اراء

العراق يعيد الدواعش إلى وطنهم ويتجاهل معاناة الإيزيديين

د. طارق قاسم

سنوات من الظلم والإهمال المتعمد ليس الأمر متعلقًا بحكومة حالية أو أسماء معينة، بل هو نهج متواصل منذ عام 2003، حيث فشلت جميع الحكومات العراقية المتعاقبة في إنصاف الإيزيديين الناجين من الإبادة الجماعية التي ارتكبها داعش.

لقد عجزوا عن إعادة إعمار سنجار، وفشلوا في إرجاع النازحين إلى قراهم المدمرة، بل حتى أبسط الحقوق لم يحصلوا عليها.

لم تكن هناك أي جدية في معالجة الجرح العميق الذي لا يزال ينزف، بل إن هذه الحكومات زادت من معاناة الإيزيديين بفتح جروحهم القديمة بين الحين والآخر، إما بالتجاهل التام أو باتخاذ قرارات تزيد من مأساويتهم.

لقد نجحوا في إعادة الدواعش، بمن فيهم المجرمون الذين اغتصبوا النساء الإيزيديات، وذبحوا الأطفال، وقتلوا الآباء أمام عائلاتهم، ثم احتجزوا الأمهات في أسواق النخاسة. هؤلاء القتلة والمجرمون أعيدوا إلى العراق، ووُفِّرت لهم المساكن، والمساعدات، والحياة الكريمة، بينما بقي الناجون من الإيزيديين في الخيام البالية، في ظروف غير إنسانية، محرومين من أبسط مقومات الحياة.

لقد أظهرت الحكومة العراقية حرصها الكبير على الدفاع عن قضايا دول أخرى، وتحركت بكل طاقتها لدعم شعوب غير عراقية في الأمم المتحدة والجامعة العربية، لكنها في المقابل، لم تنبس ببنت شفة عندما كان الأمر يتعلق بالإبادة الجماعية للإيزيديين.

لم نرَ أي تحرك جدي لإنقاذ النساء الإيزيديات المختطفات، أو لتعويض العائلات التي فقدت أبناءها. بل كان شغلهم الشاغل إعادة الإرهابيين، متجاهلين صرخات الأمهات الثكالى، ودموع الأطفال الذين فقدوا كل شيء.

أكثر من عشر سنوات مرت ولم يتم تعويض الإيزيديين للعودة إلى ديارهم، لم تتم إعادة بناء قراهم، ولم يعترف العراق رسميًا بالإبادة التي حصلت في تل عزير، سيبا شيخ خدر، ولا حتى بالإبادة الكبرى في عام 2014.

الشعوب المتقدمة تعترف بجرائمها لتتعلم من أخطائها، كما فعلت الولايات المتحدة مع السكان الأصليين، وألمانيا مع اليهود، وكندا وأستراليا مع شعوبهم الأصلية، ولكن العراق يرفض حتى الاعتراف بأن الإيزيديين تعرضوا للإبادة، وكأنهم ليسوا جزءًا من هذا الوطن.

الإيزيديون هم السكان الأصليون للعراق، ومع ذلك يُعاملون كغرباء، كأشخاص بلا حقوق، بلا وطن حقيقي يحتضنهم. لم يتم إنصافهم، ولم يتم إعادة حقوقهم المسلوبة، بل سُرقت ميزانياتهم، ودُمّرت منازلهم، وبقوا في مخيمات اللجوء وكأنهم لا ينتمون لهذا البلد.

إلى متى سيبقى الإيزيديون في الخيام؟ إلى متى ستظل الحكومة تتجاهل معاناتهم؟ أين حقوق الأطفال الذين كبروا بلا تعليم؟ أين حقوق النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب والسبي؟ أين العدالة لآلاف العائلات التي فقدت كل شيء؟

لقد آن الأوان للحكومة العراقية أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية. الاعتراف بالإبادة الإيزيدية ليس فضلًا ولا منّة، بل هو حق يجب أن يُعاد إلى أصحابه. يجب تعويض الإيزيديين، وإعادة إعمار قراهم، وإنقاذ من تبقى من المختطفات، وإعادتهم إلى حياة كريمة تليق بهم كبشر، بل كأصحاب الأرض الأصليين.

العار كل العار أن يعيش الإيزيديون في الخيام لعقد من الزمن في وطنهم، بينما يُمنح القتلة حياةً كريمةً بكل امتيازاتها.

كفى تجاهلًا، كفى نفاقًا، كفى ظلماً للإيزيديين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى