المسيحيةتقارير

المسيحيون في العراق.. هجرة مستمرة وحقوق ضائعة

بالتزامن مع رأس السنة الجديدة، سنسلط الضوء على الوجود المسيحي في العراق، وبالرغم من كون الديانة هي الثانية في البلاد، إلا أن وجودها القوي سابقا تحول إلى “هامشي” في إدارة الدولة والمناصب الرفيعة، وصولا إلى الوظائف البسيطة، بحسب رجال دين ونواب، أكدوا أن المختلف هذه المرة هو تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ، غير أن الهجرة ما تزال مستمرة لأسباب عدة.

يشار إلى أن المسيحيين العراقيين كانوا ينتشرون في جميع المحافظات من دون استثناء حتى ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن الثقل الأكبر لهم كان في بغداد ونينوى والبصرة وبابل ودهوك، لكن أعدادهم بدأت بالتراجع منذ اندلاع الحرب مع إيران، واشتدت هجرتهم خارج العراق خلال عقد التسعينيات إبان الحصار الاقتصادي والتضييق عليهم في مجال العمل من قبل النظام السابق، ثم بلغت الهجرة أشدها بعد سقوط النظام السابق، وظهور التنظيمات المتشددة وخصوصا تنظيم داعش في العام 2014.

ويقول الأب مارتن هرمز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التمثيل النيابي للمكون المسيحي لن يشكل شيئا، مهما كان عدد ممثليه، لأنه لم ينعكس إيجابا على واقعهم، وظل حضورهم ضعيفا، ولذا فالمكون بحاجة لإرادة سياسية عليا على الاهتمام بملف الأقليات، لاسيما إذا كان الهدف هو الحفاظ على المكون، إذ لابد من وجود غطاء قانوني يحميه من أية ممارسات خاطئة أو فردية أو ممنهجة”.

ويضيف هرمز، أن “الصراعات السياسية في البرلمان والملفات العالقة التي يتم ترحيلها من دورة لأخرى، تحول دون الاهتمام بقوانين أخرى للمكونات التي تمثل الأقلية، بالرغم من وجود أصوات محلية ودولية تنادي بذلك وأهميته”.

وفيما يخص الهجرة، يبين الأب، أن “الهجرة المسيحية من العراق تعتبر مزمنة، وليست منذ 2003 فقط، بل كانت موجودة سابقا وبنسب متفاوتة، وتتزايد وتتناقص وفقا للأوضاع الأمنية في المنطقة وموجات العنف الديني والتطرف، بالرغم من أن رسالة المسيحيين هي السلام ولا يحملون السلاح، ويفضلون الخروج والنأي بأنفسهم عن الصراعات، وغالبا ما يلجأون لمنظمة UN لاحتوائهم وربما تسهل أمورهم”.

ويؤكد “لا توجد إحصائية للعوائل المهاجرة والعائدة، ونتأمل أن يكشف التعداد السكاني الأخير عن الأرقام الحقيقية للمكون وتواجده جغرافيا”، مبينا أن “هناك غبنا كبيرا في استحقاق المكون المسيحي في الوظائف، لأن القوانين والتعليمات التي تصدر مع الموازنات لا تنصفهم، حتى مع وجود النقص بالدوائر وحركة الملاك والحذف والاستحداث، ولهذا مسالك روتينية صعبة لا يمكن متابعتها”.

ويدعو إلى “وضع سياسة واضحة لتكليف أبناء المكون المسيحي، بدرجات رفيعة في الدولة أو الانتخابات، فنحن لا نبحث عن كوتا في المناصب، ولكن يجب إشراك المسيحيين وأن يكون لهم دور”.

وحول المناطق المسيحية المتضررة جراء الإرهاب، يوضح الأب هرمز، أنه “يجري اعمارها بشكل تدريجي، لأن الضرر كبير واحدث شرخا لدى ابناء المكون وولد صراعات بينهم، والكل يحاول ضمان حقه في تلك المناطق لكثرة الصراعات، لكن ما نلاحظه قيام الحكومات المحلية جاهدة بتوفير السيولة المالية للاعمار عبر الموازنات، مع معاناتها كحال بقية المحافظات والمدن بسبب الصراعات السياسية”.

ويستطرد أن “اعمار المدن والأرياف التي تعتبر الموطن الأصل للمسيحيين بشكل سريع مستقبلا وتأهيلها، وتوفر فرض العمل سيجعل أبناء المكون يشاهدون استقرارا لهم وخلق فرص عيش أفضل من الأماكن التي ذهبوا اليها، سواء في أربيل ودهوك وبغداد وغيرها”.

وتعاني أغلب الكنائس من الإهمال، بالإضافة إلى صعوبة افتتاح أو بناء معابد جديدة، وهو أمر متوقف منذ سنوات طويلة، فيما تحولت بعض الكنائس في بغداد إلى مخازن للتجار بعد إهمالها وتركها منذ سنوات.

وبحسب إحصائية نشرها الموقع الرسمي للبطريركية الكلدانية في 26 تموز يوليو 2023، فإن عدد المسيحيين العراقيين حتى العام 1987 كان مليونا و262 ألف نسمة، أي ما يعادل 4 بالمئة من عدد نفوس العراقيين، وقبل العام 2003 كانوا نحو مليون ونصف مليون من 25 مليون عراقي.

من جانبه، يبين مستشار رئيس مجلس النواب لشؤون المكونات، برهان الدين إسحاق، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مخاوفنا كمكون مسيحي في العراق، في المرحلة الحالية، هي أقل مما كانت عليه في عام 2014 وسنوات الحرب على داعش والهجرة المسيحية، فالوضع في تحسن، لكن رغم هذا لا نتوقع عودة المهاجرين لأن الحكومة غير قادرة على تعويضهم عن خسائرهم لممتلكاتهم”.

ويوضح إسحاق، أن “أعداد المسحيين العراقيين المهاجرين في السويد وكنائسهم، تفوق أعداد الموجودين في العراق، لأن اكثرهم يتواجدون في السويد والدول الأوروبية وأمريكا، واخرى مثل الأردن وقبلها في سوريا قبل تغير النظام السوري”، مبينا أن “المناطق المسيحية التي دمرها داعش تم اعادة اعمار كنائسها وبعض منازلها، خاصة في سهل نينوى والعمل مستمر على إعادة التأهيل من قبل الحكومة والمنظمات الدولية المشاركة في ذلك بجميع مناطق نينوى”.

ويلفت إلى أن “القوانين المعنية بتوظيف المسيحيين هي تنص على وجود نسبة 5 بالمئة لكل المكونات، وهي قليلة لاتشجع المسيحيين أو الصابئة أو الإيزيدية على التعيين، وربما لا يحصلون عليها لأنها نسبة ضعيفة، والحال نفسه بالنسبة للمناصب، فهو شيء لا ينكر بعدم وجود أي منصب لهم حتى على مستوى مدير مدرسة في كل انحاء العراق”، مستطردا “وكذلك عدم وجود أي عميد كلية مسيحي في ظل وجود 76 جامعة على مستوى العراق مقارنة بما هو قبل سنوات طويلة، حيث كان أغلب العمداء والقامات العلمية المسيحية متسيدة في الجامعات، وحتى بالنسبة للوظائف في الأجهزة الامنية كالشرطة والجيش فالنسبة قليلة جدا للمسيحيين وبقية المكونات غير المسلمة”.

ويتابع “نتمنى من حكومة محمد شياع السوداني أن تراعي الطوائف بالتعيينات والمناصب بمبدأ الخبرة، ضمن الانجازات التي تعلن عنها بين الحين والآخر، حتى يتم رفع جميع التسميات في التعيينات وحصول المساواة بوجود كفاءات كبيرة قادرة على إدارة البلد، لأن جميع الكفاءات المسيحية قد تم حصرها في وزارة الهجرة والمهجرين منذ 12 عاما، وهي وزارة تقدم خدمة بالتأكيد ولكن يجب فتح بقية الوزارات أيضا أمام المسيحيين”.

وتعاني أغلب الكنائس في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية من إهمال كبير، وخاصة الكنائس التاريخية، حيث تحول بعضها أو أجزاء منها، سواء في الشورجة أو شارع النضال وسط العاصمة بغداد، إلى مخازن للمحال التجارية، أو مرائب للسيارات، فيما تم استغلال بعضها من قبل مؤسسات أهلية، عمدت إلى اقتطاع بعض مساحتها وشغلها، في ظل إقفال لقاعاتها منذ سنوات.

وكانت “العالم الجديد”، قد كشفت في كانون الأول ديسمبر 2020، عن تناقص أعداد المسيحيين في جنوب العراق بشكل كبير، وبحسب تقريرها السابق، فإن قرابة 150 عائلة بالبصرة، أحيت قداس الميلاد الأخير في الكنائس: الكلدانية، الأرمنية، السريانية الكاثوليكية، أما في كنائس السريان الارثوذكس، الانجيلية المشيخية الوطنية، فقد أحيت القداس فيها قرابة 10 عائلات فقط، فيما تحوي ذي قار عائلة مسيحية واحدة، وفي ميسان أحيت 14 عائلة القداس.

إلى ذلك، يوضح النائب السابق عن المكون المسيحي، عماد يوخنا، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المكون المسيحي تعرض للكثير من الأضرار منذ عام 2003 نتيجة للحروب والمعارك والعمليات الإرهابية والمليشيات والسلاح المنفلت، مما دفع غالبيته للهجرة بشكل كبير نحو الدول الأوروبية وترك مناطقهم في سهل نينوى وكركوك وبغداد، لأنهم تعرضوا لتهديدات”.

ويبين يوخنا، أن “التمثيل النيابي للمسيحيين لم يحصل في الدورة الأولى للبرلمان إلا بمقعد واحد، وتمت المطالبة بالكوتا لتصل إلى 5 مقاعد، ولكن القانون لم ينصفها أيضا لتنافس الكرد والشيعة، حتى وصل الأمر للتنافس غير الشريف عبر المال السياسي، مما أدى لعزوف المسيحيين حتى عن المشاركة بالانتخابات”.

ويشير إلى أن “هناك مواد قانونية ضمنت حقوق المكون مثل المادة 125 من الدستور، لكن لم تترجم إلى قانون، إضافة لمواد تخص التمييز والحفاظ على حقوق المكونات ذات الأقلية بفرص متكافئة”، مؤكدا أن “الحكومة قامت بتعويض المتضررين جراء دخول داعش، ولكن بشكل بطيء، لعدم وجود برنامج واضح للتعويضات واعمار الكنائس كما فعلت المنظمات الأوروبية”.

ويطالب النائب السابق، الحكومة بـ”ضرورة إيجاد صندوق اعمار خاص بمناطق الأقليات المتضررة من الحروب والإرهاب، وهي للمسيحيين والشبك والإيزيدية، وهم لم يكونوا اصحاب القرار في تلك الحرب بل الضحية كما حصل مع شيعة تلعفر وغيرهم”.

ويشير إلى أن “آخر تعداد للمسيحيين في عام 1997 كان يوجد في العراق مليون و300 ألف نسمة، في 15 محافظة باستثناء إقليم كردستان، واليوم في 2024 قد تناقص إلى حدود نصف مليون فقط، ولكن بالعموم لاتوجد بيانات رسمية حول ذلك، لأن الأوضاع لم تسمح بذلك مع تسهيل أمور الهجرة للمسيحيين من قبل السفارات الأجنبية في العراق، حتى أصبح مليون مسيحي عراقي أو اكثر في المهجر بدول كندا واستراليا وأمريكا وغيرها”.

وحول المناصب الحكومية، يوضح يوخنا أنه “في كركوك مثلا، فإن منصب معاون المحافظ كان للمكون المسيحي على مدى 20 عاما، لكن تم استبداله بشخص من مكون آخر، إضافة لمدير عام الدائرة المالية في البرلمان تم استبعاده في الفترة الأخيرة، ومنصب آخر كرئيس هيئة تم استبعاده، وهي تغييرات حصلت منذ حكومة عادل عبد المهدي وصولا إلى مصطفى الكاظمي، والآن ايضا في عهد محمد شياع السوداني، نتيجة للمساومات والتحالفات وادعاءات القوى السياسية الكبيرة بتمثيلها للمسيحيين، ولكن ذلك ليس واقعيا بل لكسب المصالح فقط”.

وكان بابا الفاتيكان فرنسيس، قد زار العراق في 5 آذار مارس 2021، وعدت زيارة تاريخية والأولى من نوعها لأي من بابوات الفاتيكان في التاريخ، وأجرى خلال زيارته جولة شملت كنائس العاصمة بغداد ونينوى وأربيل ومدينة أور الأثرية في ذي قار، حيث منزل النبي إبراهيم الخليل، والتقى أيضا المرجع الديني علي السيستاني في النجف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى