العراق بين المواطنة وخطاب الكراهية.. الإيزيديون في مرمى الاستهداف

مثنى النهار
في بلد متعدد الأديان والمذاهب كالعراق، يُفترض أن يشكل التنوع ركيزة للتعايش وثراءً حضارياً. غير أن الواقع يُظهر مفارقة مؤلمة، بدلاً من حماية هذا التنوع، يتعرض بعض المكونات، وفي مقدمتها الإيزيديون، لموجات متكررة من خطاب الكراهية، تصل أحياناً إلى مستويات رسمية، لتعمّق الجرح المفتوح الذي خلفته سنوات العنف والاضطهاد.
خطاب يتجاوز الأفراد إلى المؤسسات
خطاب الكراهية في العراق لم يعد مجرد عبارات عابرة على منصات التواصل الاجتماعي أو جدالات على منابر غير رسمية؛ بل تسلل إلى خطابات علنية، وأحياناً في مواقع القرار. بعض التصريحات الرسمية أو شبه الرسمية تحمل في طياتها نزعة إقصائية، تضع الإيزيديين في خانة “الآخر المختلف”، وهو ما يمنح الغطاء لمن يتبنى أفكاراً متطرفة ضدهم. وهنا تكمن الخطورة، إذ تتحول كلمات عابرة إلى مبررات للعنف أو تهميش اجتماعي واقتصادي.
الإيزيديون من الإبادة إلى التمييز الخطابي
لا تزال الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش بحق الإيزيديين عام 2014 حاضرة بقوة في الذاكرة العراقية والعالمية. آلاف الضحايا، ومئات المقابر الجماعية، وعشرات الآلاف من النساء والأطفال الذين تعرضوا للاختطاف، كل ذلك يشهد على حجم الكارثة. لكن ما يزيد مأساوية المشهد أن هذا المكوّن لم يتعافَ بعد من تلك الكارثة، ليجد نفسه أمام معركة جديدة: معركة ضد خطاب يضعف ثقتهم بالدولة ويؤخر عودتهم إلى قراهم، وكأن جرحهم لم يكن كافياً.
الإعلام والدين بين التحريض والتهدئة
الإعلام العراقي، بكل ما يمتلك من تأثير، يقف اليوم أمام امتحان أخلاقي ومهني، فإما أن يواصل بعض منابره لعب دور المنصة للتحريض والتشويه، أو يتحول إلى أداة للسلام وإعادة بناء الثقة.
كذلك، فإن المؤسسات الدينية مطالبة بأن تكون شريكاً فاعلاً في تفكيك خطاب الكراهية، عبر تكريس قيم التعايش والاعتراف بالآخر، لا تكريس صور نمطية سلبية تزيد الانقسام.
مسؤولية الدولة.. حماية لا تمييز
الدستور العراقي كفل حقوق المواطنة والمساواة، لكن التطبيق ما زال يواجه تحديات. فالدولة، بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، مطالبة بتجريم التحريض على الكراهية بشكل واضح وصارم، ومنع أي خطاب رسمي أو شبه رسمي يشرعن التمييز ضد الإيزيديين أو غيرهم. فالمسؤولية لا تقتصر على التعويض المادي أو إعادة الإعمار، بل تمتد إلى ضمان بيئة اجتماعية وسياسية آمنة، تُشعر الإيزيدي أنه شريك كامل في الوطن، لا مجرد “ضيف مؤقت”.
نحو مشروع وطني جديد
نبذ خطاب الكراهية في العراق ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية. فبلد عانى من الحروب والاقتتال الطائفي لا يمكن أن يستقر إذا استمر الخطاب الإقصائي. المطلوب اليوم مشروع وطني شامل يقوم على ثلاثة محاور:
1. تشريع قوانين واضحة تجرّم الكراهية والتحريض.
2. برامج تعليمية وإعلامية تعزز ثقافة التسامح والتنوع.
3. حماية حقيقية للأقليات، وعلى رأسها الإيزيديون، بما يشمل عودتهم الآمنة وتعويضهم ومشاركتهم في صنع القرار.
خاتمة
إن استمرار استهداف الإيزيديين بخطاب الكراهية، خصوصاً حين يصدر من مستويات عليا، يشكل تهديداً مباشراً لوحدة العراق ومستقبله. فالتنوع الذي يفاخر به العراقيون عبر التاريخ مهدد اليوم إذا لم تُتخذ خطوات جادة. حماية الإيزيديين من خطاب الكراهية ليست دفاعاً عن جماعة واحدة، بل عن فكرة العراق نفسه كدولة جامعة، تتسع للجميع دون استثناء.