ستوريقصص صحفية

“مكائد الظلال”.. قصة عراقية تُضيء عتمات الحرب بالأمل والسلام

تم انتاج هذا العمل ضمن مشروع #QaribMedia وبدعم من CFI

ايزيدي ٢٤ – مثنى النهار

‏في مدينة لم تبرأ بعد من جراح الحروب، وتحديدًا من ظلال عامي 2014 و2017 التي ما تزال جاثمة على النفسية الجمعية لأهل الموصل، وُلدت “مكائد الظلال”، قصة قصيرة لم تكن مجرد عمل أدبي، بل وثيقة إنسانية ناطقة بالوجع والبحث عن الضوء في نهايات الدمار.

‏”مها الفارس”، الكاتبة التي استطاعت تحقيق إنجاز كبير وحصول مراتب متقدمة في مسابقة سرديات السلام في القصة القصيرة، وسبق أن خاضت غمار الرواية عبر عملها “دياجير الموصل”، عادت إلى حبها الأول: القصة القصيرة، مؤمنًة بأنها “الأقدر على إيصال ما نريد بزمن أقصر وجهد لا يضيع”. بالنسبة لها، لم يكن اختيار هذا الشكل الأدبي قرارًا واعيًا بقدر ما كان خضوعًا لنداء داخلي. “نحن لا نختار ما نكتب، بل هو من يختارنا”، كما تقول.

‏في “مكائد الظلال”، لم تكن الطوائف ولا الهويات الفرعية ولا حتى الانتماءات السياسية حاضرة، بل الإنسان وحده، مجردًا من كل شيء إلا إنسانيته، هو بطل القصة وموضوعها. وربما هنا تكمن قوة الأدب، كما تراها الكاتبة: في قدرتها على ملامسة التجربة الإنسانية، وإعادة تشكيل الأحداث من الداخل، لا عبر تسجيلها فقط.‏

‏الأدب في مواجهة العنف

‏ما بين ضجيج وسائل التواصل وغياب وقت القراءة، تعترف الكاتبة بأن الأدب اليوم يواجه تحديات كبيرة. لكنه لا يزال يراه قادرًا على أن يلعب دورًا لا يستطيع الإعلام ولا الخطاب السياسي أن يؤديه. “الأدب لا يغيّر العالم مباشرة، لكنه يغيّر من يملكون القدرة على تغييره”، هكذا تؤمن.‏

‏من خلال القصة والرواية، يستطيع الأدب أن يُمنح الضحايا صوتًا، أن يكشف العنف البنيوي الخفي، أن يُنتج ذاكرة بديلة، وأن يرسم ملامح سلام ممكن لا يخلو من التعقيد، لكنه يبقى هدفًا يستحق السعي.

القصة العراقية والسلام

برؤية ناقدة، ترى الكاتبة أن القصة العراقية في مجال السلام تحمل طاقات سردية عظيمة، لكنها لم تُستثمر بعد كما يجب. العراق، بتاريخه الثقيل، هو أرض خصبة لسرديات قادرة على إعادة تعريف السلام بوصفه فعلًا إنسانيًا عميقًا، لا مجرد غيابٍ مؤقتٍ للحرب.

‏ومع ذلك، يعترف أن هناك ما يُخشى الخوض فيه: الطوائف، المكونات، وبعض الحقائق التاريخية. “هناك خشية من أن يُساء فهم الكاتب أو يُتّهم بالتحريض، حتى وهو يدعو للسلام”، مشيرة إلى أن التحرر من هذا الخوف شرطٌ ضروري لإنتاج أدب أكثر صدقًا وجرأة.

منصة عربية ومركز ثانٍ وطنياً‏

‏بخبرة ممتدة على المستوى العربي، شاركت الكاتب في العديد من المسابقات، وحقّق مراكز متقدمة في دور نشر مصرية وعربية، وكان آخرها فوزها بالمركز الثاني في مسابقة وكالة خبر الدولية للقصة القصيرة جدًا، عن قصته “نصر”، وسط مشاركة قاربت 300 كاتب وكاتبة.

‏لكن هذه المسابقة، كما تراها، لم تكن محطة فخر شخصي فقط، بل كانت مساحة حقيقية للتعبير عن قضايا كبرى تشغلها أدبيًا وإنسانيًا، خصوصًا في محور “السلام والضياع الفكري والنفسي الناتج عن الحرب”، وهو ذات المحور الذي تناولته روايتها السابقة.‏

سرديات السلام.. مشروع ثقافي لا ينتهي

‏من جهته، يرى الدكتور رقيب محمد، مدير كرسي اليونسكو في جامعة الموصل، أن “سرديات السلام في القصة القصيرة” ليست مجرد مبادرة أدبية، بل مشروع علمي وثقافي نابع من إيمان بأن الأدب قادر على صناعة وعي التعايش والتسامح ومواجهة خطاب الكراهية.‏

‏ويؤكد الدكتور رقيب أن القصة القصيرة اليوم تمثل “سلاحًا مضادًا” ضد التطرف، وأداة فعّالة لرواية الحكايات التي لم تُروَ بعد، والمسكوت عنها في مجتمعات ما بعد النزاع.

‏في وطنٍ مثقل بالدموع، تبقى القصة العراقية شرفة تُطل منها الأرواح المكدودة على الضوء. قد لا تغيّر قصة واحدة وجه العالم، لكنها بالتأكيد تغيّر قلب قارئ، وتضيء زاوية كانت مظلمة. وربما هذا ما تحتاجه الموصل اليوم: أدب يُرمّم الخراب، كلمةً كلمة، وقصةً قصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى