اخبار

نوستاليجا التين والرمان

 قصيدة

 مراد سليمان علو

 

(1)

وأنا جالس أمام الخيمة..

بانتظار حصة عائلتي الشهرية من (الصحيّات)(1)

تذكرت: دكّان أبي

الطاحونة المائية في قريتي القديمة 

بساتين (الشيخ خدر)

هدف منتخب العراق الوحيد في كأس العالم

(عكسيات) عدنان القيسي

الفلم الهندي (أمل على الطريق).

 

(2)

أجلس على دكة دكان أبي

وإن غفلته أسرق كمشة (حامض حلو) دون شعور بالذنب

كفّ أبي تشبه مزرعة حنطة كبيرة وواسعة

عندما يضربني وكأنني أسمع جقجقة الطاحونة المائية البعيدة

كان الجنود يشترون من أبي (علك أبو السهم) قبل أن يذهبوا إلى العسكرية

والفقراء يشترون التمر

أيضا كان أبي العزيز يبيع في دكانه للأهالي

مرهم (البنسلين).

 

(3)

جارنا الطحّان (العمّ عليّ حربا) كان يحملني على كتفه ويأخذني إلى الطاحونة المائية

كتبت أوّل قصيدة سريالية وأنا جالس على حجر الرحى

ألف فقير من قرى شنكال الطينية ببطون فارغة لن يقدروا على تحريك الرحى من مكانها

كنت أسمع عظام الفقراء وهي تطقطق وتطحن

العميان والمجانين ومعوقي حركات الشمال ينتظرون دورهم على باب الطاحونة

والمزارعون والشيوخ ورؤساء العشائر ينظمون صفوف الانتظار

الطاحونة المائية الجميلة في (قرية السكينية العليا)

دائما كانت تتمايل مع مواويل (دهار الأعمى).

 

(4)

ما أن تصبح الشمس عامودية وينام والدي حتى أخرج من البيت 

أنادي أصدقائي المشعوذين بدشاديشهم الممزقة وأرجلهم الحافية

يقول صديقي (صبري رشكو) (2) والدنا ال (شيخ خدر) لا يمانع سرقتنا ثمار بساتينه من التين والرمان

سرقتها أطيب من تمر دكان أبي

صديقي مات في مخيمات كردستان

صديقي (صبري رشكو) الآن جار رئيس عشيرتنا (الشيخ خدر)

وعندما تصبح الشمس عامودية على (مقبرة كرى كور) يتناولان التين والرمان من البستان معا.

 

(5)

يقول (مؤيد البدري) في برنامجه الرياضة في أسبوع

صعود المنتخب العراقي لكأس العالم في (المكسيك) صدفة سعيدة

حقق منتخبنا هدفا جميلا بأقدام (أحمد راضي)

(أحمد راضي) مهاجم ذكي

أهدى (بانشو فيلا) قبعات مكسيكية لفلاحي الجنوب

(فريدا كاهلو) ترسم وجوه الأيزيديين في ساحة التحرير

أوباش المنطقة الخضراء صادروا جميع اللوحات وسرقوا القبعات.

 

(6)

شنكال مدينة البساتين

فيها المنارة ومرقد الست زينب والكنائس والمزارات

مقابل المنارة دكان أبي وبصفّ الدكان (جايخانة عمو نادرو) (3)

وضع (مجيد الجايجي) (4) صورة المصارع (عدنان القيسي) على التلفزيون

عصريات أيام الجمع نشاهد ما يعرض على التلفزيون اليوغسلافي الكبير

نشرب (تراوبي) ونشاهد أفلام (فريد شوقي) ومباريات المنتخب الوطني

ومحظوظ من شاهد نزال (عدنان القيسي) وهو يفوز على خصمه بعكسيته المشهورة.

 

(7)

مفارقة شهية تشبه شفتي النجمة الهندية (ممتاز) أن تعرض نصف سينمات الموصل الأفلام الهندية

جمال عيون الممثلات الهنديات كان جواز سفري لفترة المراهقة

أحببت فلم (أمل على الطريق) للأسطورة (راجيش كنا) والنجمة (ممتاز)

ثم، عرفت إن أسم الفلم الأصلي هو (روطي)

(روطي) يعني الخبز الذي تقدمه لي أمّي مع الشاي صباحا

من شدّة أعجابي بالفلم أطلقت على كتابي الأول الذي يحتوي على غراميات الشباب بـ (أمل على الطريق)

إلى الآن كلما ضاق خلقي أتذكر أغاني هذا الفلم الجميل ويعود لي أملي ليسير معي على الطريق.

إلى الآن وكلما أنتظر شيء ما.. أتذكر:

قسمات وجه أبي

ضحكة طحان قريتي

بساتين الشيخ خدر

برامج التلفزيون في زمن الأبيض والأسود

وكل تلك الأفلام الهندية الجميلة التي عرضتها سينما (السندباد) في الموصل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) قصيدة (نوستاليجا النين والرمان) هي القصيدة رقم (200) من ديوان قرابين القرى

(1) في مخيمات النزوح كانوا يوزعون علينا بعض المواد الصحية البائسة مثلا الصوابين والتايت…. الخ وكانوا يستبدلون الأشياء الجيدة بأخرى تافهة ورخيصة قبل التوزيع.

(2) صبري رشكو: وهو من أصدقاء الطفولة. من مدرسة السكينية الابتدائية المختلطة.  شاركني في مغامرات الطفولة وتوفي صديقي في احدى مخيمات النزوح كمدا.

(3) انتقلنا من قرية السكينية إلى قضاء شنكال ولم يبدل أبي مهنته كبقال.

(4) مجيد الجايجي: وهو أكبر أبناء العم نادرو صاحب الجايخانة التي كان دكان أبي لصقها. والدكان كان يعود للعم نادرو أيضا. تعلمت منه كيف أكون (صانعا) في الجايخانة في احدى العطل الصيفية.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى