غير مصنف

دخيل أوصمان في الميزان

 

مراد سليمان علو

الحكمة القديمة تقول:

“لو أردت العثور على الفن؛ فأبحث في الداخل وليس في الخارج”.

ربمّا هذا الأمر ينطبق على الفنان الشعبي الشنكالي الصديق (دخيل أوصمان) وفنه، فهو في داخله فنان بمعنى الكلمة، وأثبت أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة إنه أهل لحمل راية الفن الشنكالي الشعبي لا سيما ـ في رأي الشخصي ـ بعد أن أحيّا بعض أغاني الأسطورة (عيدوى كتي) الفلكلورية الجميلة.

عندما أتحدث عن أصدقائي أرغب في الدخول من باب من أبواب السريالية بصحبة سرب من طيور الوروار مع أغنية لسيتا هاكوبيان مارا ببساتين شنكال، وحاملا على أكتافي غربة عاشق عطشان يحث الخطى للوصول إلى ينابيع الأسكينية.

ليس كل الناس مثلي، فالبعض ما يزال يتحين الفرص بمناسبة وبدون مناسبة كي ينتقد وينتقص من هذا الفنان الجميل، وهذا ليس غريبا في مجتمع طارد للكفاءات والمبدعين.

أكاد أجزم إن هذا يحدث معنا جميعا وبنسب متفاوتة. وقد يكون السبب عميقا يحتاج إلى بحث ودراسة مستفيضة قد ينبري لها آحد طلاب الخدمة الاجتماعية قريبا، أو من الذين يجدون أنفسهم قريبين من مجتمعهم. وبداية إليكم الحكاية التالية:

“جاء أحد مريدي الحكيم التاوي الى معلمه ليحصل على الاستنارة، فجلب له الحكيم كوبا واخذ يصب فيه الشاي الى أن اخذ الشاي يطفح من الكوب فقال التلميذ:

“يا معلم الشاي ينسكب”. فأجابه المعلم:

“هذا بالضبط ما أردت أن أقوله لك. إنك جئتني ورأسك مملوء بالأفكار الجاهزة والمفاهيم والآراء الثابتة فكيف أستطيع أن أعطيك الاستنارة إذا لم تفرغ رأسك أولا؟”.

لهذا أقول: والكلام لكاتب المقال (أفرغوا رؤوسكم من الأفكار المسلفنة والثابتة والجاهزة لتحصلوا على المتعة ودعونا نتحاور ونتناقش بهدوء ومحبة عن الفن لا عن الفنان. لا تكونوا نسخة واحدة مكررة، وليكن شعارنا: احبك لأنك مبدع ولن أفرض رأي عليك في لبسك أو طريقة كلامك أو حياتك الخاصة).

أعرف (أبو صباح) منذ الصغر. منذ أن كان يصنع طنابره من القناني البلاستيكية أو العلب الفارغة، ويزرع في خاصرتها عودا منقوش عليه أوتار تلعب عليه أصابعه الصغيرة، وكان يضحك ويقول لنا: حتى يحين وقت شراء طنبور حقيقي ـ هناك شرح وافي عن الطنبور الشنكالي في كتابي (آل حربا) أرجو أن يطبع قريبا وتستمتعون بقراءته ـ عليكم أن تتحملوا عزفي وغنائي.

العزيز دخيل لم يكن من عائلة فنية، كعائلة (العم علي حربا) ولكن يبدو إن النبوغ كان مزروعا في جيناته وما كان منه إلى أن يظهر موهبته للعلن، وهكذا، زاملته رفيقا وزميلا، (ربمّا لم يكن صديقا مقربا فاهتماماتنا كانت مختلفة) ولكننا كملنا المشوار معا إلى أن وصلنا ما وصلنا إليه وبالنسبة له وبحسبة كرمانجية بسيطة كان هذا بإصراره وجهده المتواصل الذي كان وما يزال يفعل كل شيء من أجل فنه ومن أجل أن يتقدم خطوة إلى الأمام وهذا ما حصل فقد ملأ شنكال بفنه وشغل الشنكاليين بصوته وأداءه.

وأعلم كذلك إنه ليس ببراعة فنان مثل كاظم الساهر الذي تجذر الحب وكذلك معاناة شعبه في قصائده وأغنياته، دخيل فنان شعبي بسيط يغني في الحفلات والمناسبات ليكسب قوت يومه، وخلال فترة مزاولته لمهنته أصبحت لديه أذن موسيقية وذائقة فنية يستطيع من خلالها فرز الجيد والسيء. 

هذا الفنان الموهوب بالفطرة كما العشرات من أمثاله جعل من فنه مصدرا لعيشه وكان وما يزال مخلصا لمهنته ولهذا نراه صعد إلى مراتب عليا في الفن الشنكالي الشعبي. وأنا مثلكم أتمنى لو يغني لنا دخيل أوصمان أغنية بروعة وقامة (أنا وليلى) ـ نفيت واستوطن الأغراب في بلدي ودمروا كل أشيائي الحبيبات ـ ولكن ليس بالإمكان أفضل مما كان.

من خلال متابعتي له ومزاملتي وجدت إن أغلب النقد ينصب على تصرفاته الشخصية وليس على فنه، وخاصة من عشيرته التي ينتمي إليها، وهذا أمر محير حقا. وخاصة عندما هاجر إلى ألمانيا حينها توالت الانتقادات والانتقاصات من الأغلبية.

دخيل أوصمان حجل من حجول الجبل وهو بديع يحمل على جناحيه نقوش شنكالية من الزمن الجميل فاستمعوا إلى تغريده وغناءه الشجي قبل كل شيء، وعندما تشبعون أدعوا له بالشفاء من مرضه ليعود إلينا سريعا ويغرد ويغني ويرقص من جديد.

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى