
د. طارق قاسم
الظلم الذي يعانيه الشعب الإيزيدي لم يكن وليد لحظة أو أزمة عابرة، بل هو تاريخ ممتد منالإقصاء والتهميش ، منذ قيام الدولة العراقية مارسته الحكومات المتعاقبة بلا هوادة، وكأننا مجرد كائنات لا تستحق الحياة، رغم تعرضنا لأربع وسبعين إبادة جماعية، على يد ذات العقيدة، ولنفس السبب: لأننا إيزيديون!!!
اليوم لم يعد وقت العواطف ولا استجداء التسامح والود، بل هو وقت الدفاع والصمود والمطالبة بالحقوق لكن كيف يُطلب الحق من حكومة قائمة على الباطل؟
الحكومة العراقية لم تكن يوماً سوى العدو الأول للإيزيديين، السدّ الذي وقف أمام أي طموح لنا بالعيش الكريم. هي السبب الأول في هجرتنا، قمعنا، فقرنا، ومعاناتنا المستمرة…. هذه الحكومة ذاتها التي تبرعت بالمال والدم والرجال لفلسطين، لم تحرك ساكناً من أجل الإيزيديين. لماذا؟ لأننا إيزيديون! وكأن قدرنا أن نبقى منسيين، بلا وطن يحتضننا، بلا حكومة تعترف بحقوقنا.
فهل الإيزيدية لعنة؟ أم أن اللعنة هي ما حلّ بنا لأننا ببساطة لسنا جزءاً من تركيبة الطائفية التي تحكم العراق؟ معايير الظلم.. دماؤنا بلا قيمة استُقطعت رواتب موظفي العراق من أجل غزة، لكن لم يُخصص فلس واحد للإيزيديين! تبرعوا بالطائرات لمساعدة لبنان، لكنهم لم يرسلوا حتى سيارة إسعاف لإنقاذ الإيزيديين من محنتهم! هذا ما نراه علناً، فما الذي يجري في الخفاء؟ في كل مرة نستلم فيها مجموعة جديدة من شهدائنا، منذ بدء إبادة 2014 المستمرة حتى اليوم، تبقى هذه الحكومة الفاشلة صامتة، غير عابئة بجراحنا التي لم تلتئم بعد. لكن من يذرف الدموع إلا نحن؟ من يتألم لهذه المحنة إلا نحن؟
سواء كنا داخل العراق أو في المهجر، سواء كنا في سنجار أو المخيمات المتهالكة، وحدنا من يتحمل هذا الألم. وهذا بحد ذاته دليل على أننا يمكن أن نجتمع ونكون أقوى، دليل على أن الإيزيدياتي توحدنا ولا تفرقنا. فلنضع خلافاتنا البسيطة جانباً، ولنركز على حاضرنا، لأن أطفالنا ينتظرهم المصير ذاته إن لم نتحرك الآن، والتاريخ لن يسامحنا. إذا كان حاضرنا متصدعاً، فإن مستقبلنا سيكون أكثر ظلاماً. دعونا نتفق ونقولها بصوت واحد: نحن واحد لا يقبل القسمة على اثنين. التاريخ يكرر نفسه، والتخلف يُعيد إنتاج المأساة قمة التخلف أن لا نتعلم من (74) إبادة! قمة التخلف أن نكون القطيع الذي يسير نحو الموت دون أن يعلم أنه يُساق إلى الذبح، على يد نفس الرعاة ونفس العقيدة! قمة التخلف أن لا نستمع لبعضنا في وقت نحن بأشد الحاجة إلى ذلك، أن لا نداوي جروح بعضنا وهي ما زالت تنزف، أن لا نحضن بعضنا ونحن نُذبح ونُباد كل يوم. لقد فقدنا كل شيء، ومع ذلك لا يزالون يلعبون بمشاعرنا، لا يزالون يهمشون هذا المكون، لا يزالون يتاجرون بنا. نحن كفار إن اجتمعوا على مائدة مصالحهم، نحن كفار إن احتاجوا تمرير قوانينهم، نحن كفار إن اضطروا لتذكر وجودنا! فهل نحن حقاً كفار؟ أم أن كفرهم هو إنسانيتنا، وعدلهم هو ظلمنا؟ حسابات سياسية.. ودماء بلا ثمن إنهم لا يتذكروننا إلا حين ينقسمون، ولا يتحدثون معنا إلا عندما يتنازعون. وما عدا ذلك، لسنا في نظرهم بشراً، ولا حتى عراقيين. وللاطمئنان، إن لم ندافع عن أنفسنا اليوم، فلن نكون أبداً، وهذا هو مرادهم. فماذا سيخسرون إن لم يكن هناك إيزيديون في العراق؟ لا شيء!
ماذا سيخسرون إن قتلونا جميعاً؟ لا شيء! ماذا سيخسرون إن سلّمونا إلى تلك العصابات مرة أخرى؟ بالعكس، سيتلذذون بقتلنا، وسيتبادلون الابتسامات على وقع صرخات النساء المغتصبات! العدالة المقلوبة: القتلة يُكافأون، والضحايا يُنسون نحن تائهون، نحن من دفع الثمن، نحن من أصبح عبيداً للعراق، ولا أحد غيرنا. وسيأتي يوم تُكافأ فيه العناصر الإجرامية التي ارتكبت المجازر بحقنا، بقرارات رسمية من حكومة عراقية طائفية ومحاصصية حتى النخاع! تلك الفصائل التي سبت النساء والأطفال، وذبحت الأبرياء، ستتقاضى الرواتب، وتتقلد المناصب، لأنها قتلت الإيزيديين، واستعبدت نساءهم وأطفالهم. هذا هو العراق، وهذه هي الحكومة الطائفية التي تكافئ القتلة والخونة. لم يعد هناك وقت للبكاء.. حان وقت الصمود دعونا نقف معاً، نتحد، ونقول كلمتنا بصوت واحد. لم يعد هناك متسع للدموع، فالمآتم القادمة لا محالة، ولم يعد وقت الحزن والأسى، لأن الفاجعة مستمرة. علينا أن نمسك بأيادي بعضنا، وأن نرفع صوتنا بوجه العراق الأصم، والمجتمع الدولي الأبكم. نحن سكان العراق الأصليون، وإذا كانت الحكومة لا تريد الاعتراف بنا، فلتقتلنا جميعاً، علّها تنهي معاناتنا إلى الأبد. فدعونا نقرر؛ نستسلم او ندافع
نعم