اراء

سنجار ، إين الفرار؟

شاكر خدر

 

بعد إحدى عشرة سنة على الإبادة، ما تزال سنجار تخلو من أبسط مقومات الحياة: لا خدمات، ولا استقرار، ولا أفق. تتكاثر الصراعات على أرضها، ويتقاسمها المتخاصمون كما لو كانت غنيمة حرب. والأدهى، أن يُتهم أهلها بالإرهاب، بينما هم الذين وقفوا أول الصفوف في وجه داعش، وكتبوا أولى فصول المقاومة بالدم والجوع والخذلان. في الأيام الأولى من الغزو، كان الفرد الإيزيدي السنجاري يعتقد أن الابتعاد عن منزله لن يدوم أكثر من ساعات أو أيام. لكنه تفاجأ بأن حلم العودة امتد لأسابيع وشهور، والقلق الأكبر أصبح: “إلى متى يستطيع المقاومون الصمود؟ ومتى تتحرر سنجار؟” ومع الوقت، حرّرت سنجار على يد أبنائها، بعد معارك بطولية كانت فيها دماء المقاومين أثمن من أي دعم خارجي. توهّج في الداخل الإيزيدي أمل نادر: لقد وصل صوتهم إلى العالم، وارتفعت قضيتهم إلى المحافل الدولية. لكن هذا الانتصار سرعان ما بدأ يُفرغ من محتواه. بدأ الصراع على إدارة سنجار، وبدلاً من أن تكون هذه المدينة رمزًا للبطولة والصمود، تحولت إلى ساحة صراع سياسي، تتقاطع فيها المصالح بين الإدارات والجهات المتنازعة. إدارة محافظة نينوى، في موقف مخزٍ، تجاهلت سنجار عمدًا، واهتمت ببناء الأقضية والنواحي الأخرى، وتركت القضاء الذي شهد أبشع جرائم الإبادة مهمشًا، بلا خدمات، بلا مشاريع، وبلا اهتمام. وفيما كان البعض من أبناء سنجار يحاول الاستفادة من دعم المنظمات الدولية لتحسين أوضاعه، تحوّل ذلك الدعم، في حالات معينة، إلى وسيلة للثراء الشخصي السريع: خريجون حديثاً أصبحوا يملكون مشاريع كبيرة، شققاً، سيارات، وحتى تأشيرات سفر، بينما المقاوم الحقيقي يعيش في الظل، بلا راتب، بلا سكن، بلا تقدير. الطامة الكبرى، أن تُلفّق تهم الإرهاب لمن قاوموا داعش بأجسادهم.

المعلومات الشخصية عنهم التي جُمعت خلال المعارك، تُستخدم الآن لتسجيل شكاوى ضدهم من قبل قرى انتمى أبناؤها إلى داعش نفسه، من أولئك الذين سبوا النساء وقتلوا الشيوخ والأطفال. وها هم اليوم يحاولون قلب الصورة: إما أن تنسى ما فعلناه بك، أو تُتهم بالإرهاب! هذه السياسة الممنهجة تسعى لنزع السلاح من أيدي الشباب الإيزيديين، لتحويلهم إلى هدف سهل في أي موجة عنف قادمة، ولترك المجتمع مكشوفًا أمام كل محاولات التصفية أو الإضعاف. اليوم، سنجار كما كانت بعد تحريرها: منكوبة، مهمشة، محاصرة بالصراعات. لا إدارة حقيقية، لا استقرار سياسي، لا دعم منظم، ولا أمل واضح. محاولات تشتت المجتمع الإيزيدي لا تتوقف، وتهم الإرهاب تُسلّط كسيف على رقاب من دافعوا عن الأرض والعرض. لكن، حتى في هذا الظلام، تبقى جذوة الوعي مشتعلة. ما دام في سنجار من يكتب، ويُذكّر، ويقاوم بالصوت بعد أن قاوم بالسلاح، فإن القضية الإيزيدية لن تُمحى، وستظل سنجار رغم كل شيء، أرض الدم الذي لن يُباع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى