تقارير

قانون عراقي لتجريم البغاء والشذوذ الجنسي:”حملة إيمانية” جديدة أم مناورة سياسية لفرض سلطة الأحزاب الدينية؟

ايزيدي 24 بالتزامن مع شبكة نيريج 

سبعٌ وأربعون ثانية فقط، كانت كافية لمجهول متشح بالسواد، رصدته كاميرا مراقبة منزلية في منطقة زيونة بالعاصمة العراقية بغداد ليلة 26 نيسان/أبريل 2024، لينهي حياة صانعة المحتوى غفران مهدي سوادي، المعروفة باسم “أم فهد”، بعد أيام من كشف السلطات العراقية عن شبكة مارست الابتزاز الألكتروني يقودها ضباط كبار، وتضم صانعات محتوى شهيرات.  

ترجل المسلح من دراجته النارية السوداء، في موقع قريب من منزل الضحية، وتحرك بهدوء نحو سيارتها التي كانت قد ركنت للتو، ليفتح وبأريحية تامة الباب الأمامي ويطلق عليها أربعة رصاصات أردتها قتيلة على الفور، قبل أن يعود ليستقل دراجته ويختفي في الظلام دون أن تتبين ملامح وجهه التي كانت مخفية بخوذة سوداء.

أطلقت عملية القتل، موجة تكهنات بشأن الفاعل الذي مازال طليقا رغم انتشار كاميرات المراقبة في منطقة الجريمة التي تعد محصنة أمنياً، وعن الدافع الكامن وراء الجريمة ومع كشف “أم فهد” في فيديو سابق عن علاقات تربط بين صانعات محتوى وضباط كبار، في ظل نظام يسوق لفكرة تدينه وحرصه على القيم المجتمعية.

وكان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، قد اعلن في منتصف آذار مارس، عن كشف شبكة داخل المؤسسة الأمنية تعمل على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال صفحات بأسماء مستعارة “لابتزاز المؤسسة الأمنية والإساءة إلى رموزها، فضلا عن ابتزاز الضباط والمنتسبين ومساومتهم”.

وكانت “أم فهد” قد نشرت في 16 آذار مارس، مقطع فيديو تتهم فيه صانعة محتوى أخرى تدعى داليا نعيم وتعرف باسم “أم اللول”، بأن لها علاقة بضابط كبير في الداخلية وان لديها فيديوهات تثبت ذلك.

وجاءت حادثة القتل بعد سلسلة إستهدافات لناشطات وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، اتهموا من قبل شخصيات سياسية دينية أو مقربة منها بإسائتهم للقيم الأخلاقية للمجتمع، وبعضهم صدرت ضده احكامٌ قضائية، كانت حصة ام فهد منها ستة أشهر سنة 2023 بتهمة: “نشر أفلام وفيديوهات عدّة تتضمن أقوالا فاحشة ومُخلة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل”.

في اليوم التالي لحادثة القتل صوت مجلس النواب على مقترح قانون التعديل الأول لقانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي رقم (8) لسنة 1988 المقدم من اللجنة القانونية، وذلك بحضور 170 نائباً من أصل 325 نائباً يشكلون المجلس.

تضمن القانون 12 مادة، عرفت مادته الأولى البغاء و”الشذوذ الجنسي والتخنث والسمسرة وبيت الدعارة” والأخيرة تعاريف ترد للمرة الأولى في القوانين العراقية. ويفرض عقوبات بحق المدانين تتراوح بين الغرامات والحبس والسجن، وعزل المدان إن كان موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة من وظيفته.

وتزامن تشريع القانون مع حملة أمنية قامت بها وزارة الداخلية وصفت بأنها الأكبر في العاصمة بغداد، شملت منطقة البتاوين، وأسفرت عن اعتقال 600 متهماً بجرائم الدعارة والإتجار بالمخدرات والأعضاء البشرية، وقبلها بأيام قلائل، كانت هنالك حملة في منطقة الرصافة ببغداد نجم عنها وفقاً للشرطة اغلاق 460 قاعة ونادٍ ليلي.

وكان مجلس القضاء العراقي، قد أطلق حملة عرفت بمكافحة المحتوى الهابط في وسائل التواصل الاجتماعي، في الثامن من شباط/فبراير2023، وأنشأت وزارة الداخلية منصة (بلغ) لإستقبال شكاوى المواطنين فيما يرنها محتويات هابطة، وقد أسفر ذلك عن إعتقال وإدانة العشرات من المدونين والزج بهم في السجون ومراكز التوقيف. والغريب ان بعض من قادة تلك الحملة ورد اسمه ضمن المتورطين بادارة شبكة الابتزاز التي اعلنت عنها الحكومة العراقية.

وفي ذات العام أصدرت المحكمة الإتحادية قراراً ولائياً بحجب المواقع الألكترونية “الإباحية والمسيئة للأديان والآداب وقيم المجتمع”وفق ما نص عليه القرار.

كل تلك القوانين والاجراءات والحملات، يقول ناشطون مدنيون وقانونيون، بانها دعائية ولم ولن تجد طريقها للتطبيق على ارض الواقع وانها فعليا تستخدم فقط كأداة لملاحقة بعض الخصوم السياسيين، فلا الشذوذ سينتهي ولا الدعارة ستخف ولا تناول المشروبات الكحولية سيتوقف.

يقول الناشط شوان علي، ساخرا :”بعد أكثر من عام على حملة مكافحة المحتوى الهابط، هل بات المحتوى أكثر رُقيا؟.. أم ان أصحاب وصاحبات ذلك المحتوى تحولوا الى أدوات بيد بعض قوى السلطة، يتم استخدامهم لتسقيط منافسيهم، او لإثارة ما يريدون من مسائل والهاء الجمهور عن قضايا البلاد الرئيسية من انتشار للفساد المنظم والمخدرات والجريمة، والافلات من العقاب”.

يضيف علي:”أين هم من قضايا الدولة الملحة كتعزيز القانون وبناء المؤسسات؟ بل اين هم من البرنامج الحكومي الذي أكد على تشريع قوانين العفو العام والنفط والغاز، وانشاء محكمة اتحادية دستورية، ومجلس اتحادي، وغيرها من تعهدات ملاحقة كبار الفاسدين الذين باتوا خارج السجون حتى بعد كشف سرقاتهم المليارية”.

ويرى منتظر ناصر، رئيس تحرير صحيفة “العالم الجديد”، ان إقرار قانون البغاء والشذوذ الجنسي، هو جزء من الدعاية والمنافسة السياسية بين الفريقين الشيعيين (قوى الاطار التنسيقي، والتيار الصدري)، مشيرا الى انه “جاء بعد أيام على مساعي الصدريين لإقرار عطلة عيد الغدير”، وانه تضمن الكثير من “الثغرات القانونية والعلمية واللغوية والعبارات الفضفاضة وغلبت عليه اللغة الشعبوية”.

‏ويلفت الى عدم امكانية منع عمليات التحول الجنسي بالمطلق “لأن بعض الحالات تصبح ضرورية لو كانت مرافقة لتشوه خلقي”. ويطالب المشرعين العراقيين بالتوقف عن اصدار قوانين دون دراسة دقيقة، قائلا “يكفي المشرعين معرفة أن طهران هي أكبر مركز لعمليات التحول الجنسي، ليراجعوا قراراتهم الارتجالية!”.

ووصف عراقيون، القوانين والإجراءات الأخيرة بأنها “حملة إيمانية جديدة” في إشارة إلى إجراءات مشابهة نوعاً ما قام بها رئيس النظام السابق صدام حسين في تسعينات القرن الماضي لمواجهة النقمة الشعبية نتيجة تدهور الاوضاع الاقتصادية اثر العقوبات الاقتصادية، ويقولون بأنها تستهدف بالأساس الحريات الشخصية وحماية الساسة وأحزابهم والمسؤولين من النقد الموجه اليهم.

بينما رأها آخرون، تحركات ضرورية لحماية القيم والمثل الأخلاقية في المجتمع العراقي”المتدين والمحافظ” في ظل الانفتاح على العالم وما فرضه من تقليد لما يصفونه “بالثقافة الغربية”.

في حين إرتفعت أصوات دولية منددة بالخطوات التشريعية والإجراءات الحكومية، معبرة عن قلقها من أنها ستؤدي إلى تهديد حقوق الإنسان والحريات الأساسية وبالتالي تؤثر على أستقرار البلاد وأمنه.

تعديل قانون

تم تذييل تعديل قانون البغاء والشذوذ الجنسي لتبرير تشريعه، أنه جاء “انسجاماً مع الفطرة الإنسانية والطبيعة البشرية التي خلق الله تعالى، الأنسان عليها من ذكر وأنثى، وحفاظاً على كيان المجتمع العراقي من الانحلال الخلقي ودعوات الشذوذ الجنسي التي غزت العالم، ولخلو التشريعات العراقية من العقاب الرادع للشذوذ الجنسي ومن يروج له، شرع هذا القانون”.

وتم تحديد عقوبات في القانون أدناها الغرامة وأقصاها السجن لخمسة عشر سنة، بحق سماسرة الدعارة ومتعاطي البغاء في السجون ومقيمو علاقات “الشذوذ الجنسي” ومن يغير جنسه بايلوجيا ومن يعينهم على ذلك.

ويشير راكان غازي، المتخصص في القانون، إلى ما تم إيراده في القانون الجديد مقارنة بما كان يتضمنه قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي رقم (8) لسنة 1988: “تم تخفيض عقوبة الإعدام وجعلها 15 سنة، وحذف شرط تلقي ممارس فعل البغاء- الزنا- اجراً لقاء فعله، دون تحديد وسيلة او طريقة اثبات واقعة الزنا، كما وردت فيه مصطلحات لم يتضمنه القانون السابق مثل الشذوذ الجنسي والتخنث والسمسرة وبيت الدعارة”.

ويضيف إلى ذلك، عد القانون جرائم البغاء والشذوذ الجنسي وتغيير الجنس والترويج لها من الجرائم المخلة بالشرف، وهي التي توجب الطرد او العزل في حال كان المدان بتلك الجرائم موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة. وأيضاً تخفيض عقوبة الإعدام لمن “استبقى شخصاً للبغاء والشذوذ الجنسي…اذا كان المجني عليه لم يتم الثامنة عشر، وجعلها لاتزيد عن 15 سنة”.

ويتابع:”خفضت كذلك عقوبة الإعدام بحق السمسار ومتعاطي البغاء وجعلها بين 7 الى 10 سنوات سجن”. مشيرا بذلك إلى عقوبة الإعدام التي كان قد وضعها قرار مجلس قيادة الثورة للنظام العراقي السابق بالرقم (٢٣٤) لسنة ٢٠٠١ فيما يخص جريمة السمسرة، وجعلها القانون الجديد سجناً لا يزيد عن  سبعِ سنوات وغرامة لاتقل عن 5 مليون دينار ولاتزيد عن 10 ملايين دينار أي ما يعادل بين(3790 إلى 7580 دولار).

أما المحامي محمد أحمد يونس، فيعتقد بأن لا مبررات لإصدار القانون بنحو مستقل من الناحية القانونية والقضائية، وأنه كان بالوسع تضمين التعديلات في القانون القديم ذاته أو تلك التي يتضمنها قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.

ويضرب على ذلك مثالاً:”التخنث والشذوذ الجنسي وتغيير الجنس، تعريفات وعقوبات كان يمكن اضافتها الى قانون العقوبات، فضلاً عن اعتبارها مع البغاء مخلة بالشرف”. لذلك فهو يرى بأن الأمر لايعدو عن كونه “مناوشة سياسية قامت بها الأحزاب الموالية لإيران كجزء من المواجهة المفترضة مع الغرب والتي صعدت وتيرتها بالقصف المتبادل بين إسرائيل وإيران خلال شهر نيسان، ولاسيما أن للدول الغربية تحفظات واعتراضات عليه وقد افصحت عنها مرارا في الأشهر التي سبقت اقراره”.

ويستدل في ذلك على مؤتمر صحفي عقده عدد من النواب الممثلين عن تيارات وأحزاب دينية شيعية بعد إقرار القانون مباشرة في 27نيسان/ابريل2024، ذكر فيه النائب حسن سالم، أن تشريع قانون مكافحة البغاء “انتصار للاسلام والقيم وللشعب العراقي وانتصار للعفة والشرف وانتصار للحوزة العلمية وهو طعنة للشيطان الاكبر الذي اراد بث الشذوذ في المجتمع العراقي الذي هو مجتمع المقاومة ومجتمع الاخلاق والقيم، مجتمع علي والحسين”. والشيطان الأكبر وفقاً للخطاب الإيراني والشيعي العراقي الموالي، هي الولايات المتحدة الأمريكية.

حقوقي وناشطٌ في مجال الحريات، طلب عدم الإشارة إلى أسمه خشية مساءلته وفقا لحملة مكافحة المحتوى الهابط المعمول بها، يقول بأن القانون فضفاض “ويمكن بكل سهولة إتهام الكثيرين وتجريمهم بموجبه حتى وإن لم تكن تنطبق عليهم الصفات التي يفترض أنها محددة فيه”.

ويوضح:”المخنث مثلاً. ما المقصود به في القانون، هل هو شخص بملامح ذكرية ونبرة صوت وحركات أنثوية أم هو ذلك الذي يضع اسورة في معصمه ويطيل شعر رأسه أو يتبرج او يحف حاجبيه فيطلق عليه الناس أسم مخنث؟ هنالك عشائر ومناطق يطلق فيها الناس كلمة مخنث على كل من لايربي شاربين!”.

ويعود ليتساءل:”ماذا لو أن طبيعة الشخص تكون قريبة للأنوثة، يحبس سنة أو ثلاثة سنوات ويدفع غرامة خمسة أو عشرة ملايين دينار كما ورد في القانون دون جرم حقيقي إقترفه؟ ماهي المعايير التي ستعتمد، ومن يقرر إن كان الشخص مخنثا؟ ولماذا لم يتطرق القانون للإناث المسترجلات؟”.

وكذلك بالنسبة لجريمة تبادل الزوجات التي وردت في المادة الأولى ضمن تعريف الشذوذ الجنسي، لم يشر القانون من سيجرم بالفعل، الزوج أم الزوجة أم الأثنين، ام يترك ذلك لتقدير القاضي وفقا لحيثيات الدعوى؟.

تأييد ورفض

معد التقرير علم من مصدر برلماني مطلع أن اللجنة القانونية كانت قد أبقت على عقوبة الإعدام التي تضمنها القانون رقم (8) لسنة 1988 الصادر في عهد النظام العراقي السابق، دون تعديل، وكانت واردة في القراءة الأولى لمشروع القانون في الجلسة رقم 10 التي عقدت في 15 آب/أغسطس2023، غير أن ضغوطاً دولية وتحركاً من الأمم المتحدة جرى في شهر شباط/فبراير2024 دفعها إلى تخفيضها إلى خمسة عشر سنة كأقصى عقوبة.

وبالنسبة للضغوظ الدولية فقد أقر النائب رائد المالكي، بان التصويت على القانون كان يفترض أن يتم في منتصف نيسان/أبريل2024، لكن المجلس أرجأه لغاية يوم 27 من ذات الشهر، بسبب زيارة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الى واشنطن”لكي لايؤثر تشريع القانون على زيارته”.

وفي وقت لم يعلق فيه مكتبا رئاسة الوزراء أو الجمهورية على اصدار القانون الجديد كما يحدث مع بعض القوانين الأخرى، سارع أعضاء في مجلس النواب إلى تأييد الإجراء البرلماني بتشريعه للقانون، إذ ذكر رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي، بأنه يشكل مصلحة عُليا لحماية البُنية القيمية للمُجتمع “ووفر الغطاء التشريعي لردّع دعوات الانحلال الخُلقي والشذوذ الجنسي وعالج النقص الحاصل في التشريعات ذات الصلة”، وقال كذلك:”لا مكان للمثلية في عراق الانبياء والائمة الطاهرين والاولياء الصالحين”.

وانتقد نواب التقاهم معد التقرير، تشريع القانون، وأشاروا الى ان البرلمان العاجز عن حل مشاكل البلاد ومعالجة قضاياه الملحة “بات يبحث عن تحركات دعائية”.

وقال نائب، شدد على عدم ذكر اسمه، ان القانون عمليا لن يكون ممكن التطبيق وان “الباحثين عن الجنس لن يتوقفوا عن ذلك بل سيستمرون مع تكتّم أكبر، وسينتقل البغاء الى الأحياء السكنية، وسيزيد ذلك من انتشار الأمراض المتناقلة جنسيا وسيمنع المرضى من تلقي العلاجات خوفا من الملاحقة”.

فيما عبرت الأمم المتحدة عبر المتحدثة بأسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان رافينا شمدساني، عن القلق إزاء إقرار البرلمان العراقي”لقانون يجرم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي فضلاً عن أشكال أخرى من السلوك الخاص بالتراضي، ويعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 15 سنة”.

وطالبت شمدساني بإلغاء القانون لكونه يتعارض مع معاهدات واتفاقيات عديدة بشان حقوق الإنسان صادق عليها العراق ولاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وذكرت بأن هذا القانون “يعرض الناس لجرائم الكراهية وإساءة معاملة الشرطة والمضايقات والترهيب والابتزاز والتعذيب وتكريس التمييز والحرمان من الوصول إلى الخدمات الأساسيةبما في ذلك الرعاية الصحية والسكن”.

الولايات المتحدة هي الأخرى عبرت عن قلقها من تشريع القانون، وذلك من خلال بيان صدر عن مكتب وزارة حارجيتها، وعدته مهدداً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المحمية دستورياً إن “تقييد حقوق بعض الأفراد في المجتمع، يضعف حقوق الجميع”، وأيضاً يهدد الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في المجتمع العراقي:”ويمكن استخدامه لعرقلة حرية التعبير والتعبير الشخصي، وعرقلة أعمال منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العراق”.

وتابع البيان:”كما يضعف التشريع قدرة العراق على تنويع اقتصاده وجذب الاستثمارات الأجنبية. لقد أشارت الائتلافات التجارية الدولية بالفعل إلى أن هذا التمييز في العراق سيضر بالأعمال والنمو الاقتصادي في البلاد.

سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد ايلينا ل رومنسكي، نشرت تغريدة حملت ذات المضمون، ليقدم إثر ذلك 61 عضواً في مجلس النواب العراقي، طلباً موقعاً من قبلهم إلى رئاسة مجلس النواب بالإنابة، بمفاتحة وزارة الخارجية لغرض اعتبار السفيرة الأمريكية شخصاً غير مرغوب فيه، ومطالبة وزارة الخارجية الأمريكية بإستبدالها.

وذكروا في طلبهم، أن رومنسكي، قامت من خلال تغريدتها، باعمال خارجة عن الوظيفة الدبلوماسية، وتدخلت في الشؤون الداخلية للبلد، واعتدت بنحو”سافر” على عمل مجلس النواب العراقي وتدخلت في:”تشريع قانون يعتبر حافظاً للمبادئ والقيم والأخلاق للأسر العراقية”.

أحزاب إسلامية مشاركة في السلطة، عبرت عن موقفها الرافض لما وصفته بتدخل دول وجهات خارجية في شؤون العراق، منها حزب الدعوة الإسلامي، الذي اصدر بياناً استهجن فيه ما وصفه”تعليق سفراء دول غربية على اصدار قانون يجرم الممارسات اللاأخلاقية التي تشوه القيم الإنسانية ….”.

وأعلن حزب الدعوة في بيانه عن تأييده لأعضاء البرلمان الذين صوتوا للقانون ورفعوا شعار “لا وجود للمثلية في عراق الأنبياء والأئمة الطاهرين والأولياء الصالحين” وفقاً للبيان.

ياسر هاشم، باحث في الشأن الاجتماعي، يقول بأنه يرفض تشريع قوانين لمنع حالات أو ظواهر في المجتمع خشية أن يؤدي منعها إلى استفحالها، ويبين:”منع الخمور في الأماكن العامة، لم يوقف تناولها بل حوله الى المنازل، مما يعني اعتياد الأطفال والمراهقين عليها وحتى تعاطيها، وأيضاً أدى إلى انتشار ظاهرة المخدرات أو كان احد أسباب تفشيها”.

ويتخوف ياسر، من أن يؤدي تجريم “الزنا وغيرها من الممارسات التي ينظر إليها المجتمع العراقي بأنها غير أخلاقية إلى تداعيات عكسية مثل زيادة حالات زنا المحارم”. واتهم الأحزاب الشيعية التي تصف نفسها بالـ”متدينة” بالوقوف وراء ظهور “الشذوذ الجنسي والتخنيث وانتشار البغاء وبيوت الدعارة”.

ويوضح:”الشاب العراقي ينشأ مكبوتاً، لأن علاقاته بالجنس الآخر تنحصر بالأم والشقيقات وغيرهن من القريبات، ويمنع من الاختلاط بالفتيات في طفولته أو في المدرسة، وهذا يؤدي في بعض الحالات الى اختبار الذكورة مع ذات الجنس وكذلك بالنسبة للأنثى بالسحاق”.

حملة ايمانية جديدة

بعيداً عن ردود الافعال المتابينة حيال تشريع القانون، ثمة من يعتقد في العراق بأن الأحزاب الشيعية الإسلامية التي لديها حصة الأسد في مجلس النواب والحكومة العراقية، تدفع بإتجاه تشريع قوانين وفرض قرارات تشبه التي كان يصدرها النظام العراقي السابق في بعض الفترات.

يقول الكاتب عادل كمال، أن دوافع الكثير من القوانين التي أقرها مجلس النواب أو القرارات التي أصدرتها الحكومة أو مجلس القضاء خلال سنوات ما بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش “كانت دينية في الظاهر” وتعارض الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق، وبالتالي تؤثر على علاقاته الخارجية بنحو كبير.

ويوضح ما يعنيه “بالدوافع الدينية في الظاهر” بقوله أن نظام صدام، قام بحملة اعدامات وملاحقات ضد المومسات في التسعينيات، تحت شعار الحملة الايمانية، لكن في الحقيقة أن “ضباطاً كبار في الجيش وقوى الامن الداخلي كانوا يرتادون دور الدعارة ويسربون معلومات حساسة هناك”.

“ذات الشيء حدث في عهد النظام الحالي، عندما قامت السلطات بحملة مكافحة المحتوى الهابط بذريعة حماية قيم المجتمع، وفي الحقيقة كان الهدف كبح جماح منتقدي السلطة في وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام صانعات محتوى لابتزاز وترهيب آخرين” يقول عادل، ويضيف:”وأيضاً فيما يتعلق بحظر الكحول، تبين لاحقاً أن الهدف كان رفع أسعاره وتوفير فرصة لجماعات نافذة بالسيطرة على تجارته”.

وأشار كذلك إلى إصدار المحكمة الاتحادية قرارها في الدعوى رقم 325 لسنة 2023، بإلزام كل من وزير الاتصالات ورئيس هيئة الإعلام والإتصالات إضافة إلى وظيفتيهما بإيقاف وحجب كافة المواقع الإباحية في عموم العراق.

ويعلق على ذلك:”وزارة الاتصالات وهيئة الاعلام والاتصالات ليس بمقدورهما الزام شركات التواصل الإجتماعي بمنع المحتوى الإباحي، كما لايمكن لأي جهة ان تمنع البغاء أو الشذوذ الجنسي أو تبادل الزوجات أو اللواط وغيرها أو تعاطي الخمور، بنحو كامل”.

وبذلك فهو يرى بأن هنالك “هدراً في القوانين والقرارات لغايات سياسية دعائية لأحزاب السلطة الدينية التي تحاول استغلال أي فرصة لتظهر ورعها وتقواها، تغطية للفساد الذي اغرقت به البلاد”، على حد تعبيره.

يتفق المحامي (ح الغزي) مع الرأي السابق بشأن محاولة الأحزاب الدينية فرض توجهاتها على جميع فئات المجتمع، لكنه يشكك بإمكانية تطبيق القانون الأخير، لاسيما في بعض الوقائع كالزنا “التي تستلزم اثبات الواقعة بأدلة يصعب في العادة توافرها بسبب أن مثل هذه العلاقات تمارس بنحو سري”.

ويعيب المحامي على السلطة التنفيذية، عدم تنفيذها للقوانين التي يقول بأنها لاتطبق بنحو كامل في الغالب أو تطبق بنحو انتقائي، ويتساءل:”إن كان مواد قانون العقوبات، وقانون البغاء رقم 88 تطبق فعليا، وهي أشد واكثر ردعاً، فما الحاجة إذا إلى قانون جديد للبغاء والشذوذ الجنسي؟ وكذلك الحال مع بقية القوانين مثل مكافحة المخدرات وغيرها”.

شامل طه (53 سنة) موظف تربوي من العاصمة بغداد، يقول عبارة متداولة شعبياً وهي “كل ممنوع مرغوب”، وأنه تعلم تدخين السكائر بسبب والده الذي كان يفرض عليه رقابة منزلية صارمة في صباه وشبابه ويحاول تكريهه بالتدخين “أول شيء فعلته عندما وجدت فرصة للإنفراد بنفسي خارج المنزل في فترة المراهقة أنني أمسكت بسيكارة، وكانت تلك بداية لإدماني التدخين”.

ويتابع:”سجن ممارسي الدعارة ليس حلا للمشكلة، ولهذا فأن الحكومات العراقية المتعاقبة في الأنظمة السابقة كانت تسمع بمناطق خاصة  للدعارة، مثل منطقة الكمالية في بغداد، والسحاجي في نينوى، تحت رقابة الجهات المعنية، وذلك لم يزعزع قيم واخلاقيات المجتمع، لأن من يريد ممارسة الجنس بأجر أو من غير أجر، لن يوقفه قانون البغاء الذي سيظل حبراً على ورق حسب قناعتي”.

ودعا التربوي شامل، الجهات التشريعية والحكومية لإتخاذ إجراءات أكثر جدوى لمعالجة الظواهر السلبية في المجتمع، كإعادة الدور التربوي والتثقيفي الذي تمارسه المؤسسات التعليمية. ويستدرك:”المنع والتجريم والملاحقة ليست حلولاً، بل هي هروب وعوامل تفاقم المشاكل الاجتماعية إن لم تقرن بمعالجات حقيقية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى