قصص صحفية

الليلة الأخيرة في المخيم

مراد سليمان علو  

(1)

محاولاته المكثفة في عصر مخه على أمل فهم حوار الأرنبة الأم البيضاء مع خرانقها الصغار هو الامتياز الوحيد للحداثة في هذا المخيم.

لديه بضعة ثواني فقط ليخبئ كتاب (مزرعة الحيوان) عن عيون أرانبه، وبمساعدة قوى سرّية غامضة تمكن من الهرب مجددا من حلمه فجر اليوم، واستيقظ من فوره.

والى الجحيم جميع أطباء التيك توك، ودجالو الفيسبوك، فلم يشرب بضعة أكواب من الماء البارد من أجل كبده، وأمعائه. بل، مدّ أصابعه وأشعل أوّل سيجارة له في يومه الذي يعرف تفاصيله مثل راحتي يديه.

كان متيقنا أن وقت اللجلجة قد فات، وحان وقت البلع. فالفم مفتوح بالآه على آخره، والأمعاء ترقص على أكتاف يتيم.

 

(2)

الآن! أفهم بشكل أفضل سبب مصادرة حراس باب نظام مخيم جم مشكو زجاجات العرق البعشيقي مساء أمس، فالنُسّالةُ لا تعتبر خسارة في عرف الأرانب.

ففي صباح اليوم لم يكتف باللعن والسبّ، بل تعمد (كسر) جميع حروف كلماته الوسطى لزيادة قوّتها عشرة أضعاف. فما بالك لو شرب كفايته من حليب السباع ليلة أمس؛ بالتأكيد موجة الصدمة حتى على آخر زاوية من آخر خيمة في آخر قاطع للنازحين من ذوي الثياب البيضاء كانت ستكون عنيفة.

لا يهمني أن تكون هذه القصّة واقعية أو من خيال جورج أورويل. يكفي أن تكون مأثورة في مجتمع الأرانب يتناقلونها في جحورهم في أوقات القيلولة. وهي بذلك تدل على اعتقادهم الراسخ بأن أثواب أهل الجنة ناصعة البياض.

 

(3)

يقول له الكوجك: أمامك سكة سفر!

هشَ وبشَ وأعتزم على الفور أن يتحقق فيما إذا كان غنيا! ولا يحمل على كتفيه الكثير من الغبار.

قالت له زوجته ـ التي أقسمت برأس خدلياس بأنها لو هاجروا الى ألمانيا يوما ستتطلق منه، وان لم تجد من تتزوج به ستعيش مع عائلة من الأرانب في حجرة فحل أرنب أنيق:

ــ يا زوجي العزيز لو تأخرنا في الخروج سنختنق، ولو خرجنا بسرعة سنغرق.

ــ معك حق يا امرأة، فمن الصعب العثور على قدمين شابين.

ــ غمغم خرنق لطيف قائلا:

“ربمّا عليكم انتظار قدوم شقيقي الخرنق حامل الرقم الخامس والسبعون؛ لتفهما منه ما كتبه صاحب المزرعة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى