اراء

هل تتحول «الانتخابات» لمسمار في نعش النظام؟

منتظر ناصر

تفصلنا ساعات عن إجراء أول انتخابات لمجالس المحافظات منذ 10 أعوام، فقد جرت آخر انتخابات محلية في العام 2013، لتغلق بعدها صناديق الاقتراع تماما، لأسباب وظروف عدة، بدءا من عدم أهلية المحافظات “المحررة”، لاحتضان تلك الفعالية في العام 2017 حيث موعد إجرائها، بسبب عمليات التحرير من تنظيم داعش، وما شهدته من نزوح جماعي، ودمار منع عودة الحياة الطبيعية إليها، ومن “حراك احتجاجي” -في تشرين الأول أكتوبر 2019-، جعل مجالس المحافظات هدفا له، ونجح بتجميد عمل تلك المجالس، بقرار نيابي -أبطلته المحكمة الاتحادية لكنها قررت حل تلك المجالس بنفس الوقت-.

 

تعود الانتخابات في ظل ظروف مختلفة، ولكنها لا تقل صعوبة في سجل النظام السياسي الصعب، إذ أنها ستتحول إلى سهم قاتل، أو مسمار في نعش النظام الذي بدأ يفقد الكثير من شعبيته منذ سنوات، فالانتخابات في جميع الأنظمة الديمقراطية تعتبر بمثابة تجديد للعقد السياسي بين الشعب والنظام، وعامل من عوامل تعزيز الثقة بين الطرفين، لكنها في العراق آخذة في الاتجاه الآخر، وذلك للأسباب التالية:

 

1- حجم المقاطعة وعدم المشاركة الشعبية سيكون غدا (18 كانون الأول ديسمبر 2023) هو الأكبر في تاريخ العملية السياسية، بسبب الذاكرة السيئة عن تلك المجالس، والتي لم تقدم نموذجا صالحا في الغالب، بل على العكس من ذلك لا زالت الصور السلبية عن الفساد والابتزاز والمناكفات التي يمارسها أعضاء المجالس، حاضرة بقوة في ذهن المواطن، لاسيما إذا علمنا بأن نحو 8 ملايين مواطن مؤهل للتصويت لم يقوموا بتحديث بياناتهم، وأن أكثر من 1.5 مليون ناخب لم يستلموا بطاقاتهم البايومترية.

 

2- تضارب وجود هذه المجالس مع المطالب الشعبية بإلغائها (كما حدث خلال تظاهرات تشرين)، بوصفها حلقة زائدة في النظام تزيد من ترهله وتعيق تقديم المشاريع والخدمات.

 

3- إجراؤها وفق قانون مرفوض شعبيا (الدائرة الواحدة)، سوف يزيد الهوة بين الطرفين، لأنه سيعكس هيمنة الأحزاب الكبيرة، ويعدم أي تمثيل محلي حقيقي للأهالي، وهذه واحدة من مفارقات النظام السياسي، فهو في الوقت الذي ينتخب برلمانه الاتحادي وفقا لنظام الدوائر المتعددة، مراعاةً للتمثيل المناطقي والمحلي، يرفض في الوقت ذاته، هذا النوع من التمثيل في انتخابات محلية بطبيعتها.

 

4- مقاطعة التيار الصدري التامة، ستقوده إلى رفضه أي تقاسم للمناصب بعد الانتخابات في مناطق نفوذه، فالعملية السياسية رسخت تقليدا غير ديمقراطي تتحمله كافة الكتل المشاركة، وهي أن الانتخابات لا يمكنها تقليص نفوذ أي مجموعة سياسية سواءً كانت فائزة أو خاسرة أو غير مشاركة، فالنفوذ والسلطة أمران تتحكم بهما القوة والسلاح، ولا شيء غير ذلك.

 

5- ارتفاع نسبة التصويت الخاص لن يعكس النسبة الحقيقية التي ستظهر عليها غدا، لأن الجميع يعرف أن منتسبي القوات والأجهزة الأمنية بكل صنوفها، موجهون ومعبأون سياسيا وعقائديا وهذا ما لا ينطبق على عموم المواطنين الذين يشكلون الأغلبية الصامتة.

 

من هذا كله، يتضح أن أحزاب السلطة لا تهتم كثيرا لحجم المشاركة أو لشرعية النظام التي باتت على المحك، بقدر اهتمامها في تحقيق النفوذ وإعادة التموضع السياسي والمالي، واستبعاد الخصوم، والهيمنة على أموال المحافظات التي ستتدفق بوفرة بعد توزيع المناصب، وهذا ما سينعكس سلبا على استقرار النظام السياسي بمرور الوقت، لاسيما مع الظهور المتوقع للخلافات على تلك المناصب والحصص من المشاريع، فضلا عن تنازع الصلاحيات بين الحكومات المحلية والاتحادية، وتلمس المواطن للهوة الكبيرة بين ما هو مرصود من أموال وبين المتحقق فعليا من المشاريع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى