المهر والمتاجرة بالمرأة الإيزيدية بين الأعراف والتجارة البشرية
الجبناء يساومون على مهر بناتهم... والشجعان يتنازلون

د. طارق قاسم
هذا المقال ليس هجوماً شخصياً على أحد بل هو دعوة للتأمل وإعادة النظر في الممارسات الاجتماعية التي أصبحت تشكل عبئاً على المرأة الإيزيدية وتجعلها سلعة تباع وتشترى تحت مسمى المهر، هذه القضية ليست فقط مسألة اجتماعية، بل تمتد لتكشف عن الأولويات التي يضعها بعض أفراد المجتمع، والتي غالبًا ما تبتعد عن معالجة القضايا الجوهرية والمصيرية.
أنا على يقين بأن أي شخص إيزيدي يقرأ هذا المقال سيذكر شخصاً غنياً متكبراً ومتسلطاً طلب مهراً مرتفعاً لابنته أو شخصاً فقيراً فقد كرامته وأمواله ليعيش زواجاً تعيساً بسبب هذا الابتزاز المقنع تحت مسمى العادات، وعلى الجانب الآخر هناك من سيتذكر رجالاً شجعاناً رفضوا تحويل بناتهم إلى أدوات للمساومة وقدموا نموذجاً حضارياً في التعامل مع الزواج.
الابتزاز المالي تحت غطاء الأعراف
لا يخفى، أنه عندما تتزوج الفتاة الإيزيدية من شاب مخلص، مثقف، محبوب وبعلاقة حب قائمة على التفاهم والاحترام لتكوين أسرة سعيدة يتدخل بعض الآباء ليحولوا هذا الحدث الجميل إلى كابوس مرعب يرفضون المصالحة لأيام وأسابيع، ويختلقون حججًا واهية لا تستند إلى أي منطق، ليصل الأمر في النهاية إلى مساومات مالية وابتزاز مادي تحت غطاء الأعراف والتقاليد.
هذه العقلية الاستغلالية يجب أن تنتهي وعلى الفتاة أن تكون قوية ومستقلة في قراراتها ولا تسمح بابتزاز مشاعرها ومستقبلها من قِبَل والد لا يرى فيها سوى مصدراً للمال لا يمكن لأي أب أن يدّعي الحب والحرص وهو يساوم على سعادة ابنته ويضعها في موقف الضعف أمام جشعه.
من المؤسف أن بعض هؤلاء الآباء يعاملون بناتهم كما لو كنَّ ممتلكات خاصة ويتناسون أن الفتاة كيان مستقل يستحق الاحترام والحرية، إن الشجاعة الحقيقية ليست في رفع سقف المهر بل في منح الفتاة حريتها ودعمها لبناء مستقبلها بعيدًا عن قيود الابتزاز المالي.
بين اجتماعات تحديد المهر والقضايا المصيرية
في الوقت الذي تُعقد فيه المجالس العشائرية واللقاءات الاجتماعية لتحديد مهور الفتيات نجد أن القضايا الأكثر أهمية مثل مصير الناجيات من الإبادة الجماعية التي وقعت عام 2014 وكيفية ضمان حقوقهن وتوثيق الجرائم التي تعرضن لها لا تحظى بنفس الاهتمام. لم تجتمع هذه المجالس لمناقشة كيفية إعادة إعمار سنجار أو تشكيل وفد يمثل المجتمع الإيزيدي في التفاوض مع الحكومة العراقية لاستعادة الحقوق أو كيفية توفير فرص عمل للشباب الذين يعانون من البطالة.هذه القضايا، التي ينبغي أن تكون في صدارة الاهتمام، تُهمل لصالح قضايا ثانوية تتعلق بتحديد قيمة الزواج وكأن المرأة مجرد سلعة تخضع للمزايدات.
ما يحدث اليوم يعكس تماماً ما تناوله كارل ماركس في نقده للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى اضطهاد المرأة في كتابه الأصل في العائلة والملكية الخاصة والدولة الذي كتبه فريدريك إنجلز بناءاً على أفكار ماركس تم تحليل كيفية ارتباط الزواج والمهر بأنظمة الملكية الطبقية حيث يتم التعامل مع المرأة وكأنها سلعة في إطار التبادل الاجتماعي والاقتصادي.
المهر في الديانة الإيزيدية بين الأصل والتحديثات الاجتماعية
وفقاً للتقاليد الإيزيدية القديمة لم يكن هناك مفهوم للمهر بصيغته الحالية ولم يكن الزواج مرتبطًا بمبالغ من الذهب أو شروط مالية تُفرض على العريس في الماضي كان يتم تقديم هدية رمزية من عائلة العريس مثل خروف أو شيء بسيط تعبيراً عن الاحترام وليس كتعويض مالي لعائلة العروس، أما اليوم فقد تحولت هذه العادة إلى شكل من أشكال التبادل الاقتصادي، وهو ما انتقده ماركس عند حديثه عن الزواج في المجتمعات الطبقية.
المتاجرة بالمرأة الإيزيدية عبر وسائل التواصل الاجتماعي
الأمر الأكثر خطورة هو نشر مقاطع الفيديو التي توثق هذه الممارسات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم تصوير الاتفاقيات الخاصة بالمهر وكأنها إنجاز اجتماعي، دون إدراك أن هذه الأفعال تقع ضمن نطاق الاتجار بالبشر، وهو أمر ترفضه القوانين الدولية والإنسانية.
إذا كان المجتمع يدين المنظمات التي تورطت في الاتجار بالبشر فلماذا يغض النظر عن ممارسات تشبهها في جوهرها؟
المهر بين الحلال والحرام على لسان الإيزيديين
كثيراً ما يطرح سؤال حول الحلال والحرام في هذه القضية وهنا يجب التمييز بين ما يعزز استقرار الحياة الزوجية وما يضر بها يرى البعض أن الزواج يجب أن يكون مبنياً على التفاهم والتعاون وليس على فرض مبالغ مالية ترهق الشاب المقبل على الزواج، في المقابل نجد أن المهر يعكس اضطهاد المرأة اقتصادياً حيث يتم تقييمها بناءً على قيمته.