نضال الإيزيدية في مواجهة الاستبداد وأوهام الهوية الموحدة

محمد العجيلي
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتقاطع الهويات وتتداخل الأديان، تبرز قضية الإيزيدية كرمز للأقليات التي عانت عبر التاريخ من التهميش والاضطهاد، لكنها استمرت في صمودها وبقاءها رغم كل المحن. الإيزيديون، أصحاب الدين الفريد والتراث العميق، يعكسون تجربة الإنسان الذي يرفض أن يُمحى من ذاكرة الأرض.
تاريخ الإيزيدية هو تاريخ صمود. فهم يمثلون مجتمعًا يعيش على هامش السياسة، لكنه يحمل إرثًا ثقافيًا وروحيًا عميقًا. الهوية الإيزيدية ليست مجرد ديانة، بل هي تجربة نضالية للحفاظ على الذات في وجه محاولات التهميش والتهجير التي استمرت لعقود.
في عام 2014، تعرض الإيزيديون لإبادة جماعية على يد تنظيم داعش، حيث قُتل الآلاف واُختطف النساء والأطفال في أبشع جرائم العصر. تعكس هذه الجرائم سياسة سلطوية تسعى إلى فرض هوية واحدة عبر القتل والتدمير، وهي سياسات تهدد أساس التنوع والعيش المشترك في المنطقة. لذلك، من الضروري تحقيق العدالة والمساءلة الدولية لضمان عدم تكرار هذه المآسي.
اليوم، تستغل القضية الإيزيدية من قبل تدخلات خارجية وأطراف داخل النظام السياسي القائم، التي تستخدم وضع الأقليات كورقة ضغط أو لتثبيت مواقعها ومناصبها على حساب حقوق هذه الأقليات. يعتمد النظام القائم في كثير من الأحيان على إضعاف وجود الأقليات وتقليل تأثيرها لضمان بقاء هيمنته، مما يزيد من معاناة الإيزيديين ويجعلهم ضحايا صراعات لا تعنيهم.
السياسة الإقليمية تفرض تحديات إضافية، إذ أن وضع الإيزيديين مرتبط بتوازنات القوى في العراق والمنطقة. لذلك، من المهم تمكين الإيزيديين سياسيًا واجتماعيًا من خلال مؤسسات تمثلهم وتحمي حقوقهم، فالحقوق الممنوحة من فوق لا تضمن الاستقرار، بل يحتاج الأمر إلى مشاركة حقيقية في صناعة القرار.
الحرية ليست فقط غياب القمع، بل بناء مجتمع ديمقراطي يحترم التنوع ويكرم الإنسان. نضال الإيزيديين هو جزء من هذا النضال الأكبر من أجل حرية جميع الشعوب المضطهدة، وهو دعوة لبناء مستقبل يحترم الحقوق ويحتضن الاختلاف.
في النهاية، رغم الألم والمعاناة، يبقى الأمل في بناء سلام دائم عبر التعايش والاحترام المتبادل، وإعادة بناء المجتمعات الإيزيدية وتوفير الدعم الكامل لها ليكونوا شركاء حقيقيين في المستقبل.
الإيزيدية ليست مجرد قضية أقلية، بل قضية إنسانية تعكس روح الكفاح ضد الظلم، ونضال الجميع من أجل كرامة الإنسان وحقوقه