اراء

توقيع وثيقة المصالحة والوئام: هل العدالة تمت بالفعل؟

عزيز شركاني 

توقيع أي وثيقة مصالحة دون تحقيق العدالة يثير الكثير من التساؤلات حول فعاليتها وفاعليتها في تحقيق السلام الحقيقي، فعلى الرغم من أن المصالحة تهدف إلى تجاوز الماضي والتحول نحو مستقبل مشرق، إلا أن السؤال الملح الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن تكون هذه المصالحة مستدامة ومؤثرة دون تحقيق العدالة؟.

هنا عندما نتحدث عن التوقيع على وثيقة المصالحة و الوئام في شمال سنجار بين الأيزيديين والعرب، نجد أنها قضية معقدة تحمل في طياتها تاريخًا مؤلمًا وتحديات متعددة، يثير استخدام مصطلح المصالحة جدلًا كبيرًا، خاصة بالنظر إلى طبيعة الجرائم التي ارتكبت ضد الأيزيديين من قبل تنظيم داعش.

ما حدث للأيزيديين لا يمكن وصفه ببساطة بأنه “مجرد جرائم”، بل كانت جرائم إبادة جماعية وتعذيب واعتداء على الأعراض، فقضية الأيزيديين ليست مجرد قضية ضد مجموعة معينة من الجناة نتيجة لخلافات عشائرية او شخصية طرفيها عائلتين فقط، بل هي قضية ابادة جماعية و خطف وسبي النساء و مقابر جماعية و قضية ضد فكرة الكراهية والتطرف التي تستهدف الإنسانية جمعاء.

من الصعب قبول فكرة المصالحة في هذه الحالة، حيث أنه لا يمكن لأي وثيقة أو اجتماع أن يمحي ببساطة ماضيآ مليئآ بالألم والدموع، إنما يجب أن يكون التركيز على تحقيق العدالة وتقديم المجرمين للمحاكمة، وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم مرة أخرى.

الاجتماعات التي تحدث تحت مسمى المصالحة، لا ينبغي أن تتسبب في الغفلة عن حقوق الضحايا وتبرير الجرائم المرتكبة، العدالة يجب أن تكون الهدف الأسمى، والتسامح والمصالحة يمكن أن تأتي فقط بعد تحقيقها.

إذا كان هناك من يجلس مع الأيزيديين بهدف المصالحة دون الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت ضدهم ، فإن ذلك لا يخدم سوى أهداف شخصية ولا يعكس حقيقة العدالة، يجب على المنظمات المجتمع المدني أن تكون حذرة وتضع مصلحة الضحايا والعدالة في المقدمة، بدلاً من تنفيذ مبادرات تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب معاناة الأيزيديين.

لذا، يجب أن نتذكر دائمًا أن المصالحة بدون تحقيق العدالة قد تكون مجرد رمقات في الهواء، بينما إذا تم تحقيق العدالة، فإن المصالحة ستكون بالتأكيد خطوة حقيقية نحو بناء عالم أكثر سلامًا وعدالةً.

في نهاية المطاف، يجب على المجتمع الدولي دعم جهود تحقيق العدالة وتقديم المساعدة لضحايا جرائم داعش، دون الانجرار إلى مسارات تصالحية تمحو ماضي الجرائم وتبرر الظلم، إنما يجب أن تكون الرحمة والتسامح نتيجة لتحقيق العدالة، وليس العكس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى