سطور فيما بين العود والطنبور
خاص لأيزيدي 24 – مراد سليمان علو
يذكر الأستاذ علي الشوك في كتابه الممتع (الموسيقى والميتافيزيقيا) ما يلي حول العود:
” قصتي مع العود كانت قصة مع الهوية الموسيقية. العود آلة عربية، أو شرقية. العود آلتنا “القومية” وقد حافظ على اسمه في كل لغات العالم. فهي بالفرنسية luth وبالإنكليزية lute، وبالألمانية laute، وبالإسبانيةlaud، وبالإيطالية lauto. لكن ما هو أصل كلمة (العود) العربية؟ فاللفظة لا تقدم تفسيرا لمعنى الكلمة، وعلى ما أذكر فأن أصل الكلمة هو سومري، وهو كلمة gudi. ولعلي عثرت عليها في معجم Grove للآلات الموسيقية… وعجبت كيف أن الباحث صبحي أنور رشيد لم يتوصل الى أصل الكلمة. لقد أعتبر الكلمة عربية. كما جاء في كتابه (الموسيقى في العراق القديم) …
لكن من أيبن جاء العود؟ نقرأ في كتاب الدكتور صبحي أنور رشيد عرضا لآراء الباحثين الأوربيين حول هذا الموضوع، ثم ينتقل الى رأيه الأخير. فكورت زاكس قال بالأصل الحثي للعود في الأناضول. لكن الباحث الألماني شتاودر يفند هذا الرأي، ويرى أن العود كان في الشرق الأدنى منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وأن هذه المنطقة كانت تحت حكم وتأثير شعوب مختلفة من كاشيين وحيثيين وخوريين، ويقول ان العود من ابتكار سكان الجبال، وبصورة خاصة الخوريين الذين سادو في المنطقة الممتدة من بحيرة وان حتى شمال العراق في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وبعده. ونسب شتاودر الى الخوريين ابتكار هذه الآلة، بالاستناد الى قطع آثارية.
لكن الدكتور صبحي أنور رشيد يؤكد أنه أول من تصدى لرأي شتاودر حول أصل العود في سنة 1967، ثم في سنة 1970 صدرت له دراسة مفصلة باللغة الألمانية، أثبت فيها على ضوء الآثار عدم صحة الرأي الذي ذهب اليه شتاودر، حيث أثبت فيها أن أقدم ظهور للعود كان في العراق في أثناء العصر الأكدى 2170 ـ 2350 قبل الميلاد في ضوء ختمين اسطوانيين في المتحف البريطاني كان قد نشرهما فان بورن أول مرة في سنة 1933.
الآن وقد انتهينا من مسألة هوية العود. السؤال: أيهما كان الأول: العود، أم الطنبور؟ وفي ضوء الاختلاف بينهما ستجد ذلك في كتابي (آل حربا) فقراءة ممتعة.
لنعد الى الفن الشنكالي وإشكالات أعادة احيائه بطريقة حداثوية تضمن عدم التخلي عن الماضي أولا وثانيا المضي قدما مع تطور الموسيقى العالمية التي ساهمت في الحداثة في مختلف بقاع أوربا حتى الدول الشرقية منها.
هنالك خطوات أولية لا بد من اتخاذها لتأسيس قاعدة صحيحة ينطلق منها الفن بمعية الشباب القادرين على اختراق هذا الزمن الرديء المليء بالتناقضات والرجوع الى الوراء.
الحكمة هي البدء من أسفل الهرم وليس من القمة، قبل أيام سمعت خبر قدوم فنان شنكالي شاب الى ألمانيا، قلت مع نفسي لعله يبغي علما أو معهدا موسيقيا للتزود بالعلم المطلوب وتوظيفه في موسيقاه؛ الا أنني فوجئت بأعلان عن تقديمه حفلة غنائية شعبية هابطة، يكرر أغاني غيره وبسعر محدد. أنه هنا من أجل أن يبدأ من رأس الهرم وليس البدء من أسفله كما ينبغي. ليت شعري متى سترحموننا من هذه الأسطوانة المشروخة والأغاني المبتذلة والموسيقى التي تخدش السمع، ونحن نستمع اليها منذ مائة سنة.
الأمر يحتاج الى أن يتبنى الموضوع جهة رسمية أو شبه رسمية لديها الوقت الكافي وتمتلك الدعم المناسب للبدء بالخطوة الأولى في هذا المشروع المهم والحيوي.