ستوريقصص صحفية

منى بين الورود والرماد.. حكاية فنانة من خانصور

ايزيدي ٢٤ – بسام جيجي

في مدينة الحب خانصور، الواقعة شمال قضاء سنجار غرب محافظة نينوى، وُلدت منى صباح خديده، فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، تحمل بين أصابعها ريشة، وفي قلبها قضية، وفي عينيها نافذة إلى عالمٍ آخر لا يُرى إلا بالألوان والظلال.

الولادة الثانية: الطفولة والرسم

لم تكن بداية منى مع الفن مجرد هواية عابرة. كانت طفلة صغيرة حين رسمت أول لوحة لها، بيت صغير تحيطه ورود عباد الشمس، في جوٍ ربيعي منعش، وكأنها كانت ترسم ملامح حلمٍ سيكبر معها. شعرت وقتها بطاقة إيجابية مختلفة، كما لو أن رسالة ما تسكن روحها، تنتظر الخروج.

الإرث والإلهام

الرسم لدى عائلة منى ليس غريبًا، بل هو نوع من الإرث الفني. كان عمّها أول من ألهمها، لكن منى كانت الوحيدة التي أخذت هذا الإرث وقررت أن تمنحه حياة جديدة. عائلتها دعمتها بكل حب، كما لعبت منظمة “إيمي” دورًا محوريًا في بداية مشروعها الفني.

الرسم: شغف وعلاج

تقول منى، “الرسم بالنسبة لي شغف، مشروع، وهو أيضًا علاجي النفسي”.

الرسم ليس مجرد خطوط وألوان، بل وسيلتها لتفريغ الطاقات السلبية، خاصة عندما تستخدم الألوان الزيتية، رغم أنها تستعمل الفحم غالبًا لتلبية الطلبات.

حين يتحول الألم إلى فن

منى لا ترسم عبثًا، بل تختار مواضيع تحمل همًا إنسانيًا، على رأسها الإبادة الإيزيدية عام 2014. تسعى من خلال رسوماتها أن تبقي الذاكرة حيّة للأجيال القادمة، وأن تحوّل الألم إلى صور تُروى ولا تُنسى.

من أكثر اللوحات التي تحتفظ بها في قلبها، لوحة بعنوان “مسافة الطريق من العراق إلى ألمانيا”، التي تحكي عن صديقتها التي اختفت بين طريقين في محاولتها للهروب، وبقي مصيرها مجهولًا.

من الحلم إلى المرسم

كان حلم المرسم يرافق منى منذ زمن. لم تكن تحب أن يراها أحد وهي ترسم، فاختارت الليل رفيقًا للوحاتها. لكنها أخيرًا، في 24 أيلول 2024، افتتحت مرسمها الخاص وأطلقت عليه اسم “Muna Art Library”.

حالياً، تستخدمه وحدها، لكن حلمها أن يتحول إلى مساحة جماعية تحتضن الرسامين، وتمنح الناس فرصة للتعبير عن أنفسهم بحرية، بعيدًا عن القيود والعلاج التقليدي.

الفن: حياة داخل الحياة

منى لا ترى نفسها إلا فنانة، بل تقول، “إما أكون فنانة، أو أنا الفن ذاته.”

الرسم غيّر نظرتها للعالم، علّمها فن الملاحظة، والقدرة على تقديس اللحظات البسيطة، وحوّل أيامها إلى لقطات تستحق التوثيق.

رسالة وأمل

رغم أنها لم تشارك في معارض فنية حتى الآن، إلا أن طموحها عالٍ. ترى أن للفن دورًا جوهريًا في المجتمعات، خاصة تلك التي مرت بظروف قاسية، وتؤمن بأن الفن يمكن أن يكون علاجًا لأي ألم.

تقول، “مهما كانت الحياة بائسة، يمكن للفن أن يخلق سعادة في نافذة صغيرة”.

نحو العالمية

منى تحلم بتوسيع مرسمها، وتعليم الرسم للطلاب، كي تترك أثرًا يبقى حتى بعد رحيلها. تتمنى أن تصل للعالمية يومًا ما، ليس فقط بلوحاتها، بل برسالتها في العلاج بالفن.

لمن يخشى البداية

تختم حديثها بنصيحة لمن يمتلكون شغفًا لكنهم مترددون:

“ابدأوا اليوم قبل الغد، لأن خطوة البداية دائمًا هي الأصعب، وما بعدها سيصبح كل شيء أسهل وأوضح”.

منى صباح خديده

فتاة من سنجار، ترسم الحياة رغم الرماد، وتحوّل الجراح إلى لوحات، والذكريات إلى رسائل فنية خالدة.
مرسمها ليس فقط مكانًا للرسم، بل مكتبة من الأرواح، كل ركن فيه يحكي قصة… وكل لوحة فيه تمهّد لطريقٍ نحو ضوءٍ لا يُطفأ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى