لم يفكر بالتمييز الديني و الطائفي ، “شاهين الايزيدي” ضحى بحياته من اجل طفلة موصلية
برعاية دولة رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني المحترم وضمن المبادرة الوطينة لتنمية الشباب، تنفذ ”مؤسسة ايزيدي 24 الإعلامية” هذه المادة ضمن مشروع ”نبذ خطابات الكراهية والحفاظ على التنوع” بالتعاون مع المجلس الاعلى للشباب ودائرة المنظمات غير الحكومية.

ايزيدي 24 – ذياب غانم
يعتبر الشاب شاهين خلف (28 عاما) من النماذج النادرة والرائعة في المجتمع العراقي، كان دائماً يسعى لمساعدة الآخرين دون النظر الى اعراقهم، كان مستعدا للتضحية بكل شيء في سبيل مساعدة الناس، وعمل في الكثير من المجالات اكثرها كانت مرتبطة بالعمل الإنساني.
من هو؟
شاهين خلف، شاب فتح عينيه على الدنيا في 1 ايار 1989 في مجمع الوليد جنوب جبل سنجار الوقع في شمال غرب العراق بمحافظة نينوى، وهو خريج جامعة دهوك قسم اللغة العربية، عمل مترجماً واتخذ من العمل الإنساني طريقاً الى القضاء على وجود الطائفية والتمييز والعنصرية والعمل تحت سقف “الإنسانية”.
عاش شاهين في طفولته الكثير من الصعوبات وحارب الظروف حتى نال شهادة السادس الاعدادي ومن ثم دخل الى الجامعة ليتخرج منها فيما بعد، بعد تخرجه عمل مع المنظمات غير الحكومية كمتطوع، وبعد ذلك وفي مهمة إنسانية اتجه الى الموصل وذلك في عمليات تحرير المدينة من عناصر تنظيم داعش الذي كان قد سيطر على المدينة عام 2014.
فبعد نزوحه من قضاء سنجار في الـثالث من آب/ أغسطس 2014 عاش شاهين في مجمع خانكي التابع لقضاء سيميل ضمن محافظة دهوك، وهناك، ورغم النزوح والظروف المأساوية التي كان يعيشها شاهين مع عائلته وابناء جلدته الا انه اكمل دراسته الجامعية في نفس العام الذي نزح فيه بعد هجوم تنظيم داعش على قضاء سنجار وبعد ذلك قرر مساعدة الطلبة وعمل كمحاضر في احدى مدارس النازحين وبعدها عمل في مجال المساعدات الإنسانية وخاصة لضحايا داعش سيما الايزيديات واطفالهن اللواتي تعرضن الى ابشع الجرائم على يد عناصر داعش في العراق وسوريا.
لا زالت مواقفه تعتبره أنموذجاً حيا للتكاثف والتغلب على مصطلح التمييز بكل معانيه واصبحت مواقفه عناوينا للصحف والمواقع الإلكترونية التي تهتم بالشؤون الإنسانية واشاد به الكثيرون ومن مختلف الأديان والمذاهب والقوميات.
الكردية كلغة ام والعربية والإنجليزية، ثلاثة لغات خدم بها شاهين مجتمعه وكان من محبي العلم والمعرفة.
جرائم داعش والعنصرية
ارتكب تنظيم داعش الكثير من الجرائم بحق العراقيين وكل مكون نال حصته من هذه الجرائم وتسببت هذه الجرائم بخلق فتن وفراغات اجتماعية بين المكونات العراقية الأصيلة ولا زالت هذه الفراغات موجودة على ارض الواقع رغم وجود المئات من المنظمات الدولية والمحلية التي تعمل في سد هذه الفراغات والنزاعات التي خلفها هجوم داعش على المحافظات العراقية.
وهاجم تنظيم داعش قضاء سنجار الواقع في شمال غرب البلاد والذي يقطنه ابناء المكون الايزيدي والمسلمين والمسيحين وقلة قليلة من التركمان، ومع هجوم داعش تقلبت مفاهيم التعايش السلمي والمساواة والإخوة الى الـ “كلاشينكوفات” للبعض من اهالي قضاء سنجار اللذين انضموا الى تنظيم داعش وقاتلوا ابناء العراق وابناء مدينتهم واستغلوا فرصة وجود مساندة من تنظيم إرهابي وكشفوا عن وجههم الحقيقي الذي كانوا يختبؤنه عن اصدقاءهم.
الايزيدية، مكون عراقي يعيشون في قضاء سنجار وقضاء الشيخان وناحية بعشيقة في محافظة نينوى، تعرضوا الى جرائم إبادة جماعية على يد تنظيم داعش في قضاء سنجار وتم خطف 6417 شخص بين رجال ونساء واطفال وشيوخ من هذا المكون من قبل داعش ولا زال مصير 2832 شخص مفقودا، وقتل التنظيم الآلاف منهم في مقابر جماعية موجودة لحد اللحظة في قضاء سنجار وتسبب بنزوح نحو 550 الف نسمة من القضاء ولا زال اكثر من 200 الف نسمة منهم يعيشون في المخيمات في شمال العراق، وكان هناك يد لأبناء سنجار من المكونات الأخرى ممن انضموا الى داعش في دحر ابناء هذا المكون حسب شهود عيان وفيديوهات، فأصبحت هناك خلافات بين مكونات القضاء.
شاهين
و هنا يأتي الدور على دور شاهين في الحد من التمييز حسب الدين او المعتقد، فرغم تلقي المكون الذي كان ينحدر منه شاهين ضربة موجعة بل ابادة جماعية على يد الإرهاب المتطرف إلا أنه اختار العمل في مدينة الموصل والتي كانت تعتبر عاصمة دولة الخلافة الإسلامية ومعقل داعش الرئيسِ آنذاك، مع بدء عمليات تحرير الموصل عام 2017 قرر شاهين التواجد هناك لاغراض إنسانية مع انه كان يعلم ان نسبة كبيرة من اهالي المحافظة انضموا الى داعش او كانوا انصارا لاعمالهم ويصفقون لهم.
لماذا الايزيدية كانوا الضحية الاكبر لتنظيم داعش؟ لأنهم وبكل بساطة كانوا يعتبرون الأيزيدية كفار ومرتدين بعيداً كل البعد عن المفاهيم الإنسانية التي تدعو الى التعايش و الاخوة، هذا بحسب اعتقادهم، وبحسب اعتقاد شاهين فان الإنسانية تحتاج التضحية وتضامن وتوحيد دون التطرق الى العرق والدين والمذهب والقومية، فجرائم داعش التي كانت تعتمد على الدين بالدرجة الأولى كانت هي الدافع الاكبر لشاهين للعمل على وضع حد لهذه التصرفات التي لا تقدم بل تؤخر وجود المساواة والعدالة الاجتماعية في المجتمع العراقي والموصلي على وجه الخصوص.
التحديات
بالتأكيد لم تخلوا مسيرة شاهين من التحديات، والتي واجهها شاهين كانت تختلف كثيراً عن التحديات العادية التي نواجهها نحن في مختلف المواقف والمجالات، فالتحدي الأول تلك الجرائم التي تعرض لها ابناء مكونه والسيطرة على الذات بعدم النرفزة او الإنفعال والعمل مع المسألة بكل هدوء وبعقلية إنسانية، فهو لم يفكر في الانتقام من داعش بل فكر بطريقة اخرى، فرغم نزوحه مع جل أهله الى اقليم كردستان قرر العمل التطوعي مع المنظمات في مخيم خانكي للنازحين الايزيديين بمحافظة دهوك شمال العراق وأيضاً فكر في كيفية إنقاذ الناس من عمليات الحرب والاشتباكات بين الجيش العراقي وعناصر تنظيم داعش في محافظة نينوى فانتصر على نفسه وبدء.
التحدي الآخر الذي واجهه والذي كان هو العقبة الأكبر والاكثر صعوبة هي صعوبة العمل مع ناجين من نزاعات وحروب وخاصة هؤلاء كانوا تحت سيطرة اشرس تنظيم إرهابي شهده العالم في الآونة الأخيرة وهذا التنظيم كان يحث من هم تحت سيطرته على قتل وسبي أبناء المكون الأيزيدي كونهم يعتبرونهم كفار ومرتدين، فحساسية الموقف كانت تتطلب المزيد من الحيطة والحذر، فليس من الصعب العمل مع هذه الجماعات خاصة هو بعيد عن اختصاصه.
وواجه تحدي اخر بانضمامه لقوات التحالف الدولي وخاطر كثيراً بحياته في عمليات التحرير لتحرير الناس واخراجهم الى المناطق الآمنة للحفاظ على أرواحهم، بغض النظر عن عمله كمترجم مع فريق أجنبي يضم مستشارين أمريكيين من التحالف الدولي الذي شكل لمواجهة الإرهاب، كان يشارك معهم في المهمات أيضاً من أجل البحث عن المخطوفين والمخطوفات لدى التنظيم الإرهابي.
روح الانسانية
زرع شاهين روحاً للانسانية في داخل كل فرد في مجتمعه ولا زال يعتبر الأنموذج الذي يتفاخر به مجتمعه نظراً لاخلاصه للوطن وللمساواة والإنسانية وساهم بتفعيل العلاقات الاجتماعية بين المكونات السنجارية مجدداً بعد ان هدم تنظيم داعش السلم الاجتماعي في المنطقة.
تصور شاهين (28 عاماً) ان المجتمع لا يمكنه التقدم والتغيير إلا بالتغلب على التمييز والطائفية واتخذ من المجتمعات الغربية، مثالا، وبحسب فلسفته فان الإنسان يجب ان يضحي لاجل المساواة والتغيير فهذه الاشياء من الصعب تحقيقها في مثل هذه المجتمعات التي تتمسك بالدين وتترك كل الجوانب الحياتية الاخرى على جنب، وهذا اثر على المجتمع واصبح هناك العشرات من الشباب اتخذوا من تجربته نموذجاً ويمشون على خطاه.
نجح شاهين في مهمته الإنسانية عند مشاركته في عمليات تحرير نينوى في انقاذ الكثير من المدنيين الرهائن كدروع بشرية وأيضاً له الفضل في تحرير الكثير من الأطفال الإيزيديين الذين اختطفهم تنظيم داعش من قضاء سنجار غربي الموصل مطلع آب/ اغسطس 2014.
وكان شاهين الذي تواجد في المناطق الساخنة، لإنقاذ أطفال جلدته، وغيرهم من باقي الديانات والمكونات، وإجلائهم من الموت، وأثناء إنقاذه طفلة موصلية من تحت ركام منزل متعرض للقصف نتيجة العمليات العسكرية، أصابه الداعشي برصاصة غادرة في منطقة البطن أثناء عمليات تحرير منطقة مشيرفة، التي استعادتها القوات العراقية من سيطرة تنظيم داعش، ضمن عمليات تحرير الساحل الأيمن للموصل، نقل على إثرها الى العاصمة بغداد لتلقي العلاج.
التضحية
شاهين كان قد تعود على المهمات الصعبة في عمليات تحرير نينوى لكن كانت عملية انقاذ هذه الطفلة من أصعب مهماته والتي نجح فيها، لكنه ضحى بنفسه، في 4 مايو 2017 ورغم جروحه البالغة الا انه لم يستغنى عن الطفلة وحملها الى بر الامان وسقط أرضاً.
وبهذه العملية الصعبة، ترك شاهين درساً للإنسانية، ففي الوقت الذي خطف اهالي محافظة نينوى من اللذين انضموا الى داعش اطفال جلدته في سنجار، ضحى شاهين لاجل إنقاذ طفلة موصلية ولقى هذا الموقف اشادات كبيرة آنذاك، ووصلت الطفلة الى بر الامان وتواصل الآن الحياة في الموصل.
وكتب على صفحته الشخصية على الفيسبوك في 12 مايو 2017 “شكرا لكل من سأل عني، وخصوصا أصدقائي من بغداد الذين وقفوا معي بشكل كامل وبقية أصدقاء #العراق وغيرهم..” وبهذه الرسالة أيضاً حث على الانسانية وتقديم الشكر الى اصدقائه البغداديين اللذين ينحدرون من مختلف مكونات العراق.
يختلف انجاز شاهين عن باقي القادة الذين يقودون المجتمع نحو التغيير، وهو لم يفز بأي جائزة ولم يتم تكريمه بل وبعد تلقي العلاج لـ 13 يوم في العاصمة بغداد وافته المنية متأثرا بجراحه، وبحسب الأطباء فقد أصيب بتسمم دموي بسبب الرصاصة التي اخترقت جسده آنذاك لينال الشهادة في سبيل الإنسانية.
كان يجب على المنظمات والجهات التي تدعو الى العدالة والمساواة ان تهتم بقصة شاهين كثيراً وما فعله، خاصة وقليلا ما نجد مثل هذه القصص، فمن المهم ان تهتم الجهات بهذه القصص التي ستكون مفتاحا للتغيير والتغلب على التمييز على اساس ديني او معتقدي.
آراء
ووصفه احد أصدقائه بعد وفاته “ربما لم يستطع تحرير الكثير من الأطفال، لكن كان لديه الكثير من المعلومات عن مكان تواجدهم ويعطي الإحداثيات للجيش العراقي والأمريكي من التحالف الدولي وغيرهم، أنا كنت معه عندما أنقذ الطفل أيمن وعددا آخر لا أعلم بالضبط كم العدد، لكن كان مستعداً أن يضحي بروحه من أجل إنقاذ أي شخص مظلوم سواء كان مسلم او مسيحي او إيزيدي او من أي دين ومعتقد، ولم يكن يهمه شيء سوى مساعدتهم”.
“شاهين كان قد تجاوز حدود الأديان وكانت اهتماماته تختصر على الجانب الإنساني فقط دون التطرق الى تفاصيل الدين او المعتقد فهو أستشهد في سبيل الإنسانية وسيظل شاهين صورة من صور السلام والمساواة في نينوى”، هكذا وصفه احد زملائه في العمل.
وعنونت الكثير من المواقع الإلكترونية الصحفية قصة القائد شاهين، “عراقي إيزيدي قدم أغلى ما يملك لإنقاذ فتاة مرتهنة لـ”داعش”، وعنون موقعا آخر “أيزيدي كان ينقذ طفلة مسلمة.. فقتله داعش”، فيما قال اخر “في مهمة إنسانية: ايزيدي قدم حياته ثمناً من اجل انقاذ طفلة مسلمة”.
وتأثر الشارع الموصلي بخبر استشهاده كثيراً ولا زالت المطالبات مستمرة من قبل شباب قضاء سنجار لتنصيب نصب تذكاري للشهيد شاهين خلف في مدينة الموصل تكريماً له ولجهوده في تحرير المدينة والطفلة الموصلية، وليكن شوكة في عيون اعداء الانساية الذين يدعمون الطائفية والتمييز على حساب الإنسانية، لكن لم يتم دعم المشروع لحد الان رغم تضحية شاهين ودفاعه عن ارض الوطن.
وتجاهل الإعلام العراقي قصة القائد شاهين الذي ترك درس لم ولن ينسى في الإنسانية، فمثل هذا القائد هم من سيغيرون الأجيال ومستقبل مجتمع كامل ويحققوا المساواة والعدالة الاجتماعية ويبعثروا في الأفكار المتطرفة، فهم مفاتيح ذهبية لا يمكن رؤيتها في كل زمان ومكان، وكنا نأمل ان يسلطوا الضوء على مثل هذه القصص المؤثرة الأنموذجية التي من الممكن ان تستخدم حتى في المناهج الدراسية، وبهذه الطرق يمكن ان تزرع الإنسانية اينما تريد.
ورسم شاهين صورة نقية وتاريخية للمكون الايزيدي في مدينة الموصل بتضحيته واكد بذلك على إنسانية هذا المكون واهتمامه بالسلام والتعايش السلمي واكد بُعد الايزيدية عن الحقد والكره والطائفية تجاه المكونات الأخرى التي لم تتلوث اياديهم بدماء الأبرياء من العراقيين، ولم تحظى قصة شاهين باهتمام من الكتاب والمؤرخين رغم رسالته الإنسانية الكبيرة.
وبعد وفاته اصابت والدته صدمة كبيرة ولا زالت تعيش في تلك الصدمة التي تأثر بها مجتمع كامل، وتعيش عائلته حتى الان في مجمع خانكي ولم تستطع العودة الى مسكنها الاصلي في قضاء سنجار وذلك لعدم توفر الخدمات في المنطقة.