قصصهن

بنات سنجار يحكين ” أنا الإيزيدية ساري ” القصة السابعة

حليمة شنكالي 

 

الدنيا ظلام، والساعة تقترب من الرابعة فجراً. أشعر برغبة كبيرة في البكاء. بعد عمر الستين، يخجل الإنسان أن يبكي أمام أي إنسان آخر، رغم أنه في هذه المرحلة من العمر يكون بحاجة إلى كتف إنسان محب يسند عليه رأسه ويبكي أكثر من أي وقت مضى! تتسلل خيوط الفجر الأولى، وبإمكاني الآن على ضوء الفجر الخافت أن أقرأ ما كتبته “ساري”:

“أنا الإيزيدية ساري، قتلت عصابات داعش أبي وإخواني الثلاثة الأكبر مني سناً، ورأيت دماءهم تسيل أمام عيني! أنا ساري المختطفة منذ عام 2014، وقد أصبح عمري الآن أربعة وعشرين عاماً.

أنا ساري التي لا تعرف حتى الآن في أي مكان من العالم تتواجد أمها التي اختطفت معها! أنا ساري، منذ ذلك الزمن أُباع وأُشترى! أنا ساري التي تعرف أن أمها مثلها تُباع أيضاً وتُشترى! أنا ساري التي حُررت قبل أيام، أنا التي بلا أم وبلا أب وبلا إخوان وبلا سنجار، عليَّ أن أبدأ حياةً جديدة في مخيمات اللاجئين!” أخفض رأسي خجلاً وحزناً، تصبح أنفاسي قريبة من الورقة التي أقرأها، أذوب وأتلاشى، وتتلاشى معي الأرض وتتلاشى السماء! أرتجف، أستجمع كل طاقتي وأستمر في القراءة: “لست تمثالاً من الحجر، وليس أي شخص باعني واشتراني نحاتاً ليهدمني متى ما أراد! لست تمثالاً من التمر، وليس أحدهم قام بتشكيل جسدي كامرأة ليأكلني هذا وذاك متى ما جاع!”

أغمضت عيناي وصداع رأسي يزداد، كدت أصرخ، سينفجر رأسي وينفجر البيت كله! استعدت أنفاسي وتابعت القراءة: “أنا الروح ولست الجسد، أنا الروح النقية التي لا يصلها أشباه البشر، أنا الروح الخالدة التي لا تموت ولو مزقوا كل الجسد! أنا بنت الشمس، أنا بنت سنجار التي لا يشوه روحها أحد!” وقعت على الأرض، وقعت على قدمي ساري، أضع رأسي على قدميها، أبكي على قدميها، أفرك جبيني ووجهي بجلد قدميها، أفرك شفتي بأسفل قدميها، أقبّل أسفل قدميها آلاف القبلات! قرباناً وفداءً لأسفل قدميكِ يا ساري.. قرباناً لأسفل قدميكِ آلافٌ من أشباه البشر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى