ستوريقصص صحفية

حب هزم داعش.. انتظر زوجته الاسيرة تسع سنوات، تحررت وتزوجوا مرة اخرى

بسام جيجي

تم انتاج هذا العمل ضمن مشروع Qarib Media و بدعم من الـCFI

حين سافرت زوجته، مطلع آب أغسطس 2014 الى بيت عائلتها لتحتفل معهم بعيد “أربعينية الصيف” كما تقتضي الأعراف الايزيدية، لم يكن يعلمان ان فراقهما المُخطط له لأيام سيمتد لتسع سنوات، مليئة بمخاوف الفراق الأبدي ورعب الموت، وآلام الاضطهاد والتعذيب والصبر المرير، كما بآمال النجاة والعودة المستحيلة. 

في 3 آب/ اغسطس 2014 سيطر تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” بنحو سريع ومفاجئ على مدينة سنجار وغالبية مجمعاتها وقراها، لم يغادر يومها شارعاً أو زقاقاً إلا وترك قصصا مأساوية لا تنسى عن القتل الجماعي وخطف النساء والأطفال وفصل العوائل، ليُخلف بعد أيام أكثر من 12 الف ضحية بين قتيل ومختطف ومجهول الهوية.

داعش الذي لاحق بعدها عشرات آلاف الايزيديين الذين لجؤوا الى جبل سنجار وحاصرهم بهدف القضاء عليهم جوعا وعطشا، لم يتوقف عند ذلك بل واصل جرائمه بإستعباد الإيزيديات واستخدامهن كجواري وبيعهن في سوق النخاسة والرق طوال سنوات سيطرته على عشرات المدن والبلدات في العراق وسوريا. آلاف الإيزيديات اصبحن سبايا لداعش وتم المتاجرة بهن بين مدن الدولتين التي رفعت حدودهما الرسمية.

“دخيل”، شاب ايزيدي من سنجار، تزوج قبل احتلال داعش لمدينة سنجار بـثمانية اشهر، بعد قصة حب دامت لأكثر من ثلاث سنوات، كان دخيل يسكن في قرية قريبة من  سنجار وزوجته سامية كانت من قرية اخرى اسمها ”  صولاغ  ” جنوب جبل سنجار، سنجار المدينة التي تفصلها جبل عن بعضها وتقع قرى ومجمعات الايزيديين على جانبيه.

العيد الذي تحول الى مأساة

يحتفل الايزيديون سنوياً بعيد اربعينية الصيف، حيث يدخل رجال الدين الايزيديين في صوم لمدة 40 يوماً في كل عام وبعد انتهاء الاربعينية يحتفل الايزيديين بهذا العيد الذي يوافق يوم 2 اغسطس من كل عام، وفي الاعياد تزور النساء منازل ذويهن للاحتفال مع آبائهن وامهاتهن كعرف اجتماعي وتقاليد عشائرية.

دخيل و سامية قبل 2014 و صورة لزفافهم الاول
دخيل و سامية قبل 2014 و صورة لزفافهم الاول

دخيل وزوجته سامية كالآلاف من الايزيديين اصبحوا ضحايا لزيارات العيد، حيث دخل داعش الى سنجار مساء يوم العيد ومئات النساء وقعوا اسرى بأيدي داعش من جراء زيارة اهاليهن، بسبب تعرض جنوب جبل سنجار لهجمة داعش الشرسة ووقع الكثيرون قتلى ومختطفين بين ايدي داعش في جنوب جبل سنجار الذي يتكون من مركز قضاء سنجار وناحية القيروان، وناحية القحطانية بجمعاتها التابعة لقضاء البعاج.

يسرد “دخيل” لـ “ايزيدي 24” ما حصل في تلك الاثناء بحسرة، ويقول، “انا وسامية كنا في علاقة حب قبل الزواج قرابة اربع سنوات، اثمرت علاقتنا عن تفاهم كبير ثم زواج، بقينا معا قرابة 8 اشهر نتقاسم الحلو والمر في الحياة، رغم بساطة حياتنا الا اننا كنا نعيشها كالملوك، كنا في غمار حبنا وعشقنا لبعضنا”.

يتحسر “دخيل” باستذكاره ليوم 2 اغسطس 2014 حيث “يوافق عيد مربعانية الصيف لدينا كايزيديين، كما هو الحال لدينا في المناسبات نزور عوائلنا”.

وقوع سامية في الاسر و ضياع دخيل بين الامه

ويضيف، “زوجتي سامية ايضًا ذهبت لزيارة امها من اجل ان تعايدها، منزل والدتها يقع في جنوب جبل سنجار وكان في قرية صولاغ، في اليوم التالي يوم  3 اغسطس المأساوي تم اسرهم هي وعائلتها، وانا نجوت”.

سامية وقعت اسيرة

“كان خبراً صادماً لي عندما علمت أن سامية وقعت اسيرة، لم اكن اعرف ليلي من نهاري، لا نوم ولا طعام”، بهذه الكلمات عبر “دخيل” عن حياته منذ غزو داعش، ويكمل، “رغم ان مأساة الايزيديين جميعهم كانت كبيرة وكان الحزن والتعاسة تغطي على وجوه وملامح شعب كامل، اينما كنت اخرج او اذهب او مع من اتكلم في كل مكان وكل شخص كانت المأساة حاضرة، آلاف القتلى، آلاف المختطفات، مدينة محتلة، فصل العوائل عن بعضها ، عائلتي كانت تواسيني ويقولون لي اؤمن بالله سيصبح كل شيء على ما يرام، كنت كالمجنون”.

رن الهاتف وسمع صوت زوجته

في صبيحة الثالث من اغسطس 2014 وقعت عائلة سامية كلها في اسر داعش والعائلة الكبيرة كانت اكثر من 90 فرد ، لم ينجوا احد منهم باستثناء اثنين لم يتم اسرهم وهم عمها وابن عمها، كانوا في محافظة دهوك ولم يكونوا متواجدين في المنزل.

تواصل دخيل مع زوجته سامية و هي في الاسر

يقول “دخيل”، “كنت في اتصال دائم مع ذوي المختطفين وبالأخص النساء، وعلمنا ان داعش اخذ مجموعة من النساء الى قضاء تلعفر، كانت من ضمنهن سامية، كانوا قد خبئوا هاتف “نوكيا ” قديم بين ثيابهن وحاجياتهن، بعد فترة رن هاتفي، اجبت وسمعت صوت سامية، لم احس بأي حركة في جسمي وكأن الارض توقفت وكل شيء توقف، صراحةً ارتحت قليلًا وتكَّون بداخلي بصيصٌ من الأمل”.

الوفاء لحبيبته

دخيل يسرد سنوات من الألم والوحدة والتحمل والصبر في دقائق، وهو يشعل سيجارته، يقول “قطعت عهداً على نفسي ان ابقى وفياً لزوجتي سامية والَّا اتركها لوحدها حتى وإن كان امر تحريرها مستحيلاً”.

يقول “دخيل”، “اكثر من ثمان سنوات من التنقل بسامية من مدينة الى مدينة ومن قرية الى قرية إلا أنني لم افقد الأمل، انقطع الاتصال بيننا عدة مرات لأشهر وسنوات ولم أفقد الأمل، التواصل كان ضعيف جدًا”.

الوفاء الدائم الذي لم يتوقف يوماً

كانت سامية اسيرة في الموصل وامها في تلعفر، وكانت تزور امها بين الحين والآخر، وكانت المرة الاولى التي تواصل فيها دخيل مع سامية، عندما كانت بالقرب من امها وعندما سمعت صوته، اغمي عليها، ويصف “دخيل” شعوره حينها بقوله، “تأثرت جدًا واصبحت كالمجنون”.

بعد الموصل تم نقلها والمئات امثالها الى سوريا ومن مدينة الى أخرى وبعد ان اصبح التنظيم على وشك الانهيار كانوا يقومون بنقل النساء الايزيديات من كل مدينة اوشكوا على خسارتها الى مدينة اخرى وبهذا الحال مرت اكثر من 7 سنوات على اختطاف سامية.

في الأخير عثر عليها

بعد انقطاع دام لعام كامل دون تواصل، وقبل ان يتم تحريرها، استطاعت سامية ان تتواصل مع دخيل وكانت في تركيا حينذاك.

يقول “دخيل” عن ذلك اليوم، “سمعت صوتها، وحين عرفت انها على قيد الحياة، شعرت بأن الدنيا فتحت لي ابوابها وذراعيها، كنا على تواصل قرابة شهر وكانت خائفة للتكلم معي بسبب غسلهم لدماغها وملئها بالأحقاد علي وعلى الايزيدية جميعهم، كانوا قد افهموها انه بمجرد رؤيتي لها او محاولتها للعودة سنقوم بقتلها لأنها اصبحت مسلمة وان المجتمع الايزيدي لا يقبلون المختطفات بينهم”.

 

يضيف “دخيل” بأن “التواصل والتعامل معها كان في قمة الصعوبة،  تكلمت معها وانعشت ذاكرتها وبدأت تتجاوب معي واقنعتها بأن آلاف الفتيات والنساء عادن وتم استقبالهن بالورود والدبكات وان للناجيات من اسر داعش رمزية كبيرة لدى الايزيدية، في البداية لم تقل لي هي برفقة من، لكن في النهاية بعد ان رجعت لرشدها قالت هي برفقة 5 نساء أخريات، تواصلنا مع اهاليهم وهم بدورهم تواصلوا مع بعض واقنعناهن بالعودة”.

تحررت سامية.. ودخيل في استقبالها

“عندما تحررت سامية وذهبنا لاستقبالها كنت اطير من الفرح”، هكذا يوصف دخيل شعوره باستقبال زوجته التي بقيت اسيرة لدى داعش لمدة تسع سنوات، ويضيف، “ركضنا كل منا باتجاه الآخر وعندما اقتربنا من بعضنا، اغمي عليها من هول الصدمة، لم تصدق عينيها، حضنتها بقوة، امها ايضًا كانت برفقتنا لاستقبالها، لم تكن تذهب من حضني لأمها، لم تنوي تركي دقيقة وكأنها تعوض عن ما فاتها من سنوات”.

لحظة تحرير سامية و استقبال دخيل لها

ويقول “دخيل”، “فرحنا جدًا بعد ان انتشرت قصتنا و اصبحت قصة رأي عام وقصة يتناقلها العالم بكل اللغات، سامية كانت تقول لي، لم اكن اصدق بان يومًا ما سوف اعود لك”.

وفاء مثالي لزوجة مختطفة

قبل غزو داعش، لم يكن دخيل يفارق زوجته سامية وكانا معا في أغلب الأوقات وعندما كان يخرج كانت تذهب سامية معه او عندما يذهب للعمل كانت تودعه في السيارة وتطلب منه ألَّا يتأخر، لكن بعد الغزو تأخرت سامية كثيرا عن زوجها دخيل لكنه قرر أن ينتظرها ويبقى على وعده لها ويبقى وحيداً لها وهي له.

بعد التحرير و العودة الى المنزل

يقول دخيل، “قطعت عهداً على نفسي ان ابقى وفياً لحبها وألَّا يأخذ مكانها أي شيء اخر وان انتظرها الى الابد”.

ويضيف، “بعدما تم تحرير سامية قررت ان اعيد حفل زفافنا وان اجعلها عروس مرة اخرى، الجميل في الأمر ان حفل زفافنا تحول الى رأي عام وللايزيدية جميعاً، لم تكن هناك بطاقة دعوة الا ان شعبنا حضروا من كل مكان، لم نقم بحجز مطربين الا ان عشرات المطربين تبرعوا، اناس يرقصون ويدبكون ولا نعرف اساساً فرحين بنا وبقصتنا الجميلة”.

زفافهم الثاني

تحول زفافهم الى زفاف جماهيري

يقول دخيل “في الزفاف كنا نتكلم بيننا، عندما كانت سامية تنظر الى الفنانين والحضور والدبكات والرقصات وآلاف المهنئين، قالت لي لم اكن اصدق بأن يومًا ما سوف ارجع، وتعمل لي عرس كهذا”.

 

بعد سنة من التحرير اصبحوا ثلاثة افراد

بعد سنوات الصبر ومحن الانتظار الطويل، ومع حياتهما الجديدة لكن هذه المرة في مخيمات النزوح في بيت قريب من مخيم ” خانكي ” في محافظة دهوك بعيدا عن سنجار، رزق دخيل وسامية بطفلهما الأول ليكون ثمرة لقصة حب ايزيدية جديدة باتت تمثل ايقونة للوفاء والاخلاص كما جذوة أمل للتغلب على آلام السبي وفواجع الابادات الايزيدية المتكررة.

بعد 10 سنوات من الفراق رزقوا بطفل ..

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى