في ذكرى الإبادة الإيزيدية.. الإعلام سلاح لمواجهة الكراهية وبوابة العدالة

مثنى النهار
في الثالث من آب من كل عام، يستذكر الإيزيديون ومعهم الضمير الإنساني العالمي واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت في العصر الحديث، حين اجتاح تنظيم داعش الإرهابي قضاء سنجار في العام 2014، وارتكب مجازر جماعية بحق المدنيين العزل، واختطف آلاف النساء والأطفال، في جريمة وُصفت دوليًا بـ”الإبادة الجماعية”.
تحولت سنجار في ذلك اليوم إلى شاهد على وحشية لا توصف، وعلى عجز المجتمع الدولي والإقليمي عن حماية الأقليات الدينية والعرقية. ومع مرور أكثر من عقد على هذه الجريمة، لا تزال آثارها النفسية والاجتماعية والسياسية ماثلة في حياة الإيزيديين، سواء أولئك الذين ما زالوا يعيشون في مخيمات النزوح أو من فُقد لهم أحبة لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم.
لكن المأساة لا تقف عند حدود الدم، بل تتجدد كل يوم في خطاب الكراهية الذي ما زال يتسلل إلى المنابر، ويتغذى على الصمت، أو التواطؤ أحيانًا، من بعض وسائل الإعلام.
الكراهية.. وقود الإبادة
لطالما كانت الكراهية والتحريض الممنهج مقدّمة للجرائم الكبرى ضد الإنسانية. فالإبادة الإيزيدية لم تكن وليدة لحظة، بل سبقتها حملات تشويه وتكفير وتهميش طالما مورست ضد هذه الطائفة المسالمة، عبر منابر مختلفة، بعضها إعلامي، وآخر ديني، أو سياسي.
وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث تتعدّد الانتماءات وتتشابك الهويات، تتحول الأقليات الدينية والقومية إلى أهداف سهلة في ظل غياب التشريعات الرادعة، وتراجع ثقافة التعدد، وتواطؤ بعض المؤسسات الإعلامية التي لم تؤدِ دورها المطلوب في التوعية والدفاع عن حقوق الإنسان.
الإعلام.. مسؤولية تاريخية
إن للإعلام دورًا محوريًا في صناعة الرأي العام، وتوجيه الخطاب المجتمعي، وتشكيل الوعي الجمعي. وبقدر ما يمكن للإعلام أن يكون وسيلة لبناء السلام، فإنه قد يتحول إلى أداة للتحريض والتقسيم إذا ما غاب عنه الضمير المهني والإنساني.
في ذكرى الإبادة الإيزيدية، تتجدد الدعوة إلى الإعلاميين والصحفيين والمؤسسات الإعلامية في الشرق الأوسط بأن يتحملوا مسؤوليتهم الأخلاقية والتاريخية في الدفاع عن الأقليات، ونبذ الكراهية، وكشف خطاب التحريض أياً كان مصدره، لا سيما في الفضاء الرقمي الذي بات بيئة خصبة لانتشار خطاب التطرف.
نحو إعلام جامع
إن بناء إعلام يُعزز ثقافة التعايش لا يكون ببيانات موسمية أو تغطيات آنية، بل عبر استراتيجية مستدامة تتضمن:
-
إدراج قضايا الأقليات ضمن أولويات الخطاب الإعلامي اليومي.
-
تدريب الصحفيين على تغطية النزاعات من منظور حقوقي وإنساني.
-
تطوير ميثاق شرف إعلامي خاص بمناهضة خطاب الكراهية والطائفية.
-
إنتاج محتوى يعكس التنوع الثقافي والديني ويحتفي به.
إن الذكرى الأليمة لثالث من آب ليست مجرد لحظة استذكار، بل هي دعوة صريحة لمراجعة المسارات السياسية والإعلامية والاجتماعية، ومساءلة من أسهموا، بالصمت أو التواطؤ أو التحريض، في صناعة الألم.
ومثلما تُقام النصب التذكارية لتخليد الضحايا، يجب أن يُقام خطاب إعلامي نزيه وصادق ليكون حصنًا مانعًا من تكرار الكارثة.