ايزيدي 24 بالتزامن مع العالم الجديد
“نؤمن بأن الله هو الحقيقة المطلقة”، اختصرت هذه الجملة “الدين البهائي”، الذي تأسس على يد “بهاء الله” قبل 180 عاما، وتعرض لمختلف أنواع الملاحقة منذ منتصف القرن الماضي، وما يزال خاضعا لقرارات تحظر إعلانه ولم يتم الاعتراف به رسميا في ظل النظام الجديد بعد 2003.
“بهاء الله قام بالدعوة للدين البهائي في بغداد عام 1863، ونحن نؤمن بأن الله هو الحقيقة المطلقة، واحد لا شريك له، خالق هذا الكون، وهو أجلّ وأعظم من أن يدركه أحد أو يتصوّره العقل البشريّ أو يحدّد بأيّ شكل من الأشكال”، هكذا يبدأ حسين حداد، وهو من أتباع الديانة البهائية، حديثه لـ”العالم الجديد”.
ويضيف حداد، أن “البهائيين يؤمنون بوحدة الألوهية ووحدة الأنبياء والمرسلين، كما ينبذون جميع أنواع التعصب والخرافات، والهدف الرئيسي للبهائية هو ترويج الوئام والتآلف ويجب أن يكون الدين مطابقاً للعلم ويكون أساساً لمجتمع سلمي ومتطور ومنظم، ويقترح تبني لغة عالمية إضافية وإيجاد المنظمات الضرورية لتأسيس وحماية سلام عالمي دائم”.
والبهائيون من الأقليات الدينية الصغرى في العراق، ينحدرون من أديان مختلفة وخلفيات وأعراق متنوعة وينتشرون في مختلف مدن وقرى العراق وبعض دول العالم، وبسبب غياب الاعتراف الرسمي بهم، لا يوجد إحصاء دقيق لعددهم في العراق.
وعن وجودهم في محافظة السليمانية، وهل من خلفية تاريخية لذلك، يوضح حداد أن “حضرة بهاء الله غادر بغداد متوجها إلى السليمانية وتحديدا إلى منطقة سركلو، وذلك في 10 نيسان أبريل 1854 ثم عاد إلى بغداد بتاريخ 19 آذار مارس 1856 وقد عاش تلك الفترة في جبال كردستان واتخذ مسكنه في كهف أحيانا أو في بناء بسيط من الحجارة أحيانا أخرى”.
ويبين أنه “لهذا السبب ينظر بهائيو العراق والعالم أجمع نحو السليمانية بروحانية بسبب تشريف بهاء الله لها لمدة سنتين، لذلك فإن البهائيين كانوا موجودين في محافظة السليمانية منذ مطلع 1940 ولغاية 1964، وبسبب الظروف السياسية آنذاك فقد غادرها معظمهم، إلا أنهم عادوا مجددا إلى السليمانية في تشرين الأول أكتوبر 2003 بعد زوال النظام البائد”.
وعن مغادرة البهائيين للعاصمة بغداد بعد 2003، يؤكد حداد، أن “هذه المغادرة كانت بسبب العنف الذي حصل لمعظم شرائح المجتمع العراقي بعد عام 2007 فقد هاجر الكثير منهم، وكان البهائيون من ضمن هذه الشرائح التي استقرت في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك”.
بمقابل موقف الحكومة الاتحادية تجاه هذه الديانة، فإن حكومة إقليم كردستان منحت أتباع الديانة البهائية الحرية الكاملة والعلنية للمارسة نشاطاتهم، واعترفت بهم بشكل رسمي، لاسيما بعد أن أدرجت الديانة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى جانب كل من الإيزيدية، والمسيحية، والكاكائية، والزرادشتية، والبهائية، والصابئة المندائية، واليهودية، وذلك وفقا للقانون رقم 11 لسنة 2007، الخاصة بوزارة الأوقاف في الإقليم.
كما أقر برلمان إقليم كردستان في 23 أبريل 2015، مشروع قانون يضمن حقوق الأقليات في السياسة والتعليم والمجالات الاجتماعية الأخرى.
ويردف حداد، “نحن مثل بقية الطوائف نمارس حياتنا المعيشية والتعبدية، حالنا حال أقراننا من الطوائف والأديان، وذلك لأن سياسة الإقليم هي منح الحرية وبدون تمييز للجميع وضمن القانون”.
ويلفت إلى أن “البهائيين أقاموا احتفالات عامة في السليمانية بمناسبة المئوية الثانية لولادة بهاء الله، وكذلك في أعيادهم الدينية، فنحن نحتفل مع الأصدقاء والجيران وفي الأحياء التي نسكنها، علما أن مثل هذه الاحتفالات والفعاليات البهائية التي تجري تكون بمشاركة عامة من جميع المواطنين”.
وتحولت البهائية في العراق من طائفة معترف بها قانونيا في فترة الحكم الملكي، إلى جماعة منبوذة، إبان الفترة التي حكم فيها حزب البعث البلاد منذ عام 1968 وحتى عام 2003، ثم إلى ما يشبه الطائفة السرية بعد ذلك.
ومن الإشكالات التي تعرض لها أتباع الديانة البهائية، في النظام السابق، هي إلغاء ديانتهم من هوية الأحوال المدينة وكتابة (مسلم) بدلا عنها، إذ لم يتم الاعتراف بالديانة البهائية، كما أن عقود الزواج بالنسبة لهم تكون وفقا لأحكام الفقه الإسلامي، وحول هذا الأمر يوضح الخبير القانوني حبيب القريشي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “لا مانع قانوني من المطالبة بذلك وإلغاء القرارات السابقة ضد البهائيين”.
وينبه القريشي، إلى أنه “بالإضافة إلى قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل بحظر البهائية، فإن هناك فتاوى صادرة من المرجعيات السنية والشيعية والتي لا تعتبر البهائية ديانة ولا تراها سوى دعوة منحرفة من شخص أدعى أنه رسول الله، وهذه الفتاوى والقرارات تشكل مانعا اجتماعيا وقانونيا كبيرا، يسبب الحرج لكل شخص يريد مناقشة موضوعهم”.
ويتابع، “لم تكن هناك مطالبات على مدى العقود الخمسة المنصرمة للاعتراف بالبهائية سوى من بعض الناشطين لإلغاء القرارات الصادرة بحقهم، ووفق القانون فإن من حق أي شخص المطالبة بذلك، لكن يترتب على ذلك مخاطر كبيرة على الشخص الذي يعلن أنه بهائي ويريد ممارسة طقوسه الدينية، حيث يدخل ذلك في باب الردة والكفر وفق الشريعة الإسلامية، كما أن الدستور العراقي ينص على عدم إصدار أي قانون يخالف ثوابت الشريعة الاسلامية، ومن هذه الثوابت ختم النبوة وعدم السماح للكفار ممارسة طقوسهم”.
ويؤكد الخبير القانوني، أن “منع البهائيين لم يقتصر على العراق، بل في دول عربية أخرى مثل سوريا ومصر والخليج، وحتى إيران التي هي منبع البهائية، وتتفاوت العقوبات من دولة لأخرى، فهناك أحكام بإعدامهم كما في إيران والكويت والسعودية، وهناك من يحكم عليهم بعقوبة السجن كما في العراق وسوريا ومصر”.
وينص الدستور العراقي على أن الإسلام هو الدين الرسمي، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع “أحكام الإسلام الثابتة”، كما ينص على حرية المعتقد والممارسة الدينية لجميع الأفراد، بما في ذلك المسلمين والمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين، لكنه لا يشمل البهائيين وغيرهم من الديانات الأخرى.
من جانبها، توضح عضو مجلس النواب سروة محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل لها قوة القانون وإلغائها يكون بتشريع قوانين جديدة عن طريق مقترح تقدمه الحكومة إلى مجلس النواب”.
وتبين محمد، أنه “ويمكن تغيير القوانين من قبل مجلس النواب عبر تقديم طلب موقع من 50 نائبا إلى رئاسة المجلس لإلغاء قانون معين أو تشريع قانون جديد”.
ويعد غياب ممثل للبهائيين في مجلسي الوزراء والنواب، أحد الاسباب التي تعيق بشكل أو بآخر طرح مسألتهم والمطالبة بحقوقهم وإلغاء القوانين الصادرة بحقهم، بحسب ما يؤكده رئيس الاتحاد الدولي لإعلام الأقليات وحقوق الإنسان، المراقب الدولي محمود المنديل.
ويشدد المنديل خلال حديث لـ”العالم الجديد”، على أنه “لا يوجد أي اعتراض من الجانب الديني على الاعتراف بالبهائية، والكثير من البهائيين أكدوا ذلك، لكن الوضع السياسي غير المستقر في البلاد ربما يكون أحد الأسباب التي تدفع إلى عدم المطالبة بالاعتراف بالبهائية وطرح هذا الموضوع بالأساس”.
ويرد المواطن البهائي حسين حداد، على غياب ممثلين للبهائيين في الحكومة والبرلمان، بالقول، إنه “بالتأكيد ليس لدينا ممثل في الحكومة أو البرلمان لأن التعاليم البهائية تحرم على أتباعها ممارسة السياسة”.
ويواصل حديثه “الدين البهائي لا يوجد فيه نظام كهنوتي أو تسلسل روحاني أو تقديس لأشخاص، فقد دعا بهاء الله إلى تأسيس نظام يتكون من مؤسسات منتخبة تعمل على المستويات المحلية والمركزية والعالمية، والمرجع الأعلى للبهائيين هو بيت العدل الأعظم، وهو هيئة عالمية تتكون من تسعة أعضاء يُنتخبون بالاقتراع السري من قبل جميع أعضاء المؤسسات المركزية”.
واحتفل البهائيون للمرة الأولى بشكل علني في بغداد في 30 تشرين الثاني نوفمبر 2017، بالذكرى المئوية الثانية لمولد مؤسس ديانتهم بهاء الله، في مناسبة حضرها ممثلون عن البرلمان العراقي والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وممثلو بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” وممثلون عن المجتمع المدني وناشطون إعلاميون، إذ تعد المناسبة الأبرز التي يعلن فيها البهائيون عن حضورهم الرسمي منذ 47 عاما، ليجدوا بذلك أنفسهم أمام وضع جديد، فيه من الوعد والأمل ما يغري بالاعلان عن هويتهم، والمطالبة بالاعتراف بهم بعد عقود من التغييب المنهجي والقسري.
وتأسست الديانة البهائية عام 1844، وبغداد تعد إحدى المنطلقات الرئيسية لها، ففيها قضى مؤسسها بهاء الله 10 سنوات، وأسماها “مدينة الله”، وتعرف بهذا الاسم لدى البهائيبن حتى اليوم، ومنها أعلن دعوته عام 1863 أثناء بداية الصيف في حديقة الرضوان على ضفاف نهر دجلة في جانب الرصافة، وقتها نصب بهاء الله خيمته هناك لمدة 12 يوما، وتمكن البهائيون من الإعلان عن هويتهم بشكل رسمي في العهد الملكي، بحسب أستاذة التاريخ في جامعة بغداد الدكتورة ابتسام حمود، في حديث سابق لـ”العالم الجديد”.