“سلسة الصراعات” تكتمل في سنجار بصراع مكونات القضاء
مخاوف من حلقة جديدة في "سلسة الصراعات" بسنجار عنوانها "التغيير الديمغرافي"
ذياب غانم – دهوك
“فيما ينظر الصحفي احمد خلف (27 عاما) من سطح منزله وسط سنجار الى بقايا المدينة التي دمرها تنظيم داعش في صيف 2014 يراوده شعور بالألم والفخر فنظرة واحدة تجمع قبة لمزار ايزيدي ومنارة لجامع للمسلمين وصليبا على برج كنيسة ومن بعيد مرقد شيعي، لكن الخوف يتلبسه من “خطط هنا لفرض دين او قومية، ومشروع هناك لتسيد مذهب”.
يتفق سياسيون ونشطاء معنيون بواقع سنجار، من أن القضاء الواقع في اقصى شمال غربي العراق يعيش “مرحلة محفوفة بالمخاطر” في ظل صراعات عسكرية وسياسية محلية واقليمية وتقاطع حاد في المصالح، لعلها الاخطر منذ هجوم تنظيم داعش على سنجار صيف 2014 وارتكابه ابادات جماعية فيه، فتلوح في الأفق نذر صراع بين مكونات القضاء.
يقول خلف، وهو يشير الى الدمار الذي حول المدينة القديمة الى ركام “يبدو ان كل هذا الخراب لا يكفي.. كل طرف يريد السيطرة اليوم على القضاء … الجميع تعرضوا الى الاضطهاد على يد عناصر داعش لكن لا أحد تقبل الدرس بأن هذه المدينة جامعة للجميع”.
يصمت خلف لثواني وكأنه يستجمع قواه قبل ان يسترسل: “نحن قلقون اليوم… تفاؤلنا يتبدد باحتمال تعافي سنجار من صدمة داعش التي هددت التعايش السلمي في المدينة”.
وبعد مرور نحو اربع سنوات من تحرير القضاء من سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية الا ان النسبة الاكبر من اهاليها ومن مختلف المكونات مازالوا يعيشون في مخيمات النزوح باقليم كردستان، فيما تكاد تتوقف كليا موجات العودة التي كانت قد بدأت في حزيران 2020.
التعايش هو الحياة
يعتقد خلف، ان الهدف من وراء هجوم تنظيم داعش على قضاء سنجار، كان القضاء على المكون الايزيدي و اجبارهم على اعتناق الاسلام والسيطرة على مناطقهم الى الأبد.
وهو لايخفي مشاعره الغاضبة تجاه من انضموا الى صفوف التنظيم من ابناء مدينته، وقلقه من مشاريع لفرض واقع سياسي وديمغرافي جديد في سنجار، لكنه يرى ان الحل لا يكمن في الانتقام والقوة، بل في تحقيق العدالة عبر القانون لينال كل من ارتكب جرائم او تسبب بأذى باهالي سنجار.
يضيف:”منذ الازل ونحن نعيش كايزيدية مع الجميع ولم نؤذي احدا ودائما سعينا الى ان نكون اصدقاء للجميع دون الالتفاف الى عقيدتهم او مرجعهم السياسي”.
ويستدرك:”لكن محبتنا تسببت لنا بالأذى، وجعلت اصدقاءنا ينظرون الينا كضعفاء ما دفعهم لمحاولة فرض وجودهم بل والغاء وجودنا عبر ابادتنا”.
يتوافق رأي المتحدث الرسمي باسم العشائر العربية في المناطق المتنازعة عليها، مزاحم الحويت، مع ما يقوله خلف، مشددا على رفض الطائفية في سنجار:”المسلمون، الايزيدية، المسيحية، التركمان، الشيعة والسنة، سنعيش معاً وسنقف بوجه كل من يريد ان يفرقنا”.
الحويت يدعو الى التغلب على المصاعب التي تواجه اعادة الحياة الى سنجار وعودة مكوناتها، مذكرا: “نحن نعيش معا منذ الاف السنين، ويجب ان نتكاتف مجددا ونستعيد حياتنا المشتركة ونمضي لتجاوز صدمة داعش وتثبيت جذور التعايش، فسنجار كانت وستظل مدينة التعايش السلمي”.
تعدديتنا نقطة قوة
يؤيد محمود الأعرجي، وهو احد ممثلي المكون الشيعي في القضاء، ما ذهب الحويت، قائلا :”وجود هذه المكونات تعتبر نقطة قوة لنا جميعا.. ربما هناك اصوات نشاز ترغب في العبث بالاوراق وخلق مشاكل بيننا لمصالح خاصة، الا اننا سنكون أقوى وسنبقى نعيش معا”.
ويرى ان علاقات مكونات سنجار اقوى من أن يؤثر عليها هجوم داعش:”هنا لا يمر عيد لأي مكون ان لم يشاركه فيه بقية المكونات.. نحن اعتدنا على هذه العلاقة وسنحافظ عليها، ولن يتغير ذلك بسبب هجوم داعش”.
لكن عيسى شمعون، عضو مجلس قضاء سنجار المنحل عن المكون المسيحي، يبدي حسرته على وضع سنجار اليوم، ويبدي أمله باعادة بناء الكنائس المهدمة كما مزارات بقية المكونات:”نحن ننتظر عودة التعايش السلمي مجددا لمدينتنا، دون تعايش لا حياة في هذه المدينة ولا مستقبل لنا .. سنجار دائما كانت كباقة ورد منوعة وسنعمل جاهدين لتبقى هكذا”.
رفض التغيير الديمغرافي
حديث أهالي سنجار، وتصريحات ممثليهم عن أهمية استعادة العيش المشترك، لا تلغي وجود مخاوف تبرز بين فترة وأخرى بشأن طريقة ادارة المدينة وسياسات القوى النافذة فيها وما تحمله من تأثيرات على عودة واستقرار النازحين واعادة النسيج الاجتماعي الى ما كان عليه قبل غزوة داعش.
يقول أحمد خلف: “بعد ان عدنا معا الى مدينتنا لم تقع أي مشكلة تعكر أجواء استعادة العيش المشترك .. لكننا نسمع هذه الأيام عن مشاريع للتغيير الديموغرافي وعن زيادة أعداد المنابر الثقافية والدينية، هذا امر مرفوض تماما وستم مواجهته بحزم، فهذه الاراضي سقيناها بالدم ومقابر أبنائها الجماعية شاهدة على التضحيات”.
ويواصل حديثه منتقدا ايلاء الاحزاب اهمية لنفوذها السياسي بدل خلق الاستقرار والاعمار :”كان من الاجدر ان تهتم جميع الجهات باعادة الاعمار في هذه المدينة المدمرة والبدء ببناء المدارس والمستشفيات التي تخدم الجميع بدل المراكز ذات الاهداف السياسية”.
وبدوره يشدد مزاحم الحويت على رفض اي محاولة لفرض ارادة جهة سياسية او احداث تغيير ديموغرافي “مازال القضاء يعاني من نقص في الخدمات ويفتقد الاستقرار وتغيب عنه ادارة حقيقية محل اتفاق تهتم بالبناء واعادة التعايش”.
ويضيف: “نرفض خضوع القضاء لارادة جهة على حساب الجهات الاخرى، ذلك لن تكون له انعكاسات سياسية وامنية فقط بل سيؤثر على العلاقات الاجتماعية”، داعيا الأمم المتحدة الى العمل لتعزيز التعايش وان يكون لها كلمة في هذا الشأن.
لكن محمود الأعرجي نفى وجود اي مشاريع “لتشييع” قضاء سنجار، وقال:”هناك اطراف لها أهداف وراء اطلاق هذه الاشاعات كمحاولة الحصول على اصوات انتخابية”، مشيراً الى ان “كل ما يقال عن مشاريع لشييع سنجار هو مجرد ادعاءات عارية عن الصحة”.
بدوره يحذر عيسى شمعون من محاولة اخضاع سنجار لمكون محدد: “انبعاث الطائفية في المدينة سيعقد الامر اكثر فاكثر..نحن نريد أن نعود كما كنا في الماضي متعايشين كمكونات في سنجار”.
مأساة مشتركة
يلفت مسؤولون ونشطاء في سنجار، الى ان هناك مآسي انسانية لم تعالج وجراح لم تندمل وتحديات لم يتم مواجهتها، فالمنطقة تحتاج الى عمل كبير من اجل اعادة الاستقرار اليها وتحريك عجلة الاعمار واعادة بناء التعايش، وان اي محاولة لاثارة صراعات سياسية او طائفية سيعني تبديد أمل عودة النازحين واستعادة سنجار لواقعها السابق في العيش المشترك.
يقول مدير شؤون الايزيدية باوقاف اقليم كردستان خيري بوزاني، مستذكرا حجم المأساة التي وقعت، ان هجوم تنظيم داعش أدى الى نزوح اكثر من 360 الف ايزيدي من قضاء سنجار، هجر منهم أكثر من 100 الف الى خارج العراق، وان 1293 شخصا قتلوا خلال عمليات الابادة، وان هناك اكثر من 80 مقبرة جماعية يعتقد انها تضم نحو الف جثة، وهناك 68 مزاراً ايزديا تعرض للتدمير.
فيما يحصي حسين القائدي مدير مكتب انقاذ المختطفين والمختطفات الايزيديات، ارقام مجهولي المصير :”خطف داعش 6417 ايزيدياً، نجا حتى الان 3543 ايزيدي/ة ومازال هناك 2874 ايزيدي/ة مخطوفين رغم مرور أكثر من عامين على الاعلان عن القضاء على داعش”.
ويعرب قائيدي عن أمله في انقاذ مزيد من المختطفات :”نحن مستمرون في البحث ونعتقد بوجود عدد غير قليل من المختطفات في مخيم الهول بسوريا ومناطق أخرى وايضاً في العراق”.
لا تتعلق الفضاعات التي ارتكبها تنظيم داعش بالايزيديين فقط، فرئيسة منظمة حوار الثقافات للاغاثة والتنمية ابتسام الحيو، توضح جانبا من ما تعرض له ابناء المكون الشيعي في سنجار وتلعفر:”اختطف التنظيم 1300 تركمانياً، معظمهم خطفوا في صيف العام 2014 وبينهم نحو 100 خطفوا بين العام 2015 و 2017″، مشيرة الى ان “700 منهم من الرجال ونحو 130 طفلا و470 امرأة وفتاة”.
وتشير الحيو الى التكاتف الذي كان سائدا قبل سيطرة داعش على المنطقة، مبينة انه عقب هجوم التنظيم على تلعفر “نزح جل التركمان الى سنجار وتم الترحيب بهم واستقبالهم من قبل الايزيدية على افضل وجه وبقي قسم منهم هناك الى ان احتل داعش سنجار ايضا، وحينها خطف العديد من التركمان ولقي آخرون حتفهم على ايدي عناصر داعش”.
حق ام استغلال
يرى حيدر ششو الذي يترأس قوات حماية ايزيدخان التي تضم عناصر من المقاومة الايزيدية التي قاتلت داعش عام 2014، ان مشروع تغيير ديمغرافية سنجار موجود حتى وان لم يكن لشيعة سنجار بصمة او أي مشاركة فيه “وقد تقف دول وراءه”، مبينا أن “المشروع موجود ومن الممكن تنفيذه”.
يعود ششو بالزمن الى الوراء، مذكرا بأن وجود المكون الشيعي في سنجار قديم وكانوا يعيشون مثل بقية المكونات ولهم مراقد ومزارات “لكن لم تكن هناك حسينيات في المدينة”، مبينا ان وجود الحشد الشعبي في سنجار “لا يهدف فقط للدفاع عن سنجار واهاليها بل يرتبط بمشروع الهلال الشيعي الذي تسعى ايران لاقامته”.
يستطرد ان “عدم استطاعة القوى الشيعية على التغلغل في المناطق السنية القريبة من سنجار وبشكل خاص جنوبها كالبعاج والمناطق الحدودية التي تربط العراق بسوريا في ظل رفض اهلها لذلك، وفي ظل وجود فراغ بسنجار دفع تلك القوى الى جعلها بديلا لاقامة الهلال الشيعي”.
ويلفت ششو الى حق المكون الشيعي بسنجار في حفظ حقوقه والدفاع عن مصالحه:”لقد تعرضوا مثلنا الى الاضطهاد، لكن يجب ان يضع الجميع تضحيات المكون الايزيدي أيضا بعين الاعتبار”.
ويبدي ششو مخاوفه من بعض الافكار المتداولة، بما فيه ما يتعلق بمطالبة القوى الشيعية في سنجار للمبعوثة الاممية جينين بلاسخارت خلال الاجتماع الذي عقد في نينوى قبل اكثر من شهر “بفصل مركز قضاء سنجار عن القرى و المجمعات المجاورة، كون نسبة السنة والشيعة في المدينة اكبر من المكونات الاخرى”، مستسائلا عن الدوافع الكامنة وراء تلك الخطوة.
لكن محمود الأعرجي، ممثل المكون الشيعي يرى ان ما يثار لا اساس له من الصحة، وهي مخاوف تثيرها أطراف تريد اشعال الخلاف بين مكونات سنجار، قائلا “ممارسة المراسيم الدينية حق مشروع للجميع بحسب الدستور العراقي، ونحن نمتلك اربع مزارات في سنجار (مزار السيدة زينب الصغرى، مرقد اولاد علي، مزار مام هارون، ومرقد عاكرالدين الحسيني الاعرجي) ولم نقم ببناء اي مزار جديد كما يشاع، ولم نقم ببناء اي حسينية بل كانت موجودة منذ القدم”.
ويعلق الأعرجي على الحديث عن بناء مراكز ثقافية من قبل فصائل الحشد الشعبي في سنجار:”اذا كنا نملك مركزا واحدا فالاخوة الايزيدية لديهم اربعة او خمسة مراكز في سنجار”.
حسن علي، وهو مواطن من المكون الشيعي، يرد على التقارير التي تتحدث عن “تشييع سنجار” قائلا انها “صادرة من مؤسسات عربية سنية لديها موقف من القوى الشيعية، وهي لا تلتزم المهنية في البحث والتقصي بل تنشر تقاريرها وفق دوافع سياسية ودون تقديم اي أدلة، وهي تشن حملة مدفوعة ربما لأهداف انتخابية”.
ويتابع: “كل القوى السياسية في سنجار لديها مصالح ومشاريع خاصة بها، وكل يعمل وفق ما يراه انه يخدم مصلحة مكونه، لكن نحن كمواطنين لا نثق بها لأن دوافعها وصراعاتها سياسية، أما نحن فمتعايشون منذ قرون وسنحاول منع أصحاب الأجندات من تدمير ذلك التعايش”.
انجز التقرير ضمن مشروع “التربية الاعلامية” لصحفيين من ثلاث مدن عراقية