تقارير

مجالس المحافظات مجددا.. هل يتكرر “الفشل”؟

ايزيدي 24 عن العالم الجديد

تجري اليوم، انتخابات مجالس المحافظات لأول مرة منذ 10 سنوات وسط محاذير سياسية ومقاطعة واسعة وسخط شعبي كبير، وفيما يتوقع أن تكون نسبة المشاركة قليلة بعد انسحاب قطاعات سياسية وشعبية واسعة أبرزها التيار الصدري أحد أكبر أطراف العملية السياسية، يرجح مراقبون للشأن السياسي، تكرار المجالس لتجربتها “الفاشلة” بسبب قانون الانتخابات الذي اعتمد وجود الأحزاب نفسها.

 

وكانت آخر انتخابات لمجالس المحافظات جرت في نيسان أبريل 2013، وبحسب مفوضية الانتخابات فإن نسبة المشاركة بلغت آنذاك 50 بالمئة، بعدما شارك ستة ملايين و400 ألف و777 ناخبا في هذه الانتخابات من بين نحو 13 مليونا و800 ألف ناخب مسجل.

 

ويقول المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “انتخابات مجالس المحافظات أمر دستوري، فقوانين الدولة نصت على وجود مجالس محلية لإدارة شؤون المحافظات، لكن تجربة السنوات الماضية تخبرنا أن هذه المجالس كانت فاشلة بامتياز لأنها لم تحقق شيئاً في عموم المحافظات التي كانت فيها”.

 

ويضيف المشعل أن “مئات المليارات من الدولارات أهدرتها تجربة مجالس المحافظات دون فائدة تذكر، ولعل القرار الذي صدر تماهيا مع رغبة محتجي تشرين في 2019 بحل هذه المجالس كان صائبا وقائما على مراجعة الواقع وليس اجتهادا شخصيا”.

 

ومنذ تشرين 2019 جرى تعطيل هذه المؤسسة بعد أكبر “انتفاضة” شعبية حدثت بعد 2003 وحملت مطالب كثيرة على رأسها إلغاء مجالس المحافظات وتغيير قانون الانتخابات.

 

واستجابة لتلك المطالب صوت مجلس النواب في تشرين الثاني نوفمبر 2019، لصالح تعديل قانوني أنهى بموجبه عمل مجالس المحافظات، وتكليف أعضاء البرلمان بمهمة مراقبة عمل المحافظ ونائبيه في المحافظات، إذ أقر المجلس مقترح قانون التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لعام 2018، ونص على “إنهاء عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم ومجالس الأقضية والنواحي الحالية التابعة لها”.

 

وبموجب التعديل، “يقوم أعضاء مجلس النواب كل قدر تعلق الأمر بالمحافظة التي يمثلها بممارسة الإشراف والرقابة على أعمال المحافظ ونائبيه في كل محافظة، وتقديم التوصيات اللازمة بشأنها لمجلس النواب”.

 

لكن المشعل، يرى أن “غياب مجالس المحافظات ترك فراغه أيضا، فعدد من المحافظين استفردوا بالقرارات وتفشى الفساد، فبدا أمر إعادتها ملحا وعلى هذا الأساس أعيدت، ولكنها ستعيد التجربة السيئة أيضاً بسبب قانون الانتخابات النافذ، فقانون سانت ليغو المعدل، سيُمكّن الأحزاب الكبيرة والثرية من الهيمنة لأن الموارد البشرية والمالية بيدها وستتمكن من الفوز وتعيد تموضع سلطاتها في المحافظات”.

 

ويأمل أن “تكون هذه الجولة من مجالس المحافظات أفضل، لأن جميع الأحزاب جربت الفشل، فلا ضير من النجاح، لاسيما وأن المحافظات تعاني تخلفا بقطاعات الخدمات والصحة والتربية وظروف الحياة أصبحت أصعب”.

 

وعلى الرغم من تعطيل المجالس من قبل البرلمان، لكن المحكمة الاتحادية قطعت الطريق بتشريع قانون يلغي مجالس المحافظات، وأكدت في قرار صدر في حزيران 2021 أن وجود مجالس المحافظات “حقيقة دستورية لا يمكن تجاوزها”، وبالتالي لا يجوز للسلطة التشريعية أن تشرع قانونا يتضمن إلغاء تلك المجالس لتعارض ذلك مع أحكام الدستور ومبادئ الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة.

 

ويقول مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مجالس المحافظات بنية مؤسسية دستورية تشكل قاعدة أساسية للنظام البرلماني الديمقراطي بجانب كونها مؤسسة حيوية للإدارة اللامركزية في المحافظات التي لا تنتظم بإقليم”.

 

ويضيف فيصل، أن “هذه المجالس مؤسسة حيوية لتعزيز فرص التشريع المحلي ضمن إطار خصوصية المحافظات واحتياجاتها الاجتماعية والسياسية بجانب دورها الوظيفي المهم بالرقابة على المؤسسات المختلفة في المحافظات لحماية حقوق المواطنين إضافة إلى توفير الخدمات من المستشفيات والطرق والمدارس”.

 

ويتأسف الباحث في الدراسات الاستراتيجية، لأن “هذا النموذج الديمقراطي في الدول المتطورة لم يحظ في العراق بعناية من قبل الأحزاب السياسية التي هيمنت واحتكرت السلطة منذ عام 2006 حتى الآن وفق قواعد لا تتسم بالديمقراطية، بل تتمثل بالمحاصصة الطائفية والسياسية واعتبار السلطة غنيمة عبر الاستحواذ على الثروات”.

 

ويرجح أن “تذهب مجالس المحافظات مرة أخرى نحو القواعد والأسس التي تبنتها الأحزاب الحاكمة باعتبار هذه السلطات المحلية حكرا على عوائل وعشائر وليس على أساس الكفاءة والنزاهة والقدرة على إدارة موارد البلاد”.

 

وأسدل الستار السبت الماضي، على التصويت الخاص في انتخابات مجالس المحافظات، بنسبة مشاركة مرتفعة نسبيا حسب الإعلان الأولي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وأشار مراقبون في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، إلى أنها غير معبرة عن النسبة الحقيقية التي ستكون عليها اليوم في الاقتراع العام، وعزوا المشاركة الكبيرة لمنتسبي الأجهزة الأمنية إلى الضغوط التي مورست عليهم من قبل آمريهم ومسؤوليهم، متوقعين عدم تجاوز نسبة المشاركة العامة في المتوسط 20 بالمئة، نظرا للمقاطعة التي تشهدها الانتخابات من جهات وشرائح مختلفة.

 

وحمل التصويت الخاص في الانتخابات مؤشرات سلبية بشأن إمكانية إتمام المناسبة الانتخابية التي تُستكمل اليوم الاثنين بالتصويت العام، في أحسن الظروف بعيدا عن محاذير التلاعب وتزوير إرادة الناخبين، وتمثّل ذلك في تعطّل أعداد كبيرة من أجهزة التصويت الإلكترونية، وهو الأمر الذي تعذّر معه نقل البيانات بشكل فوري إلى مركز العدّ والفرز.

 

وتشهد هذه الانتخابات غياب التيار الصدري عن المشاركة، إذ وجه زعيم التيار مقتدى الصدر، في منتصف شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، أنصاره بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، وعدّ ذلك بأنه سيقلل من شرعيتها خارجيا وداخليا، حيث أكد أن “مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً.. ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيض العدا.. ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى