تقارير

مستقبل “طريق التنمية” العراقي بين مشاريع التجارة العالمية، في ظل عقبات التمويل والمليشيات وضعف القانون

ايزيدي 24 عن شبكة نيريج 

في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، شق الإسكندر المقدوني طريقه إلى آسيا، وسيطر على معظم بلدان العالم، لكنه اختار “بابل” العراقية عاصمة لإمبراطوريته العالمية، كونها تربط شرق العالم القديم بغربه.

وعلى خطى المقدوني حين اختار بابل، طرحت الحكومة العراقية ما أسمته بـ”طريق التنمية” العالمي، الذي يشق البلاد من اقصى جنوبها المطل على الخليج الى شمالها الممتد على تركيا ثم اوربا.

طريق يأمل العراق أن يربط دول قارة آسيا التي تغزو العالم بانتاجها الصناعي الواعد بدول أوروبا الغنية بامكاناتها التكنلوجية والصناعية والزراعية، عبر ممر بطول 1200 كم، يصل ميناء الفاو الجنوبي بالحدود التركية شمالاً، من خلال سكك حديدية وطريق بري، يمران بـ 10 مدن عراقية، بتكلفة اولية تبلغ 17 مليار دولار، وأرباح تقديرية تصل إلى نحو 5 مليارات دولار سنوياً.

لكن مغزل السياسة الدولية يحيك ثلاثة مسارات أخرى للتجارة العالمية، كلها لا تمر بالمشروع العراقي وتختار طرقاً بديلة، إلى جانب التوجهات الاقليمية والأوضاع الداخلية المعرقلة، والعقبات الت يقد تواجه انشاءه كالأمن ونفوذ الفصائل والطبيعة العشائرية، فضلاً عن التمويل والشركات الاستثمارية الأجنبية بمتطلباتها ومخاوفها، إضافة إلى فرص المشاركة الدولية التي دونها يفقد الطريق أهميته.

وهنا يبرز السؤال: هل سيتمكن خط التنمية العراقي من منافسة مسارات الطرق الأخرى التي تمر من ايران الى تركيا، او من السعودية الى اسرائيل؟ وهل سيحظى بفرصة أن يكون طريقا عالميا كما يُخطط له؟

زيارة أردوغان وتوقيع رباعي

في 22 نيسان ابريل 2024، زار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، العراق بعد 13 عاما من الغياب، وكان المحور الرئيسي للزيارة توقيع “اتفاقية اطار استراتيجي” للتعاون، و”مذكرة تفاهم مشروع طريق التنمية” للمضي في المشروع، فضلا عن التوصل لتفاهمات أمنية ترى تركية انها جوهرية لضمان أمن مسار الطريق والاستثمار فيه لتحقيقه أهدافه في اقامة طريق مختصر للتجارة العالمية بين الشرق والغرب يمتد من شواطئ الخليج الى العراق مرورا بتركيا وانتهاء بالموانئ الأوربية.

وتم خلال الزيارة أيضا توقيع “مذكرة تفاهم” للتعاون المشترك بين العراق وتركيا والامارات وقطر بشأن المشروع، الذي أعلنت تلك الدول دعمها له واستعدادها للمساهمة فيه. وتتضمن المذكرة قيام الدول الموقعة بوضع الأطر اللازمة لتنفيذ المشروع، الذي يؤمل منه أن يسهل التجارة الدولية عبر توفير طريق نقل تنافسي جديد يساهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي.

ووقع المذكرة عن الجانب العراقي وزير النقل رزاق محيبس، وعن الجانب التركي وزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، وعن الجانب القطري وزير المواصلات جاسم بن سيف السليطي، وعن الجانب الإماراتي وزير الطاقة والبنية التحتية سهيل محمد المزروعي.

وذكر مسؤولون عراقيون، ان الطريق سيمول من خلال “صندوق” ستوضع حصص محددة من النفط تخصص وارداته للمشروع، مشيرين الى ان العراق خلال زيارة اردوغان وقع سلسلة مذكرات تفاهم ذات بعد اقتصادي استثماري تجاري تمهد لتعزيز التعاون في بناء طريق التنمية، ضمن 24 مذكرة تم توقيعها.

وفي اقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الفيدرالي، والذي ختم الرئيس التركي لقاءاته فيه، قبل العودة الى بلاده، أبدى المسؤولون الكرد رغبتهم في ان يكون اقليم كردستان جزءا من المشروع، وهو ما أيده اردوغان وأكد أهمية تحقيقه.

تظهر التحركات العراقية التركية، والمساهمة الخليجية، أهمية هذا الطريق بالنسبة لتلك الدول وخاصة العراق الذي يأمل أن يبدأ المرحلة الاولى منه مع إنجاز ميناء الفاو عام 2028 وان يكتمل في 2050، في ظل تنافس عالمي على انشاء طرق تجارةي دولية جديدة،

الممرات الروسية والصينية والأميركية

في أيار 2023 وقعت روسيا اتفاقية مع إيران لإنشاء سكة حديدية بطول 162 كم تربط مدينة “رش” الإيرانية بميناء “ستارة” الايرانية على بحر قزوين، لإكمال المقطع الناقص من مشروع ممر الشحن “شمال – جنوب” بين روسيا وإيران والهند، بطول 7200 كم، وفقاً لنائب مدير السكك الحديدية الروسية سيرغي بافلوف.

يمتد المسار الأول للمشروع من روسيا نحو كازخستان، أوزباكستان، تركمانستان، ميناء بندر عباس الإيراني وأخيراً مومباي الهندية، فيما يربط المسار الثاني “البحري” الموانئ الروسية شمال بحر قزوين بالإيرانية جنوب البحر، بينما المسار الثالث من العاصمة الشمالية الروسية “سان بطرسبيرغ” بسكك حديدية نحو أذربيجان جنوباً وصولاً إلى مدينة ستارة الإيرانية، وعند اكتمال المقطع الناقص سيصل إلى مدينة رش الإيرانية ويكمل نحو الهند.

Image 3
ممر “شمال – جنوب” الروسي

وأطلقت الصين من جانبها مشروعها الأكبر عالميا المعروف باسم “الحزام والطريق” في العام 2013، لتعيد أمجاد “طريق الحرير” القديم، عبر مسارين بري وبحري بطول 10 آلاف كم، يغطيان 66 دولة، وبكلفة تتراوح بين 4 و8 تريليونات دولار ويشمل إنشاء سكك حديدية وأنابيب نفطية وخطوط كهرباء.

تبدأ الخارطة الرسمية للطريق البري من مدينة “شيان” الصينية مروراً بكازخستان، نحو أوزبكستان – ايران – شرق تركيا وصولا الى اسطنبول، ثم شمالاً تجاه روسيا – ألمانيا وأخيراً ميناء روتردام الهولندي.

بينما المسار البحري يمتد من موانئ الصين إلى ماليزيا وإندونيسيا جنوباً، ثم يتجه شمالاً إلى “كولكاتا” الهندية، سريلانكا، ثم غرباً نحو كينيا، جيبوتي، وعبر قناة السويس إلى اليونان والمحطة الأخيرة في البندقية بإيطاليا.

Image 4
مبادرة الحزام والطريق الصينية

عندما أعلنت الصين عن مؤتمر “الحزام والطريق” في السابع من أيلول 2023 وتطلعها لأن يجمع مشروعها 90 دولة، برزت خطط لمسارات أخرى غير ما ترسمه الصين والروسيا، فقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في التاسع من أيلول من العام نفسه خلال قمة العشرين في الهند عن ما أسماه مشروع “الممر الكبير”، المتضمن إنشاء سكك حديدية وتيسير نقل البضائع والكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وأنابيب بين آسيا وأوروبا بكلفة 3 تريليونات دولار.

يمتد مشروع الممر الأمريكي الاقتصادي التجاري من الموانئ الهندية إلى الإماراتية عبر مسار بحري، ثم طريق سككي عبر السعودية إلى الأردن حتى ميناء حيفا الإسرائيلي، ومن هناك إلى الاتحاد الأوروبي بحراً.

Image 5
الممر الاقتصادي الأميركي

 

نتنياهو معلقا على الممر التجاري الاقتصادي الأمريكي

تظهر خطوط مسارات المشاريع الصينية والروسية والامريكية العملاقة، ان كلها تحاذي العراق دون أن تمر به، ما يشكل خسارة كبيرة لفرص اقتصادية واعدة للعراق، رغم ذلك رحبت الحكومة العراقية بانشاء تلك المشاريع، وقالت إنها تشكل أهمية اقتصادية للمنطقة حين اكتمالها، لكنها أكدت أيضا أن “خط التنمية” العراقي المقترح، هو أقصر وأنسب الطرق للسوق العالمية.

فالطريق العراقي، يختصر المسافة لنحو عشرة أيام، وينقل 15 مليون مسافر و3.5 مليون حاوية في المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فيُفترض أن تنتهي عام 2038، وعندها ستصل إلى 7.5 مليون حاوية و33 مليون طن من البضائع، والثالثة في العام 2050، بواقع 25 مليون حاوية، بحسب وزير النقل رزاق السعداوي.

(فيديو لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني يتحدث عن عدم مرور الطرق العالمية بالمشروع العراقي)

مواقف رسمية عراقية عديدة أشارت إلى أن الطرق العالمية، وبشكل خاص المشروع الأمريكي، هي إما مشاريع مقترحة  مازالت على الورق، أو تواجه تحديات تعيق اكمالها كالمشروعين الصيني والروسي، بينما العمل في طريق التنمية بدأ وهناك جدول زمني لتنفيذه، كما أن ميناء الفاو موجود في الواقع والعمل مستمر به وسينتهي في العام 2028، تزامناً مع المرحلة الأولى من المشروع العراقي.

Image 6

مواقف وانعكاسات دولية

منذ طرح مشروع طريق التنمية، يزداد عدد الدول الراغبة بالمشاركة في المشروع، بحسب مسؤولين عراقيين، نظراً لأهميته الاستثمارية وموقعه الجغرافي، سيما الدول الأوربية، إذ يوفر الطريق الوقت والجهد مقارنة بالنقل عبر قناة السويس، شريطة توافر البيئة الأمنية المستقرة وهو ما يتطلب استقرارا سياسيا واجتماعيا في البلاد.

ومع تميز الطريق بقصره وصولا الى البر او السواحل الاوربية عبر تركيا، فان انجازه سينعكس سلباً على قناة السويس، وفقاً للخبير الاقتصادي نبيل المرسومي الذي يؤكد أن الطريق العراقي سيؤثر على حجم حركة النقل في القناة المصرية سيما مع وجود ممرات ملاحية دولية جديدة.

ويقول “سيأخذ طريق التنمية في حال إنجازه بالشكل المخطط له، جزءاً كبيراً من البضائع المارة عبر القناة المصرية خاصة البضائع متوسطة الحجم والصغيرة، مع بقاء السويس بالقدرات الكبيرة التي تملكها ممرا أساسيا لنقل البضائع الضخمة التي يناسبها النقل البحري”.

وعن امكانية تأثر مصالح بعض الدول من المشروع، يقول باحثون عراقيون ان على العراق رعاية وحماية مصالحه بغض النظر عن مواقف الدول الأخرى وتأثير اي مشاريع عراقية عليها.

في هذا المجال يقول الباحث الأكاديمي أياد العنبر، إن قرار إنشاء طريق التنمية “قرار عراقي”، والمشروع بات “هدفاً استثمارياً مهماً للبلد ويجب المضي في انجازه”، ودولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية لن تعارضه بل ستسعى لتحقيق مصالحها من خلاله سيما وأنها لا تملك موضع قدم في المشاريع الأخرى المخطط لها في المنطقة.

وبشأن الموقف الايراني يضيف ان “طهران تنتهج الموقف ذاته ولها طموح مشابه ومصلحة في انجاز المشروع، فهو سيحقق لها منجزات اقتصادية من خلال الحركة الاستثمارية المرافقة له وفي ظل علاقات تجارية كبيرة ومستمرة مع العراق”.

مواقف القوى السياسية

المواقف العراقية الداخلية تكاد تكون متطابقة من مشروع طريق التنمية، فهي تؤيد انجازه بل والاسراع في ذلك، لكن بعض القوى الكردية والعربية السنية تبدي مخاوف او ملاحظات بشأن مسارات مروره والجهات التي ستنفذه وستديره.

النائب عن ائتلاف دولة القانون ضمن الإطار التنسيقي الشيعي عقيل الفتلاوي، يقول إن البلاد بحاجة ماسة الى هذا “الشريان الأبهر” لتنويع اقتصاده وتعزيزه.

ويضيف “هناك إجماع سياسي عراقي على تأييد المشروع لأهميته وضرورته، فهو يخدم العراق ودول أخرى التمسنا حماستهم في الانجاز ورغبتهم في المشاركة”، معربا عن قناعته بأنه سيبصر النور حتماً “نظراً للجدية والإرادة السياسية والبرلمانية التي نراها من الجميع”.

الموقف الكردي في اطاره العام أبدى تأييدا لتنفيذ المشروع بإعتباره “يخدم العراق والمنطقة”، لكنه قدم بعض الملاحظات بشأن عدم مروره ببعض محافظات الاقليم قبل وصوله الى تركيا.

وعقد مسؤولون في حكومة اقليم كردستان اجتماعات مع الجهات المكلفة بالمشروع في الحكومة الاتحادية، لإقناعها بمرور المسار الرئيسي للطريق بالمدن الكردية، متسائلين عن مدى الفائدة الاقتصادية التي ستعود على شعب كردستان الذي يطالب بحقه القانوني وحصته من المشاريع الاستراتيجية المنفذة في الدولة، وفقاً للنائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني هريم كمال آغا.

وتأمل حكومة الاقليم التوصل الى اتفاق رسمي مع الحكومة الاتحادية، بشأن المسافة التي سيقطعها الطريق داخل حدود الإقليم، بما يضمن تحقيق فوائد للاقليم.

كمال آغا، ذكر أن “طريق كردستان هو الأقصر والأفضل لمسار المشروع”، مشيرا إلى وجود أطراف سياسية -لم يسمها- تريد حرمان الإقليم من فوائده.

القوى العربية السنية أيدت بدورها طريق “الفاو – تركيا”، لكنها ايضا أبدت تحفظات وتساؤلات. يقول النائب عن تحالف السيادة عبد الكريم عبطان إن للعراق موقعاً جغرافياً وسياسياً مهماً “يَعدُ مركزاً للجهات الأربع، وأي طريق، جوياً كان أم برياً لا يمر بالعراق ستكون تكاليفه أكبر، كل دول العالم تعرف ذلك”.

وتابع المكون السني مؤيد لأي طريق فيه مصلحة الشعب والبلاد “لكن العراق سيبقى أسيراً لمن يقوم بهذا الربط، وسيكون للسنة ملاحظاتهم ورأيهم آنذاك”، مشيرا إلى قيود لم يوضح طبيعتها، قد تُخضِع العراق لسطوة الجهات المنفذة للمشروع وشركائهم، مبيناً أن “آلية التنفيذ تستوجب بعض الشروط والحديث عنها سابق لأوانه”.

ولا يخفي سياسيون من المكونات العراقية الثلاثة، ملاحظاتهم بشأن امكانية انجاز المشروع في ظل غياب الأجواء المناسبة لاستقطاب الاستثمارات وعدم استتباب الأمن في بعض مناطق البلاد وضعف قوة الدولة والقانون وسيطرة فصائل مسلحة وعشائر تتدخل احيانا لفرض مطالبها الخاصة والى حد التهديد بتعطيل مشاريع كما حصل في عمل بعض الشركات النفطية في جنوب البلاد.

كيف سينفذ المشروع؟

لم تحسم الحكومة العراقية ممثلة بمجلس الوزراء الى الآن آلية تنفيذ المشروع، لكن هناك عدة طرق مطروحة للتنفيذ، فقد ينفذ بالتمويل الحكومي المباشر “المقاولة” وحينها سيحتاج الى وقت طويل بسبب متطلباته المالية الكبيرة، أو بالمشاركة الاستثمارية وهو أمر مرجح في حال تم الاتفاق مع شركات دولية، أو بالعمل والتشغيل المشترك مع الدول المشاركة، أو اعتمادا على قروض الشركات العالمية.

ويكشف مدير عام السكك الحديدية يونس الكعبي، عن بعض الأفكار المطروحة من قبل الهيئة العليا للمشروع من أجل تنفيذه، أبرزها، أسلوب الاستثمار بمقاطع محددة من الطريق، مشيرا الى عدة نقاط توقفت عندها الشركات التي قد تنفذ المشروع، فبعضها لا ترغب بالعمل في مناطق معينة بالعراق بسبب الأوضاع الأمنية والطبيعة العشائرية لتلك المناطق التي لا تشجعها.

رغم ذلك يقول الكعبي، إن عدة شركات عالمية، صينية وكورية وتركية، أبدت استعدادها لتنفيذ المشروع، اضافة الى بعض الشركات الأوربية، إلى جانب شركات محلية كبرى نفذت عدة مشاريع في العراق وترغب في العمل بطريق التنمية بشكل مباشر أو تحت ظل شركات عالمية.

وبحسب مصادر رسمية، أبدت شركات من دول عربية أيضا استعدادها للمشاركة بالتنفيذ، غالبيتها من الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، رغبة منها في الحصول على موضع قدم في مشاريع المدن الصناعية والاستثمارات المرافقة للمشروع وعلى جانبي المسار.

وكان العراق قد أنجز 50% من التصاميم الأولية للمشروع عبر شركة إيطالية، كما انتهت الشركة التركية من فحص التربة لمسافة 1000 كم، والـ 200 المتبقية تضم حقول ألغام ومقطع صغير ضمن إقليم كردستان يحتاج إلى موافقات، بحسب مدير عام السكك الحديدية، الذي أكد انضمام 18 دولة عربية وأجنبية للمشروع.

الكعبي أوضح أن السكة الحديد التي سيتضمنها المشروع ستكون وفق النظام الأوربي “أكسل لود 25″، وهي الحمولة المحورية لعجلتين، وستصل سرعة القطارات في نقل المسافرين إلى 300 كم في الساعة، بينما ستبلغ لنقل البضائع 140 كم.

آمال عراقية بنقل الغاز

في جعبة الحكومة مقترح لمد شبكة أنابيب بموازاة مسار المشروع، لتنقل الغاز الطبيعي من العراق إلى أوروبا، حال اكتمال أعمال التطوير الجارية في حقول غرب وجنوب البلاد التي تهدف في المرحلة الأولى الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال الأعوام الثلاثة او الأربعة المقبلة، لتعقبها مرحلة التصدير.

وكانت دولة قطر قد وقعت اتفاقين مع كل من شركتي “شل” و”توتال إنرجيز” لتوريد ما يصل إلى 3.5 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال لكل منهما بدءاً من العام 2026 ولمدة 27 عاماً، وتعتزم زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال، بأكثر من 60% ليصل إلى 126 مليون طن سنوياً بحلول 2027 ما قد يدعم إنشاء شبكة من الأنابيب تمتد عبر مياه الخليج شمالاً باتجاه العراق ومنها إلى تركيا فأوروبا، وفقاً لتقارير دولية. بدل ان يتم نقلها عبر البحر ولمسافات أطول.

وفي حال تم ذلك فإن كلفة وزمن نقل الغاز الطبيعي ستكون أقل بكثير عبر المشروع العراقي، ما يعطيه دعماً أوروبياً أيضاً، خصوصاً وأن الأخيرة ترغب في إيجاد البدائل المناسبة للغاز الروسي بأسرع وقت ممكن.

ويؤكد متخصصون في مجال الطاقة، أن هناك إمكانية لنقل الغاز القطري عبر ناقلات الغاز المسال البحرية أو شبكة أنابيب تحت البحر، من قطر إلى ميناء أم قصر، فالمسافة تبلغ 650 كم فقط، وهناك شركات مستعدة لانجاز هكذا مشاريع.

لكنهم يشيرون إلى وجود صعوبات وعراقيل في مسار التنفيذ تبدأ من ميناء الفاو إلى تركيا، أبرزها المتطلبات السياسية الأمنية الأساسية المتمثلة بالاستقرار على المدى الطويل، ومستوى المجازفة العالي، والجدوى الاقتصادية لشركات النقل القطرية.

كما يشكك باحثون اقتصاديون مثل الدكتورة سعاد عبد القادر، المختصة باقتصاديات النفط في جامعة دهوك، بقدرة العراق على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال خمس سنوات، مشيرة الى ان معدلات العمل الحالية ومستويات الانجاز لن تمكن العراق من التصدير قبل ثمان الى عشر سنوات مقبلة، خلالها سيبقى العراق بحاجة لاستيراد الغاز الإيراني.

“ترانزيت” الاتصالات والانترنت

يكشف النائب عقيل الفتلاوي عن مشروع آخر يدخل ضمن فرص التنمية الواعدة يطلق عليه اسم “الترانزيت”، مشيرا الى ان العراق يمكن ان يصبح محطة لربط ونقل “الكابل الضوئي” الخاص بالاتصالات والإنترنت بين آسيا وأوروبا، إذ عقدت وزارة الاتصالات مذكرات تفاهم مع السعودية ودول أخرى لتحقيق ذلك.

وهو ما أكده مدير السكك يونس الكعبي، قائلا إن المشروع يشمل “كيبل محوري”، يصل براً بشكل مواز لمسارات طريق التنمية، وسيفيد العراق في تطوير شبكات الاتصالات ويغنيه عن “الكيبل البحري” بمشاكله المعقدة.

ويعاني العراق من ضعف مزمن في شبكات الانترنيت ومن مشاكل في الكيبلات التي تغذيها، ومن ارتفاع كلف الاستخدام مقارنة بدول اخرى.

وكانت وزيرة الاتصالات هيام الياسري قد صرحت في حديث تلفزيوني، أن أحد الكيبلات البحرية القادمة من ميناء الفاو، ويعود لشركة “إيرث لينك”، هو مغلق “مثل الحنفية المغلقة” منذ العام 2015، مشيرة الى انها عندما تسلمت الوزارة وجدت دعاوى قضائية على هذه الكوابل، مؤكدة أن الشركة لم تُحاسب على غلقها لهذه المداخل.

ثلاثة سيناريوهات لما بعد الإنجازتفيد تصريحات متخصصين في الاقتصاد والنقل والتجارة الدولية، بوجود ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن آفاق طريق التنمية وفرص نجاحه، في ظل المشاريع العالمية الثلاثة لطرق التجارة والتي تعمل عليها كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة.

السيناريو الأول، يتمثل في فشل المشروع بتحقيق أي نجاح دولي أو حتى اقليمي، لتعذر تلبية متطلبات ذلك، من سياسة ثابتة وأمن راسخ وسيادة قانون.

يقول الخبير الاقتصادي همام الشمّاع، إن الاحتكار في التجارة العالمية غير وارد، سيما في قضايا النقل وهذا مفيد، ويعني وجود فرصة نظريا لربط الطرق العالمية بالمشروع العراقي، لكن عمليا العراق غير مؤهل أمنياً لضمان “دولية هذا الطريق” بتأمين متطلباته.

ويضيف ان العراق وفق المؤشرات الحالية غير قادر على توفير متطلبات “تأمين عالمية أو حتى إقليمية” هذا الطريق، فيما هناك طرق بديلة تصل إلى تركيا بشكل آمن، مرجحا ان يبقى المشروع محلياً، متسائلاً: “إذا تجاوزنا التكلفة الكبيرة، كيف سنتجاوز المعضلات الأمنية، ووجود الميليشيات وفرضها للأتاوات؟ لذلك المشروع لن يكون له إلا فوائد محلية”.

السيناريو الثاني يتمثل في تحقيق المشروع للنجاح محلياً واقليمياً، مع استحالة ان يصبح طريقاً عالمياً في ظل مشاريع الدول الكبرى وخطوط النقل التي رسمتها على طول العالم.

 وهذا ما يرجحه الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي قائلاً ان طريق التنمية في حال إنجازه سيشكل مكسباً محليا للعراق، لكن بوجود الممرات الروسية والصينية والأميركية لن يكسب الممر العراقي الصفة العالمية وسيبقى مشروعا إقليمياً تقتصر فوائده على نقل البضائع البسيطة بين تركيا والخليج.

ويستدرك المرسومي “تبقى احتمالية ارتباط الطرق العالمية بالمشروع بعد إنجازه واردة، في حال تجاوز العراق المشاكل الأمنية والصراعات الداخلية” وتمكن من تحقيق الأمان والاستقرار الاداري وضمان القانون بما يعطي الثقة للشركات الأجنبية لاستثمار الطريق في نقل البضائع والمسافرين.

وفي ظل الواقع العراقي الحالي، يرى الخبير الاقتصادي، ان الحكومة ستلجأ حتماً إلى نظام “المقاولة” لتنفيذ المشروع، ومع الحاجة إلى 3.5 مليارات دولار لإنجاز المرحلة الأولى منه، فان التنفيذ سيتأخر، مستشهدا بما حدث في ميناء الفاو وتأخر انجازه لـ 13 عاماً بسبب غياب المستثمر الأجنبي ما اضطر الحكومة في النهاية إلى الاتفاق مع شركة “دايو” الكورية باعتماد نظام المقاولة.

وخلص الى القول: “في ظل الأوضاع القائمة حاليا، لن تدفع أي شركة استثمارية أجنبية ديناراً واحداً في طريق التنمية العراقي”.

السيناريو الثالث، هو ان ينجح المشروع في التحول الى طريق عالمي للتجارة، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً لكن الأقل احتمالية في التحقق.

يقول الخبير الاقتصادي نبيل جبار، إن مصممي طريق التنمية يطمحون إلى اشراك الطريق في جزء من عمليات نقل التجارة العالمية المتنامية يوماً بعد آخر، مستندين على حقيقة تنامي الحاجة الدولية لنقل الطاقة بين الخليج وأوروبا، وهي ما يمكن ان ينشط ويعزز المشروع، خصوصاً فيما يتعلق بنقل الغاز.

وترجح الفرضيات أن المشروع سيندرج ضمن مسارات النقل العالمية، وذلك مرهون بعوامل متعددة أهمها انسيابية النقل بشكل دائم وعدم تعطلها تحت أي ظرف، وانخفاض تكاليف التأمين وأجور الترانزيت، فضلاً عن توفر المناطق التجارية والصناعية الحرة، والأهم هو متطلبات ضبط الأمن على طول مسار الطريق.

وتنظر مصادر رسمية عراقية بكثير من التفاؤل للمشروع، اعتمادا على المؤشرات المتوفرة، كحجم العروض الأولية التي تلقتها الحكومة من دول بما يتضمن المساهمة في التمويل والاستثمار، وسعي عدة دول للمشاركة فيه أبرزها تركيا التي تطمح إلى توسيع أسواقها نحو الدول العربية، الى جانب رغبة السعودية في توسيع صادراتها غير النفطية.

هكذا يبدو المشهد العام، طريق عراقي واعد يحاول عبور المحلية والاقليمية وصولا الى العالمية، بموقعه الجغرافي الاستراتيجي الرابط بين آسيا واوربا، لكنه طريق مليء بالتعرجات التي قد تقطع مساره، أبرزها اشراك اقليم كردستان في المشروع بحصص ومنافع تغريه بدعم الطريق الذي سيمر عبر الأراضي الكردية الى تركيا.

الى جانب عقبة التحولات السريعة في ادارة الحكومات بما تفرضه أحيانا من تغير في السياسات، والواقع الأمني في ظل وجود المليشيات وتحركاتها خارج قرار الدولة لفرض مطالبها، وضعف القدرات الفنية على تأمين المسار من جنوبه إلى شماله، فضلاً عن طبيعة المجتمع العشائرية والسلاح المنفلت الذي تعجز الدولة ضبطه عبر القانون، ما يقف حاجزاً في كسب ثقة الشركات الأجنبية للدخول والمساهمة في المشروع.

هذه العقبات في حال عدم إيجاد حلول جذرية لها، لن تمنع من إنجاز مشروع “طريق التنمية” وتحويله الى ممر تجاري اقليمي او دولي فقط، بل ستحوله الى طريق آخر للفساد ومشروع محلي يعجز حتى عن تحقيق تكاليف إنشائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى