في ذكرى الإبادة.. الجبل تغير والايزيديون يحاولون النهوض من ذكريات الألم

سمير ناصر
أحد عشر عاما مرت على ذلك اليوم الأسود في تاريخ الايزيديين حين هاجم تنظيم داعش قضاء سنجار تاركا وراءه مأساة لا تزال مفتوحة على جراحها حتى اليوم.
في الثالث من آب 2014 لم تكن الإبادة مجرد حملة عسكرية لتنظيم إرهابي متشدد، بل كانت محاولة لمحو وجود هوية شعب عاش لقرون في وئام مع الجبل والتراب، اختطفت النساء وشرد الأطفال وامتلأت الأرض بالمقابر الجماعية، بينما بقي العالم عاجزا عن تقديم نجدة حقيقة لهذا الشعب.
ورغم مرور سنوات على الإبادة ومحاولة الناس ترميم جراحهم وتقبل ذكرياتهم بكل ما تحمله من ألم، لم يعد جبل سنجار كما كان بالأمس رغم عودة بعض العائلات الي سنجار وترميمها لبيوتها الا ان الكثيرين ما زالوا في مخيمات النزوح او خارج الوطن، البنى التحتية مدمرة والخدمات الأساسية شبه معدومة والمدارس والمستشفيات لا تكفي لحاجة الناس، ولكن المشكلة الأكبر ليس فيما تراه العين بل فيما تحمله القلوب من الخوف والشك وذكريات الصدمة لمن عاشوها.
شباب اليوم ما زالوا يحملون في ذاكرتهم مشاعر الخوف بعدما عاشوها، فذكريات الهروب نحو الجبل للاحتماء به عاشها الكثيرون منهم، والجوع والعطش الذي أنهك أجسادهم الصغيرة آنذاك تمنع الكثيرون من الشعور بالأمان والتفكير بمستقبل خال من الخوف، فهم أبناء الإبادة وذاكرتهم تزدحم بقصص مؤلمة لن ينسوها، حتى لو امتلأت رؤوسهم شيبا رغم محاولات التعايش معها.
جيل الإبادة كما نسميه في سنجار أصبح معظمهم أمهات وآباء وهم يخشون ان يتعرض فلذات اكبادهم الى مأساة مماثلة ورغم ما يبدو عليهم من حيوية ونشاط في القيام بأعمالهم اليومية لكنهم يحملون غصة الألم في قلوبهم الجريحة وذاكرتهم القوية التي لن تنسى ما مروا به، لكن الأمل في الجيل الجديد من الصغار الذين لم يشاهدوا بأعينهم بل سمعوا ما حدث من افواه آبائهم فلو حمل هذا الجيل الولاء للجبل مثل آبائهم قد يتغير الأمر بعد سنوات.
اليوم العائدون الي سنجار او (شنكال) يحاولون إعادة بيوتهم الطينية رغم امكانياتهم الاقتصادية المحدودة لتشجيع الساكنين في المخيمات على العودة اليها، والبيوت الطينية التي كانت تتسم بها تلك المناطق بدأت بالاختفاء شيئا فشيئا من المكان لتظهر بدلا عنها كتلا اسمنتية حارة تسخن في الصيف اللاهب ليس لأن سكان سنجار تَخَّلوا عن الطبيعة بل لانهم يحاولون بناء منازل اكثر تحصينا وعصرية، لكن هؤلاء العائدون يعملون بمفردهم فلا دعم حكومي ولا شوارع معبدة بين تلك المنازل يمكن ان تشجع الناس على العودة بشكل أسرع.
سنجار الوطن الذي يقدسه الآيزيديون تغير هو الآخر ولم يعد كما كان بعدما امسكت السماء امطارها لسنوات عديدة وبات الجفاف يهدد ساكنيه، الأنهار التي كانت تجري بين الوديان جفت والناس باتوا يخزنون الماء ليشربوا منه ويسقون حيواناتهم لان الاعتماد على الطبيعة لم يعد مجديا كما كان، اما بساتين المشمش والتين وحقول التبغ فما تزال بعضها يقاوم العطش ويحتفظ بنكهته اللذيذة.
سكان سنجار الذين طالما أحبوا الحياة والموسيقى والطبيعة باتوا اليوم يسمعون أغاني الإبادات وتاريخها في هذا الجبل، ورغم ما تحمله تلك الأغاني من ألم لكن الناس يحاولون النهوض من جديد ولا يفسد محاولاتهم تلك، سوى الصراعات التي تدار هناك بين أروقة السياسة وتكاد ان تشق الآيزيديين وتبهت قدرتهم على الصمود فهم لم يعودوا كما كانوا من قبل ولكنهم أيضا لم ينكسروا مثلما أراد لهم الإرهاب.