غير مصنف

آل ” حربا ” في عيون مراد

تقديم كتاب “آل حربا” بقلم نسيمة شلال

 

ما أن أرسل لي الصديق مراد علو كتابه (ال حربا) حتى استعجلت في قرأته لأني مسبقا أعرف هذا الشخص لا يكتب لمجرد طلب منه أن يكتب عن موضوع ما، أو هو يريد أن يكتب من أجل الكتابة. بل لأنه يشعر بكل كلمة يسطرها قلمه ولأني أعرف مدى حبه وأخلاصه للكتابة؛ استعجلت في فتح الكتاب وقرأته. ولكنني فعلت العكس حين أردت الكتابة عنه. ليس لأنه كتب بأسلوب صعب أو فلسفي أو مليء بالمصطلحات المعقدة بل لأني وجدت روعة في المشهد الذي صوره الكاتب حتى يصل الى القارئ، صورة سينمائية جميلة عن شنكال وأهلها، حتى الشخص الذي لم يعش يوما في شنكال حين يقرأ هذا الكتاب ستتشكل في ذهنه صورة جميله وغنية عن شنكال وحياة أهلها. أيضا جمال وصف الكاتب لبعض التفاصيل اليومية وبعض عادات أهل شنكال في تلك الفترة لم تخلوا كما العادة من الألم الذي كان ومازال نعانيه.

(العم علي حربا) كما سماه الكاتب (مراد علو) كان موهوبا بالفطرة: موسيقي، ونجار، وراو للحكايات والقصص ذو لسان بليغ، ومغني للمواويل الشعبية.. رغم انه كان يعيش في بقعة تفتقر الى ابسط مقومات الحياة! كيف أبدع هذا الرجل بكل هذه الأمور دون دراسة علمية؟ بدء الكاتب بسرد حكايته بالمكان، وبالتأكيد المكان هو حوض جبل شنكال، وتحديدا قرية (السكينية) قرية الشخصية الرئيسية للكتاب و أيضا قرية الكاتب نفسه، أعطانا صورة جميلة وشفافة عن البيادر وأكوام الحنطة والشعير، خبز التنور، ومواسم الرعي.. تصوير المكان والزمان عند الكاتب ينسج لوحة مزخرفة تعتمد على شرح أدق التفاصيل ليكون سهل على القارئ فهم المجتمع الشنكالي عن قريب، وأيضا لكل من سيقرأ تلك الأسطر سيفهم بأن هنالك أشياء وأحداث لا يمكن أن يفهمها أو يشعر بها إلا من عاش على تلك البقعة وشرب من ماء ينابيع (السكينية).

في البداية سيجد القارء بأن الكتاب لا يضم الكثير من المعلومات عن الشخصية الاساسية (العم علي حربا) لكن بالتالي سيكتشف ذكاء الكاتب في وصف البيئة التي أخرجت هذا الفنان والنجار والموسيقى المرهف الحس رغم قسوة الظروف في ذلك الزمان، يقول الكاتب:

” في سنة (1975) عندما تم ترحيلنا من القرية اجباريا بأمر من الحكومة وألقوا بنا في صحراء (سيباى) وبنينا ها وأحببناها لأننا نعامل المكان كعروس. ورغم كل ذلك الحب اخرجونا منها بالقوة”. هنا السرد ليس عن الموسيقى وليس عن عادات اهل القرية وبساطة المجتمع الأيزيدي، بل عن انتماء الانسان بصورة عامة عندما يهيمن على الانتماء الانساني والوجداني الانظمة السياسية والحكومات التي تجبر مواطنيها من ان يألفوا شيئا لا يريدونه ثم حين ينشئ علاقة حب ينتزعون منه ما احبه.

سطور غنية سيجدها القارئ بين دفتي هذا الكتاب، من تفاصيل يومية عاشه الفرد في ذلك الوقت الى سرد الحكايات والجغرافية الذي يصفه الكاتب بكل شوق وحرقة قلب،  الى الموسيقى والشعر ووصف بعض الالعاب الشعبية التي كانت اهل ذلك الزمن يلعبونه , مع انه ليس بالزمن البعيد جدا لكن ماحدث للأزيديين في (2014) يجعلنا و كاننا حين نقرأة عن فترة السبعينيات أو قبلها نشعر وكأننا نقرأ عن زمن السندباد في قصص الف ليلة وليلة، برأي الشخصي الكاتب (مراد علو) نجح في تكون صورة وثائقية مميزة عن تلك الفترة ليكون مرجعا للجيل الجديد وتحديدا لأطفالنا الذين نشأوا في المخيمات في كردستان العراق وايضا لجيل الشباب من الايزيديين اللذين شكل لديهم هوية اجتماعية من عدة ثقافات ومجتمعات. ازمة الانتماء الذي يعاني منها البعض والذي سيعاني منها أولادنا في المستقبل قد يشكل لدى الفرد نوع من الضياع، لكن بالعودة الى الجذور وتفاصيل الحياة في شنكال قد يخفف من الم حس الانتماء.

الموسيقى كانت ومازالت لها دور كبير وتأثير على المجتمع الأيزيدي، في كل مناسباتنا نستعين بالموسيقى حتى عند دفن الموتى الموسيقى تكون حاضرة.

ستة فصول لهذا الكتاب، كل فصل فيه تواريخ وتفاصيل غاية في الاهمية لكل انسان مهتم بالجانب الوجداني والحس الروحي للمجتمع الشنكالي. من يقرأ بتمعن تفاصيل هذا الكتاب سيعرف قيمة اللحظة وكيف يعيشها، سيكف عن الركض وراء مغريات هذا الزمان وسيأخذ جانب الطريق لكي يخرج من سباق السرعة والتطور والتكنولوجيا، سيخرج من السباق ليتأمل المجتمع البسيط والغني الذي انحدرنا منه.

يقولون (الانسان وليد بيئته) ربما لهذا الكثيرون منا في تساؤل دائم عن اجوبة لأسئلتنا التي لا تنتهي عن بيئتنا في شنكال عن انتزاعنا منها وتشتتنا في أماكن مختلفة حول العالم، لكن كتاب مثل هذا كفيل بأن يرجعنا ا حتى نشرب ماء المعرفة من نفس النبع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى