تحقيقات

من رماد الابادة الجماعية إلى شبكات الخداع، كيف ابتلع التسويق ” الشبكي-الهرمي ” شباب الإيزيديين؟

برعاية دولة رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني المحترم وضمن المبادرة الوطينة لتنمية الشباب، تنفذ ”مؤسسة ايزيدي 24 الإعلامية” هذه المادة ضمن مشروع ”نبذ خطابات الكراهية والحفاظ على التنوع” بالتعاون مع المجلس الاعلى للشباب ودائرة المنظمات غير الحكومية.

ايزيدي 24 – طلال مراد 

تحقيق استقصائي من إعداد مؤسسة “إيزيدي24”

لم يكن علي  يتخيّل أن محاولة النجاة من البطالة ستدفعه نحو حافة الانهيار الاجتماعي و يصبح فريسة لمصيدة الثقة. في إحدى مخيمات النازحين، عرض عليه قريبٌ له ما وصفه بـ”فرصة العمر”: عمل لا يحتاج شهادة، ولا دوام رسمي، ولا رأس مال ضخم وكل ما عليه فعله هو “الانضمام” إلى الاجتماع القادم معنا في فريق تسويق إلكتروني، ثم شراء سلعة اونلاين و ستجني 200$ شهريا و في تصاعد كل شهر.

اقتنع علي و دخل حلم الثراء من باب الخديعة. ثم أقنع ابن أخيه، أخته، ابن أخته، وحتى ابن جيرانه. وفي غضون أشهر قليلة، بدأ كل شيء يتفكك. الأشخاص الذين دخلوا معه بدأوا يطالبونه بأموالهم. بعضهم اتهمه بالخداع. كادت إحدى المواجهات أن تتطور إلى عنف مسلح بين العائلتين. اضطر علي لبيع سيارته وتعويض بعض من جلبهم بنفسه، على أمل تهدئة الأوضاع و فاق من الحلم مع فقدان امواله و اموال من معه.

قصة علي واحدة من عشرات القصص التي تظهر وجهًا جديدًا من معاناة الإيزيديين بعد الإبادة الجماعية في 2014. فبعد أن نجو من سيوف داعش، وجد بعضهم أنفسهم عالقين في شبكة خداع اقتصادية تحمل اسم “التسويق الشبكي” او التسويق الهرمي، يروّج لها على أنها مخرج من الفقر، لكنها في الواقع باب لخسارات جديدة… مالية، اجتماعية، ونفسية.

ما بعد الإبادة: بيئة خصبة للخداع و التلاعب ببساطة الناس

الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون في 2014 , كانت نقطة انكسار شاملة شملت كل مظاهر الحياة و على جميع الاصعدة الاتماعية, الاقتصادية, النفسية و حتى العاطفية. إذ لم يقتصر الخراب على تدمير المنازل والقرى و اقتل و اختطاف الابرياء، بل طال الاسر,  المدارس، المؤسسات، والمجتمع المدني، تاركًا آلاف الشباب بلا تعليم، بلا تدريب، وبلا أي بنية تحتية اقتصادية تعينهم على إعادة بناء حياتهم. في هذا الفراغ العميق، وجدت شبكات التسويق الهرمي موطئ قدم لها، لتقدّم عروضًا مغرية ظاهريًا وسط مجتمع يائس مستغلة الوضع الاقتصادي و العاطفي للشباب الايزيدي و جرهم الى مستنقع مليء بالخداع و التلاعب.

ففي ظل غياب البدائل وندرة فرص العمل، لم يكن غريبًا أن تنجذب شريحة واسعة من الشباب نحو أي فكرة تَعِد بالمال، حتى وإن بدت غير منطقية. هذا الانجذاب لا ينبع من الطمع، بل من حاجة ملحّة للكرامة والدخل والاستقرار، وكلها وعود من شبكة تتقن هذا النوع من التسويق وتقديمها و شرحها بلغة مشحونة بالأمل و تحقيق الاحلام. وهكذا، أصبح الشباب الإيزيدي الذي لم يُرمم واقعه منذ احدى عشرة سنة فريسة سهلة لنموذج اقتصادي يشبه لعبة الكراسي — من يجلس أولًا يربح، والباقي يسقط سقوط مذل في وحل الاكاذيب.

جهل مجتمعي ووعود كاذبة… باسم “التسويق الإلكتروني”

الجزء الأكبر من الإشكال لا يكمن فقط في الشركات، بل في طريقة تغليفها لنفسها و اظهارها لمن لا يملكون ادنى معرفة بهذا النوع من العمل الذي لاق رفضا و طردا من الكثير الدول حول العالم. فبدل أن تُقدّم على حقيقتها كتسويق هرمي احتيالي، تُسوَّق على أنها “شركات تجارة إلكترونية” و”مشاريع عالمية” تتيح للشباب الانضمام إلى اقتصاد المستقبل. في الحقيقة، هذه اللغة جذابة، وتخدع حتى بعض خريجي الجامعات الذين يفتقرون إلى وعي اقتصادي معمّق و معرفة كافية بهذا المصطلح الذي يخبئ وراءه فخ لا يعلم به الفرد الى بعد الوقوع فيه.

عزيز, شاب من مخيم شاريا يروي تجربته قائلاً: “أقنعني قريب لي أن هذه الشركة مرتبطة بالأمم المتحدة و يروج لها اندية كرة قدم و شركات عملاقة، وأننا سنسافر، ونعمل عن بعد، ونجني الدولارات. بعد أول أسبوع من العروض، اكتشفت أن الموضوع لا يتعدى شراء ساعة بسعر مبالغ فيه، ثم محاولة جلب آخرين لإعادة رأس المال.” هذه القصة تتكرر، بأشكال مختلفة، لكنها تنتهي غالبًا بالانهيار ذاته: خسارة المال، وخيبة الأمل.

و يكمل عزيز قوله ” بداية دخولية كنت ارى نفسي رجل اعمال بعد سنوات من كد ما سمعت سيناريوهات و قصص نجاح من القادة في الشبكة. لكن اكتشفت بسرعة انه كلامهم مجرد حكي عادي و مبالغة في الوصف و النتائج”

“ندمان بكد شعر راسي و وصلت لمرحلة خسرت صداقة شخص كان قريب مني لانه دخلني في فخ كان هو فيه اساسا” كلمات قالها عزيز و هو يهز برأسه من الندم.

بينما يأتي خلف وهو ايضا ضمن المشتركين في هذه الشبكات لكنه يرفض بأنه نادم و يقول ان الدخول في هذا العمل ساعدني على استقلال اقتصادي و انفتاح حول العالم لكن في الجانب الاخر اخبر صديق له معد هذا التحقيق انه في خلاف الان مع 5 اشخاص بعد ان جلبهم للعمل معه فهو يجني مالا من دخولهم بينما الاخرون يخسرون و هذا ما يعتبر احتيال.

قانون غائب، وجهات ترخيص لا تراقب

بينما يُفترض أن تحمي الدولة مواطنيها من الأذى الاقتصادي و الاحتيال كما تحميهم من الخطر الأمني، فإن الجهات الرسمية لم تحرك ساكنًا إزاء هذه الظاهرة حتى يومنا هذا.

 الشركات تعمل بحرية، تروج على منصات التواصل الاجتماعي لعملها، وتعقد اجتماعاتها في قاعات عامة، دون أي مساءلة قانونية أو رقابية و الكقير منها تملك ترخيصا رسميا.

و يقول المحامي زياد “لا توجد قوانين فعالة تُعَرِّف التسويق الشبكي بشكل دقيق او تجرم العمل معها في العراق، وكذلك لا حملات او ارشادات تحذيرية صادرة عن الجهات المختصة للوقوف بوجه هذه الشركات و العملين فيها.

و يضيف ” في المقابل، لجأ بعض الشباب إلى وسائل الإعلام المستقلة لتوثيق تجاربهم في العلن دون رادع قانوني او اجتماعي، في محاولة للاظهار على الجمهور و  الجهات المختصة بان عملهم قانوني و رسمي. ولأن الاستجابة بقيت محدودة للتعامل مع هذا النوع من العمل، اصبحت هذه الشبكات تتوسع، وتنتقل من مدينة إلى أخرى دون أي خوف من المحاسبة.

 وهنا يظهر سؤال أخلاقي قبل أن يكون قانونيًا : من يحمي هؤلاء الشباب و يوقف هذه الظاهرة إذا كانت الدولة نفسها تتركهم فريسة سهلة للاحتيال المنظم و في العلن؟

لم تتنبّه الجهات القانونية أو الأمنية إلى هذه الظاهرة رغم نشاطها العلني. تعمل الشركات علنًا على الإنترنت وفي الفعاليات و يعمل الاخرون على الارض من خلال اللقاءات و الاجتماعات لاوهام اشخاص قريبين منهم للانخراط في هذا العمل، بينما تُرك المستفيد ومَن في الأعلى من الشبكة يحصل المبالغ و بالتالي شخص واحد مستفيد من هرم متكون من مئات الاشخاص فيصبح هذا الشخص اليد اليمين لمن فوقه و يصبح فريقه اليد اليسار الذي لا يسند عليه كثيرا ان لم يبادر باقناع اخرين لتكوين هرمه و شبكته.

 المحامية ( م) رفضت الكشف عن اسمها في التحقيق تحدثت عن الموضوع قانونيا: “لا توجد خطوات و مواد قانونية تُوقف هذا النشاط الا اذا تم رفع دعاوي على اشخاص بتهمة النصب و الاحتيال و هذا قليل ما يحدث لان المروج و المشترك يطلب منه جلب فريق من اقاربه و اصدقائه و بالتالي لا يلجأون الى القانون كون الشخص الذي ادخلهم للمشروع قريب او صديق او من العائلة” و هنا تكمن دبلوماسية و تفنن عقلية مؤسسي هذه الشركات.

سموم الثقة من القريب و الصديق وانهيار النسيج العائلي

في مجتمعات ما بعد الابادات و الازمات، عادةً ما تكون الروابط الاجتماعية والعائلية آخر ما تبقى من بُنية يمكن الاعتماد عليها لإعادة البناء و استرجاع الثقة، لكن في المجتمع الايزيدي، كانت هذه الروابط نفسها عرضة للاستغلال من قبل منظومة تسويق تُغري الفرد بالربح مقابل “استثمار الثقة”، ليصبح الأهل أداة لجلب الأذى، وليس الحماية و توفير الثقة و الامان.

و بسبب هذه الشركات فان الهياكل الأسرية بدأت تتهالك أكثر فأكثر، ليس فقط بسبب الفقر، بل لأن أفرادها تحولوا دون وعي إلى خصوم بعضهم البعض، وكلٌّ يتهم الآخر بالخداع أو الجشع. والنتيجة: نسيج اجتماعي ممزق، لم تعد تشدّه القيم، بل تفرّقه الأرباح الوهميةلم تكن الأسرة الإيزيدية بحاجة إلى ضربة جديدة بعد كل ما مرت به من تفكك وشتات خلال سنوات النزوح. ومع ذلك، جاءت ظاهرة التسويق الشبكي لتدقّ مسمارا إضافيًا في هذا النسيج المجتمعي الهش. فقد تحولت الثقة — التي كانت في السابق سندًا للبقاء وسط الألم — إلى أداة ضغط وتوريط من قريب لقريب و من صدسق لصديق و من العائلة للعائلة.

في حالات كثيرة، لم تكن هذه الشركات تحتاج إلى حملات تسويقية ضخمة، بل كانت تعتمد على روابط القرابة نفسها، لتصبح “العائلة” هي المدخل الرئيسي لخداع أعضائها.

قاسم يروي بأسى: “صديقي المقرب قاطعني بالكامل فقط لأنني رفضت أن أنضم إلى الشبكة التي يعمل معها. اتهمني بأنني لا أثق به، رغم أنني كنت أحاول فقط حمايته من السقوط في الفخ.”

 هذا الانفصال الشخصي لم يكن حالة فردية، بل يتكرر في عشرات القصص، حيث تؤدي مثل هذه الخلافات إلى قطيعة بين الأشقاء، وانهيار علاقات زواج، وتدمير صداقات كانت تشكل ملاذًا نفسيًا للناجين من الحرب.

و تؤكد دلال ذلك بقولها ” اخر من كنت اتوقعه يخدعني و يدخلني بهيج مشكلة كانت صديقتي الي كبرت معها و عشت معها لحظات سعيدة و تعيسة, لكن المال خلتها تتخلى عني و عن صداقتنا بموقف يبكيني كلما اتذكره. قالت بحسرة و بلهجتها ( مخابن بخودى) اي والله مع الاسف.

من الخسارة إلى الاكتئاب ومحاولات الانتحار

في كثير من الحالات، لا تنتهي الخسارة عند فقدان المال فقط. فبالنسبة لضحايا التسويق الشبكي، فإنهم لا يخسرون اموالهم فحسب، بل يخسرون احترامهم لذواتهم، وإحساسهم بالأمان، وحتى ثقتهم بأقرب الناس إليهم. هذه النتائج النفسية عادة ما تُهمل في التغطيات العامة، رغم أنها تُعد الأخطر على المدى البعيد.

في استطلاع للرأي اجري عبر منصات التواصل الاجتماعي حصل مؤسسة “إيزيدي24” على نتائجه ، شمل أكثر من 700 شخص من سكان سنجار والمخيمات، أظهر أن نسبة 90% من المشاركين في الاستطلاع يعتبرون الظاهرة خطيرة وواسعة الانتشار. من بين المشاركين، عبّر كثيرون عن إصابتهم بحالة من الاكتئاب، والانغلاق على الذات، وحتى التفكير بالانتحار.

إحدى الشهادات المؤلمة جاءت من فتاة تدعى ” صابرين” تورطت بخسارة 2000 دولار بعدما تم تجنيدها من قبل زوج أختها، الذي أوهمها أن هذه فرصتها الوحيدة للنجاة و العيش في وضع اقتصادي مستقل دون الاعتماد على الاخرين. و بحسب صديقتها انها و بعد أن اكتشفت الخديعة، حاولت الانتحار لكن تم انقاذها بعد ان ابتلعت الادوية في منزل اختها المتزوجة و اليوم، لا تزال تعاني من اضطرابات نفسية مزمنة، ورفضت العودة لأي علاقات اجتماعية جديدة خوفًا من التورط مجددًا أو من تكرار الإذلال.

هذه القصة تمثل ما يحدث حين يُختزل الأمل في فكرة مضللة، ثم ينهار فجأة. و تقول صابرين “الخسارة المالية يمكن تعويضها بمرور الوقت، لكن فقدان الثقة بالنفس، وتشوّه صورة القريب في ذهن الضحية، وانكسار الروح — تلك أمور يصعب ترميمها بسهولة.”

الإعلام العراقي: حضور خجول لا يوازي حجم الخطر

ورغم توسع الظاهرة يوم بعد اخر ، لم تحظَ بتغطية إعلامية موسعة داخل العراق. لم تُخصص لها حملات توعية عبر التلفزيون، ولا ظهرت كمادة رئيسية في نشرات الأخبار، إلا في حالات محدودة جدًا. عدد من الصحف الإلكترونية مثل “وكالة الرأي العام العراقي” تناولت الموضوع ، وركّزت على وصف النماذج الاحتيالية و محاولة الغوص السياق الاجتماعي العميق الذي يسمح بانتشارها لكن تبقى هذه مبادرات فردية لا تجلب الاضوء للتحرك الفعلي الحكومي .

أحد النقاد الإعلاميين علّق قائلًا: “هذه الظواهر ليست مثيرة للسياسيين، لذا لا تصل إلى وسائل الإعلام. الإعلام العراقي أصبح انتقائيًا، يلاحق الأخبار السريعة، ويغفل الملفات التي تمس الناس في العمق.” وهكذا، تُرك المجتمع وحده في مواجهة آلة تسويقية منظمة تستغل الجهل، مستفيدة من صمت المؤسسات، وتراخي الإعلام.

المفارقة أن الإعلام المحلي قادر — لو أراد — على إحداث تغيير جذري، من خلال سرد القصص، واستضافة ضحايا، وتحليل الظاهرة بلغة مبسطة يفهمها الجميع. لكن غياب هذه التغطية جعل من التسويق الشبكي نشاطًا غير خاضع للرقابة المجتمعية، ما زاد من شراسته، وسهّل استمراره.

هل لا يزال هناك وقت لإنقاذ ما تبقى؟

ما يحدث اليوم هو نتيجة غياب متراكم — قانوني، اجتماعي، إعلامي. لكن لا يزال بالإمكان الحد من هذه الظاهرة، إن وُجدت التحركات القانونية والاجتماعية لذلك. و بحسب الاستطلاع الذي اجري ذكرت العديد من الحلول منها طويلة الامد و اخرى قصيرة الامد.

“أولًا، لا بد من تدخل حكومي عاجل لوقف نشاط هذه الشركات، سواء كانت محلية أو أجنبية، وملاحقة من يديرها قانونيًا. يجب أن تُدرج هذه الممارسات ضمن “الجرائم الاقتصادية” التي تهدد الأمن المجتمعي، لا مجرد مخالفات مالية بسيطة.”

“ثانيًا، هناك حاجة إلى برامج توعية شاملة، تبدأ من المدارس والمخيمات، وتصل إلى القنوات الفضائية. لا يكفي التحذير العام، بل يجب تفكيك آليات الخداع، وشرحها بلغة يفهمها الجميع، خصوصًا في المجتمعات التي مرت بأزمات كبرى مثل سنجار.”

“ثالثًا، يجب خلق بدائل اقتصادية حقيقية: مشاريع صغيرة مموّلة، دورات مهنية، تمويل جماعي للمبادرات، وكل ما من شأنه أن يمنح الشباب فرصة حقيقية للعمل والإنتاج، بدل الوقوع في فخ الربح السريع.”

“ورابعًا، من الضروري تجريم من يورّط الآخرين، لأن كثيرًا من “الضحايا” تحولوا إلى أدوات خداع لمجرد استعادة ما خسروه. هذا الدور لا يمكن التغاضي عنه، بل يجب أن يُواجه قانونيًا وأخلاقيًا”.

خديعة من نوع جديد… تطلّ برأسها من تحت الرماد

بعد سنوات من النجاة من مجازر جماعية طالت الجغرافيا والبشر والذاكرة، لا يزال المجتمع الإيزيدي يعيش آثار الانهيار المؤسسي والاجتماعي والاقتصادي. ومع هذا الفراغ، برزت موجة جديدة من التحديات الصامتة، يتقدّمها ما يُعرف بالتسويق الشبكي، أو الهرمي، بوصفه نموذجًا اقتصاديًا تسويقيًا يستند إلى استقطاب الأفراد على مراحل متسلسلة.

الشهادات التي جمعها هذا التحقيق، والاستطلاع الذي حصل على نتائجه مؤسسة “إيزيدي24″، أظهرت أن هذه الظاهرة لم تقتصر على الخسائر المالية، بل تسببت أيضًا في خلافات عائلية، قطيعة اجتماعية، ومشاكل نفسية، وصلت في بعض الحالات إلى محاولات انتحار. وتكررت فيها نماذج لأفراد انتقلوا من موقع الضحية إلى فاعلين داخل الشبكة، في محاولة لاسترجاع خسائرهم عبر استقطاب آخرين.

يُروى بين كثير من الشباب المتضررين تعبير يتكرر: “إذا تريد تدمر نفسك، انضم إليهم”. وهو تعبير يُستخدم للإشارة إلى المخاطر التي يرونها متكررة داخل هذه الشبكات، سواء على الصعيد الاقتصادي أو النفسي أو الاجتماعي.

رغم ذلك، لا تظهر حتى الآن استجابة قانونية واضحة، أو برامج حكومية أو أهلية فاعلة للحد من انتشار هذه الظاهرة، أو لتقديم بدائل اقتصادية للشباب في المناطق المتضررة. وتبقى الفجوة مستمرة بين حجم الضرر الذي تكشفه الشهادات، وحجم المواجهة المؤسسية والتنظيمية له.

في ظل هذا الواقع، تستمر موجات التسويق الشبكي في الانتشار، مستخدمة قنوات التواصل الاجتماعي، والروابط العائلية، وحالة الفراغ المؤسسي، للتوسع في مجتمعات تعاني أصلاً من هشاشة ما بعد النزاعات. وتشير البيانات الميدانية إلى أن هذه الموجات — وإن تغيّرت أسماؤها وشعاراتها — ما زالت تستهدف الفئات ذاتها، وبالأساليب ذاتها، مع تفاوت في شدة التأثير وحدته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى