضلالة
- لماذا كنت خائفاً على زوجتك وأطفالك وأرسلتهم الى المنطقة الامنة ؟
- حينما تذهبين الى المناطق التي خارج سلطة التنظيم، فان ابليس سيوسوس في عقلك، ستبحثين عن أناس يهربونك الى أهلك في كوردستان وبذلك سترتدين عن الاسلام وفي الآخرة تدخلين نار جهنم .
- لا …. أنا أيضاً أصبحت مسلمة ولا أود العودة الى ديانتي القديمة … وأنا مثلك أطمح في جنة الله ((كان هدفي الوصول الى المنطقة الآمنة كي أعود الى أهلي))
- لا تفكري باني سأرسلك وابقى بدون زوجة
- لكن القصف مستمر ولم تبقَ مناطق لدى التنظيم سوى (هجين، سوسة وشعفة) كيف ستقاومون ؟
- هل تعلمين أن الملائكة يقاتلون معنا، فلولاهم لما استطعنا من مقاتلة العدو في هذا الصحراء
- المهم ليقاتل معكم الملائكة والجن ، لكن أريد ان تبعثني عند عائلتك .
- حينما أبعثك الى الحسكة عند العائلة، هناك عائلة كردية كانت جارة لنا في دشيش وتعلم بانك ايزيدية وحالياً قد رحلوا الى هناك وهم جارة لعائلتنا وستخبر قوات حماية الشعب الكردي، سيسلمونك الى أهلك .
- يعني أنك تود أن أموت هنا تحت القصف ؟
- حينها ستدخلين الى الجنة، لكونكِ شهيدة
- أنك لا تود استشهاد فرد من عائلتك وهم (9) أفراد وبعثتهم الى منطقة آمنة، بل تود استشهادي ؟
- عقلك صغير ، لا تودين دخول الجنة !
- أنا مازلت صغيرة في العمر من مواليد 1998، لا أود الرحيل من الدنيا .
بعدها أخذني الى المنطقة الصحراوية في سوريا تبعد ساعة كاملة بالسيارة عن دشيشة ، كنا في حالة يرثى لها لعدم توفر أبسط الخدمات وقلة الماء والطعام ، بعد أيام تشاجرت معه :
- هل يستطيع الحيوان أن يعيش في هذا الصحراء القاحلة ؟
- من أجل اعلاء كلمة الله ، لابد من تحمل الظروف القاسية .
- لكننا في الليل لا نستطيع النوم من كثرة الحيوانات وخاصة العقارب، كما تراني لا استطيع النوم بتاتاً، خوفاً من لدغ حية او عقرب .
- حالنا حال بقية الناس المتواجدين هنا
- جئتم بعوائلكم الى هذا الصحراء دون مأوى وطعام، ولو لدغ حيوان أي شخص سيموت لعدم توفر الابر الخاصة والاسعافات الضرورية ؟
- لم تبقَ الا أشهر قليلة والله سيفرج عنا، سنحرر العديد من المناطق .
ثم قصفتنا الطائرات وكنا نلبد في الجحور الارضية ثم تقدمت قوات حماية الشعب وحررت هذه الجزيرة أيضاً ، بعض العوائل سلمت نفسها اليهم، وطلبت منه أن نسلم أنفسنا أيضاً لكنه رد قائلاً :
- في نهاية المطاف سأفجر نفسي بالعدو ولا يمكنني أن أسلم نفسي اليهم ولن أدعوك أيضاً بان تسلمي نفسك الى الاعداء .
- الى أين سنذهب ؟
- الى جزيرة أخرى وسنعيش في نفقات تحت الارض
- والله أمركم عجيب، كيف تعيش العوائل في الصحراء وخاصة في الجحور ؟
- هناك خيم رمادية بلون تربة الصحراء ومتناثرة ، تعيش العوائل فيها
بعد بقائنا في تلك الخيم، طلب منه الذهاب الى القتال في الدشيشة ، قلت له :
- كيف ستغادر عنا ولا أمتلك لقمة طعام ولا وعاء لحفظ الماء؟ لم أبقَ هنا لحظة واحدة
- لكن الأوامر تلزمني بالذهاب الى القتال، كي ندافع عن أرض الاسلام
- وتود أن أموت في هذه الخيمة في الصحراء إما من قصف الطائرات أو من الجوع والعطش أو لدغ الحيوانات، واعلم اني من بني البشر .
- سأتصل بابن عمي الذي يعيش في قرية بالقرب من (الدشيش) كي يرسل لك مهرب وينقلك الى منطقة أخرى تحت سلطة التنظيم .
بعد اتصالات وصلنا الى قرية (طيان) في الجزيرة عند ابن عمه، وكان على اتصال مع ابن عمه مؤكداً بانهم قد دخلوا جزيرة في العراق وسيحاولون تحرير بعض المناطق من العراق مجدداً وهم يعيشون في جزيرة جنوب البعاج ومحاطين بقوات الحشد الشعبي .
بعد بقائي (20) يوماً عند عائلة ابن عمه في القرية، اتصلوا به قائلين : نحن لا نستطيع ان نتحمل مسؤولية هذه الايزيدية .
اتصلت به عبر الموبايل :
- عائلة ابن عمك يودون مغادرتي من الدار
- حسناً … سأتصل بشقيقي في مدينة (أدلب) كي يبعث بمهرب اليك وستذهبين اليه ومن ثم الى تركيا
- لماذا لا أذهب الى عائلتك في الحسكة ؟
- قلت لكِ مراراً ان العائلة الكردية الجارة لنا في دشيشة، تسكن حالياً بالقرب من عائلتي في الحسكة أيضاً ، وسيخبرون القوات الامنية في المدينة بوجود فتاة ايزيدية وسيتم تحويلك الى أهلك في كوردستان
اعتذر شقيقه من تحويلي الى (أدلب) لوجود العشرات من السيطرات الحكومية وللقوات الديمقراطية وسيتم القاء القبض عليها ويعدم المهرب لا محال .
اتصل بداعشي من أهل تلعفر ويسكن في مدينة (هجين) وعلى علم بحركات المهربين، قال له : سأنقل زوجتك الى هجين ثم انقلها لك الى الجزيرة في العراق .
رفضت طلبهم بالعيش مجدداً في الصحراء ونحن في شهر آب 2018، لكنه أصر على الالتحاق به في جحور صحراء البعاج.
أخذني المهرب كي يوصلني الى مدينة (هجين) كان لابد إلا العبور عبر سيطرات قوات الديمقراطية الكردية ، زودوني بهوية فتاة سورية ، ركبت في مؤخرة (بودي) سيارة نوع بيكب، وهم ثلاثة أشخاص كانوا في مقصورة السيارة، بكيت لحالي كثيراً .
حينما أقتربنا من سيطرة (اليبكة) قررت أخبارهم باني ايزيدية وأترجى منهم مساعدتي، لكنهم ابتعدوا عن السيطرة ماراً في طريق ترابي، ندمت حظي، بعدها وصلنا الى منطقة صحراوية والوقت ليلاً، ترجلا الثلاثة من السيارة ، أحسست أنهم يودون اغتصابي في الصحراء ، لكنهم أكدوا لي بأننا سنتعامل معك كأخت لنا وسنأخذك الى دارنا ومن ثم نأخذك الى أهلك بعد الاتصال بهم .
حينما وصلنا الى الدار جاءني أحدهم وحلفني بأن أقول لهم الحقيقة :
- هل فعلاً انتِ ايزيدية وتودين العودة الى أهلكِ ؟
- كانت معي مستمسكات بأسمي عند عقد الزواج في محكمة الدواعش، بينما الهوية فهي مزورة بأسم فتاة سورية .
- نحن مهربين وسنتصل بأهلك كي نتفق على المبلغ
- ان زوجي هو الذي اتصل بصديقه وهو رتب تهريبي اليه في صحراء البعاج، هل تودون معرفة نيتي الهروب من الدولة الاسلامية الداعشية، ومن ثم معاقبتي ، ارجوكم أن ترحمون بحالي ، والله أنا أود الموت لكني لم أحصل عليه، لا أدري كيف سأعيش مطارداً في صحراء البعاج، تلك الصحراء الذي عاش فيه وترعرع نواة الدواعش ثم تطور وأحتل نصف العراق ونصف سوريا بالاضافة الى بعض مناطق ليبيا .
- والله سنأخذك الى اهلك في كوردستان
- لا أصدق أحداً في هذه الدنيا، الناس فيها لا تتأمن
- هل لديك رقم أحد أخوتك أو أقربائك ؟
- منذ اربع سنوات انقطعت عنهم ولا أمتلك أية وسيلة للاتصال بهم
- سنتصل بالمهربين الايزيديين وهم بدورهم سيتصلون بأهلك، قل لنا اسمك الرباعي والعشيرة والمجمع السكني، لان أهلك سيدفعون لنا مبلغاً مضاعفاً عن ما يدفعه زوجك الداعشي.
- أكتبوا المعلومات عني ولكن لا أصدقكم بانكم تودون ايصالي الى الاهل !
- (بعد خمسة أيام) ابلغوني بان الشحنات تمر الان عبر طريق هجين وسنأخذك اليها ومن ثم يتم ايصالك الى صحراء البعاج عند زوجك، ((ولكنهم كانوا على اتصال مع أهلي واتفقوا على المبلغ دون أن أعلم بذلك)) .
- في كل يوم لديكم كلام ، أنا بين ايديكم أفعلوا ما تريدون .
في اليوم التالي جاءت سيارة وركبوني مع ثلاثة آخرين وقالوا : سنوصلك الى مدينة هجين التي تحت سيطرة التنظيم ، ركبت معهم، في أول سيطرة تبين لي من ملامحهم أنهم من (اليبك- القوات الديمقراطية) رحبوا بنا ولكن كان الحديث باللغة العربية، بعد عبورنا السيطرة سألتهم :
- الم تكن هذه السيطرة للقوات الكردية ؟
- السائق : لا أختي هؤلاء من مقاتلي التنظيم
- في السيطرة الثانية ، رحبوا بي قائلين : مرحباً بكِ اختاه.
اندهشت، ولم يبقَ الا ويغمى علي، اراهم بملابس (اليبك) بينما يتحدثون باللغة العربية والمهربين يقولون هؤلاء من مقاتلي التنظيم .
في السيطرة الثالثة، طلب مني الترجل من السيارة وقال لي مسؤول السيطرة : مرحباً بك ونبارك تحررك من أيدي الدواعش وانت الان في منطقة محررة وسنأخذك الى قامشلو ومن هناك الى كوردستان العراق، سررت بكلامه وشكرت الرب على نجاتي من هؤلاء المجرمين وعقولهم المتحجرة .
وعند عودتنا سمعنا بان الطائرات قصفت قافلة وقتل كل من (المسؤول / مشعل العايد، سعد كناش ، / ابو صالح) ارادوا العبورمن صحراء البعاج الى سوريا ، ولو كنت قد عدت اليه لكنت جثة محترقة معهم
والان انا سعيدة جداً بتحريري وأعيش مرة أخرى بين أفراد عائلتي بعد رحلة عذاب دام أكثر من أربع سنوات .