Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص صحفيةقصصهن

بنات سنجار يحكين القصة الخامسة “الليلة الأخيرة”

حليمة شنكالي 

 لم تكن “زوزان” تعرف في أي بقعة من بقاع الأرض يقع البيت الذي حلت به بعد اختطافها، ولم تكن تحاول الهرب ضمن خطة معينة، بل كان كل تركيزها لمعرفة أين هي المفاتيح وكيف تسرقها.

وكانت في كل مرة تنجح في العثور عليها وتسرقها لتخرج هاربة دون أن تعلم إلى أين تتوجه، ثم يلاحقونها ويقبضون عليها. تكررت حالات هروب زوزان عدة مرات، ولكن في هذه المرة كبلوا يديها ورجليها بالسلاسل الحديدية وضربوها ضرباً مبرحاً أمام جمع من المخطوفات، وأعلنوا أنهم قد قرروا قتلها. وبعد يومين من هروبها الأخير أخذوها بسيارة جيب عسكرية لقتلها لتكون درساً وعبرة للأخريات.

تعرف زوزان، التي كانت تعمل بشهادة الإعدادية في مدرسة ابتدائية، أنها ماضية إلى الموت، فتتذكر وجوه الأعزاء: وجه ماما الأبيض كالقمر وهي تعد فطور الصباح، وجه بابا الضاحك المستبشر بالخير دوماً، ووجوه إخوتها الأصغر منها سناً وهي تراجع معهم واجباتهم المدرسية. تتذكر بوجع ابتسامة الحبيب الساحرة وعيونه العسلية وهو ينظر إليها بحنان وشوق ويقول لها “صباح الخير” في بداية كل يوم جديد في المدرسة. تبكي وتبكي على الفراق، على الظلم، تشتاق إليهم، ويزداد شوقها أكثر وأكثر، ويزداد الدمع أكثر! فيما كان الداعشي الذي يجلس على المقعد الجانبي يصورها من موبايله بلا مبالاة! توقفت السيارة العسكرية في بقعة جرداء تنتشر فيها القبور والحفر الفارغة. نزل الداعشي والسائق يتبعه وقال آمراً موجهاً الكلام للآخر الذي كان راكباً في الجهة الخلفية من السيارة يحرس زوزان: – عتاهية، أنزل هذه الكافرة من السيارة. – أمرك، أميري. قام عتاهية بجر زوزان المرمية عند قدميه والمكبلة اليدين والرجلين والمشدود فمها بقطعة جلد سوداء، يجرها من السلسلة الحديدية التي كانت تكبل يديها.

فتظهر العباءة السوداء فضفاضة على جسمها الصغير، وكذلك كان رأسها يبدو صغيراً حيث كان يغطي شعرها غطاء أسود أشبه بالقلنسوة. وضعوها في حفرة من عشرات الحفر الجاهزة، فرأت ثلاثتهم واقفين جنباً إلى جنب يرفعون بنادقهم ويوجهونها إليها للمشاركة جميعاً بإطلاق الرصاص عليها لينالوا جميعاً شرف قتلها. تسمع صوت إطلاقات الرصاص وتصرخ زوزان باستمرار، فتسمع صرخاتها كحشرجات وجع، تريد تمزيق قطعة الجلد التي تكبس على فمها، فيصدر أنين موجع وتضغط على عينيها المغمضتين أكثر وأكثر، فيما يهتز رأسها يميناً ويساراً ألماً وعذاباً وحسرة، وتنكمش روحها وتتمزق وهي تنتظر تلقي الرصاص، بل تتعجله أيضاً.

تتعجل حقاً رصاصة الرحمة. ترتجف ويسارع قلبها في دقاته وتتقطع أنفاسها وهي تنتظر رصاصة الرحمة، ولكن إطلاق الرصاص يتوقف دون أن تُصاب بأي رصاصة! ففتحت عينيها ونظرت في كل الاتجاهات، ولكن لم يقع بصرها على أي واحد منهم. سمعت همهماتهم، أنصتت جيداً، ومع هذا لم تتمكن من إدراك كنه الموضوع. فجأةً توجهوا ثلاثتهم إليها، وجلس عتاهية القرفصاء بالقرب من القبر، ومد يده إلى السلسلة المعدنية التي تكبل رجليها، وقبض عليها ورفعها من القبر وجرها على الأرض، ثم حملها في نفس السيارة ونفس المكان، وصعد ليعاود الجلوس على المقعد الطولي الجانبي في السيارة، ولتكون مرةً أخرى قرب نعليه. هذا الذي، ككل الداعشيين، له وجه وحشي ويرتدي مثلهم دشداشة قصيرة بيضاء وسخة وسروالاً متوحلاً. مرت فترة زمنية طويلة أو هكذا تراءت لزوزان قبل أن تتوقف السيارة.

وجرها عتاهية جراً من السلسلة التي تربط يديها، يمسح بها الأرض الترابية وأدخلها داراً كالتي كانت تسكنها من قبل، ولكنها لم تكن الدار السابقة ولا المكان كان نفس المكان. استلمتها ثلاث نسوة ضخمات الجسم وموشحات بملابس تغطي الجسم واليدين والوجه، وتظهر العيون من شق أسود عرضي. وأدخلنها غرفة وفكوا يديها ورجليها وأزالوا قطعة الجلد عن فمها، وجهزوا لها فراشاً نظيفاً على الأرض ووسادة وبطانية جديدة. وكان في الغرفة ما يقارب ثلاثين بنتاً صغيرة لم تظهر عليهن بعد ملامح الأنوثة الكاملة. وبدا لها فراشها مختلفاً تماماً عن أفرشة الفتيات الصغيرات وبطانياتهن ووساداتهن الوسخة.

كانت الصغيرات مستلقيات أو نائمات وربما غائبات عن الوعي، وبعضهن يبكين بأنين موجع، وبعضهن يولولن بلغتهن الكردية السنجارية وينادين بابا…. ماما… بين آونة وأخرى كانت النساء تتناوبن على ضربهن بالسوط ويقلن: – كم مرة قلت اتركوا هذه اللغة الحقيرة؟ كم هو مزعج لسانكم هذا؟ لماذا تصرون على لغتكم؟ ستنالون الضرب إلى أن تتعلموا لغة أهل الجنة! ودت زوزان لو أنها ثارت وصرخت، ولكنها كانت مشلولة تماماً ومعقودة اللسان رغم إزالة قطعة الجلد السميكة من على فمها. وكانت نظراتها تعانق نظراتهن وتغص معهن بالبكاء، وكانت هي الوحيدة التي لم يكن يضربنها. وكن يأمرنها بتناول بعض الحبوب التي يقولون إنها مجموعة فيتامينات مع وجبتي الطعام، والتي كانت تقدم للجميع. وعلى الأغلب كانت الوجبة عبارة عن صمونة واحدة وصحن من الرز وصحن من الفاصوليا، وتقدم لهن قناني الماء على وجبات.

يدخل إلى الغرفة بين آونة وأخرى داعشي ليتفحص البنات، فترتعبن وتبدأن بالصراخ ويهربن مذعورات في أرجاء الغرفة. يشير الداعشي إلى إحدى الفتيات وأحياناً إلى اثنتين أو ثلاث أو أربع معاً ويخرج، فتقوم الداعشيات الثلاث بالقبض عليهن وضربهن على ظهورهن، ويخرجنهن من الغرفة إلى مكان ما. قد تعود واحدة أو اثنتان أو ثلاث أو كلهن بعد ساعات أو بعد يوم أو بعد يومين متعبات شبه ميتات، أو يذهبن دون رجعة. أفاقت زوزان بعد عدة أيام فوجدت الغرفة خالية تماماً من الفتيات الصغيرات. وكانت النساء الداعشيات موجودات وأخذن يتناوبن الحديث معها: – اصحي الآن، لقد اختاروكِ للجهاد في سبيل الله! فكري جيداً.. أنتِ بكل الأحوال مقتولة، فالأفضل أن تستشهدي وتدخلي الجنة بدلاً من قتلكِ ودخولكِ جهنم!..سنقوم بتدريبك لعدة أيام، ثم تذهبين إلى حفل زواج وهناك ستستشهدين بعد أن تقومي بتفجير نفسك في صالة فيها حفلة زواج مختلطة فيها فساد حرمه نبينا علينا..هل فهمتِ؟ ظل الثلاثة يتحدثن معها وهي مصابة بذهول تام! وعادت لتفكر مرةً أخرى بسرقة مفاتيح هذا البيت وسعت للتركيز على مكانها.

في الليلة التالية، والنساء الداعشيات نيام، تسللت إلى المفاتيح وفتحت باب المطبخ وأخذت سكيناً كبيرة من بين السكاكين وعادت بحذر شديد إلى الغرفة. كان هناك سلك كهربائي يربط المروحة الكهربائية العمودية التي كانت تدور، فأمسكت السلك وقطعته بالسكين. دوى انفجار هائل وشبت النار في كل مكان!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى