قصص صحفية

حكايات من شنكال .. غزالة صديقي قاسو و غزلان خدر فقير

 

مراد سليمان علو

بمناسبة الذكرى التاسعة لرحيل الأسطورة خدر فقير.

 

“غزال.. غزال، هاااى.. هاااى…”

ويتعالى الصوت، ثم يسافر في وهاد وسفوح جبل شنكال ماسكا جديلة إيكو، يبحث عن غزلانه الشاردة من موّال يحكي قصّة حبّ.

يبحث (خدر فقير) بحرص شديد عن غزلانه في موّاله الأسطوري (غزال.. غزال) في بساتين التين الديمية خلف جبل شنكال، وفي ظل أشجار البلوط القديمة، وبين مزارع تبغ (كرسى) الأرقى من سجائر (ونستون) الأمريكية.

ومع آخر رشفة متبقية في قعر الكأس يعثر العاشق على غزلانه، فيتقاعد في قبره، ويسلمّ طنبوره لأقرب راعي للمعيز.

أوّل مهرجان فني وثقافي أقيم في شنكال أطلق عليه اسم صاحب “غزالى”، أنا شخصيا لم احضر المهرجان؛ لأنهم لم يدعونني؛ ربما بسبب عدم انتمائي لأحزابهم وقيل إن الدعوة وجهت ل (تحسين خدر) الأبن البكر ل (خدر فقير)، ولم يحضر المهرجان الذي أقيم في رحاب (مزار شرفدين)، خوفا من أن يقارن بأبيه فيراه الناس قزما نسبة إلى والده العملاق، أو ربمّا السبب يكمن في عدم الرغبة في إعادة دوزنة موّال (غزال) على أوتار طنبور جديد خوف هروبها ثانية.

إلى كم كوجك، وفوّال، ومنجم تحتاج مهرجاناتكم لحلّ طلاسم حبّ غزلان (خدر فقير)؟

رأى صديقي (قاسو كلي) (غزالة) شبيهة بأحدى غزلان (خدر فقير) وقد التحقت ب (جيش الأمزونيات) في فلم (محاربات الأمازون) في سينما السندباد مقابل حديقة الشهداء الموصلية.

يا عيني .. هو يراها في الأفلام، وهي تراه في الأحلام.

متى أصبحت (غزالة) محاربة؟

يسأل مسؤول كبير في الأمم المتحدة، ولكن هذا لم يعد سرّا خافيا، فلو بحثت جيدا في زوايا كهف (حصارى) سترى آثار أحلام صديقك ما تزال مرسومة على جدرانها، وآخر حديث دار بينكما مسجل في أرشيفنا، وسنعوضكم بكمشات من الملبّس المصقول والحامض حلو حينما تكمل المحاربة مهمتها وتعود على جناح فرمان قادم.

قد ينتهي مهرجان الأمراء في بيت الأمارة ب (باعذرا) أعرجا وكسيحا كما مهرجان (الفقير خدر) ويلفظ عن أمير يرانا في الأفلام وفي الأحلام فقط، دون أن يزور حدائق الشهداء الأيزيدية وحدائق الأرامل وحدائق الأيتام وحدائق الناجيات وحدائق الفقراء وحدائق المرضى وغابات النازحين المليئة بالغزلان والأرانب.

أؤكد لكم هناك فرمان قادم، فالأمم المتحدة لا تكذب. سأذهب سيرا على الأقدام من نيويورك إلى بغداد؛ لأرتاح في مقهى أم كلثوم، أفتح كتاب ألف ليلة وليلة وأتوسل بالسندباد أن يبحث عن (غزال) في رحلته القادمة فعاشقها سيتلف من البكاء عليها.

وما أن أخرج من الجايخانة باتجاه عربانة (العمّ جدوع) أبو العنبة حتى تناديني شهرزاد قائلة: ربمّا الملك شهريار قطع رأس غزالة كما الأخريات ولكن لا تقلق فأنا هنا لأنتقم لهن جميعا، أرجوك فقط أقنع روّاد شارع المتنبي بقراءة قصصي وحكاياتي ثانية.

اطمئني يا شهرزاد، أنهم مشغولون الآن ب “الشسمة” ونسوا الجني الأزرق ومصباحه السحري، فللاحتلال وللسقوط كوابيسه كما تعلمين، وليست (غزالة) وحدها من تدفع الثمن، فأنت أيضا أختها في البلاء الكبير.

شكرا للعرق المشبع بالذكريات والأسماء والألوان والقرى والوجوه والأصدقاء والشهداء والقصائد والمواويل والمهرجانات والغزلان، ومع ذلك بغداد لا تعترف بشنكال ابنة عمّ لها.

شنكال التي هي جدتها بالتبني أكبر منها ألف مرة واسألوا نوح كيف ثقبنا سفينته على الجبل، فقط لأنه أراد أن يمر من جنبنا دون أن يأكل من خبزنا وتيننا ويشرب من ماء ينابيع (السكينية) التي تشبه الخمرة.

ومنذ نوح ومغامرته الفاشلة حرموا أكل وشرب أهل شنكال من الأيزيديين.

وأربيل لا تعترف بشنكال أختا لها، وتقول إن لبن أربيل ليس كلبن شنكال.

قولوا لأربيل من يتكلم الكرمانجية الفصحى أربيل أم شنكال؟

من يلبس الأبيض أربيل أم شنكال؟

(خدلياس) يزور مَن في بداية كلّ عام؟

وأين يسكن (شرفدين)؟  

لا أجيد الكلام حين أسكر، اضحك أو ابكي أو اكتب الشعر، ولكنني لا أجيد الكلام؛ لذا عليكم أن تدعوا أحد أمراءنا المعاقين ليتحدث قليلا ولكن إياكم أن تكشفوا قوارير العرق أمامه؛ لئلا يسكر مثلي ويموت بيده (الدوشش).

في عام من أواخر أعوام الحصار أصيبت أمي بذبحة صدرية حزنا على إلغاء مهرجان الربيع في الموصل، وفي العناية المركزة لأمراض القلب في مستشفى الموصل العام سألني الطبيب المشهور (صبري شيخو) عن معنى أسمها فقلت:

ـ صغيرة الغزال.

ـ آه، رشا.

ـ نعم، (خفشيى) تعني رشا.

آه يا قلبي، يا ترى أين ذهبت كلّ غزلاننا يا صديق روحي (قاسو)؟

سلامات يا موصل، سلامات ثيراننا المجنحة. سلامات أيها النبي يونس! متى ستطلق سراح غزلاننا من معسكر (الغزلاني) أيها النبي مثلما أطلق الحوت سراحك؟

لو يعلم نوح ما حلّ بغزلاننا لما سمح لها بدخول السفينة ولأوكل أبنه في رعيها، وربما أطعمناه بعد الطوفان خبز صاج ودهن حرّ.

النبي نوح أيزيدي أصيل ولهذا عرج على شنكال وعبأ كيسه بتتن كرسي قبل أن نتلو عليه وصية الشمس التي تقول:

لا أنبياء للأيزيدية. أعطانا غزلاننا وركب سفينته وقفل راجعا وما يزال يتنقل من ميناء إلى آخر ومن بحر إلى محيط ولم يترجل بعد، ولم تنتهي رحلته بعد.

هربت الغزلان ثانية وأختلط نواحنا بنواح نوح، فقد بكى على غزلانه الشاردة أيضا.

لا أثق بهؤلاء، ولا بالأمم المتحدة ولم أعد أثق حتى بالشعر. أسأل صديقي (قاسو كلي) عمّا حدث فيجيبني ضاحكا:

“غزال.. غزال، هاااى.. هاااى…”

هذا ديدنه في ساعة شوق يغني موّال (غزال) ل (خدر فقير) فتلتم علينا ثلة من عجائز القرية ويسألوننا إن كنا بخير، فيقول لهم صديقي:

” إنمّا هذا كان نوح دموزي عندما نزل إلى الأسفل يبحث عن غزالته”.  

ويعلم أكثر من غيره بعصبيتي التي تنتهي بوضع أغلى الأشياء في أقرب مراحيض فينهض من جنب غزالته بعد أن يقبلها تسع وتسعون قبلة، وهو يقول لي بأسى:

” خدر فقير لم يسلمّ طنبوره لأحد يوما، فلا أثر للرعاة يا صديقي. وغزالة لن ترجع من الأمازون ثانية فقد كذبوا عليك في الأمم المتحدة. رأيتها في آب وقت الفرمان وهي تقسم أن تأخذ بثأر الأيزيديات بيدها وشهرزاد كانت تغمغم من خوفها لتؤلف حكايات جديدة بأثواب أيزيديّة بيضاء هذه المرة فهي قلقة مما سيجري لها في الليلة الثانية بعد الألف إن سكتت عن الكلام المباح”.

 وقبل أن يذهب أردت أن أخبره بسر خطير ولكن، صديقي (قاسو كلي) تركني وترك (غزالته). استشهد قاسو أيضا، وهو يغني:

“غزال.. غزال، هاااى.. هاااى…”.

في هذا الزمن الرديء من يحتفظ بكاسيتات (خدر فقير) ومسجل قديم من نوع (فيليبس) غيري، وغير صديقي (قاسو كلي)!

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى