عامر، يعمر سنجار بزراعة الأشجار
برعاية دولة رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني المحترم وضمن المبادرة الوطينة لتنمية الشباب، تنفذ ”مؤسسة ايزيدي 24 الإعلامية” هذه المادة ضمن مشروع ”نبذ خطابات الكراهية والحفاظ على التنوع” بالتعاون مع المجلس الاعلى للشباب ودائرة المنظمات غير الحكومية.

ايزيدي 24 – ذياب غانم
في جنوب قضاء سنجار، وتحديداً في ناحية القحطانية، يبرز اسم شاب أصبح رمزاً للعمل البيئي والتطوعي خلال السنوات الأخيرة. عامر سليمان خلف، البالغ من العمر 27 عاماً، لم يعد مجرد شاب من أبناء المنطقة، بل بات شخصية محلية تُلهم الآخرين، بعدما تمكّن من تنظيم عشرات حملات التشجير خلال أكثر من عامين، في وقت كانت فيه البيئة بحاجة ماسّة إلى مبادرات فردية تعيد الأمل إلى الأرض والناس معاً.
من هو عامر سليمان؟
وُلد عامر وترعرع في القحطانية، في بيئة تعتمد على الزراعة كمصدر أساسي للحياة. كانت الطبيعة جزءاً من يومياته، وشكلت منذ طفولته مساحة آمنة يجد فيها السكينة والطمأنينة. ينحدر من عائلة بسيطة، لكنه يحمل في داخله فكرة كبيرة: أن الشجرة ليست مجرد نبات، بل كائن يعكس الحياة والاستمرارية، وأن الحفاظ عليها واجب تجاه الأرض التي نشأ عليها.
ورغم الظروف الصعبة التي مرّ بها قضاء سنجار خلال السنوات الماضية، اختار عامر أن يوجّه جهده نحو الزراعة لا نحو الهجرة أو البحث عن بدائل بعيدة. وجد في أرضه طريقاً يليق بطموحه، وفي مبادراته البيئية وسيلة لبناء مستقبل أهدأ وأكثر خضرة لأهالي منطقته.
شغفه بالأشجار.. بداية الحكاية
تعود بدايات علاقة عامر بالأشجار إلى سنوات الطفولة، حين كان يرافق والده إلى الحقول، متأملاً كيف تتحوّل البذرة الصغيرة إلى شجرة تُؤمّن الظلّ وتُعطي الثمر. كان يسأل كثيراً، ويجرّب أكثر، حتى بات قادراً على معرفة طبيعة التربة ونوع الأشجار المناسبة لكل موسم.
ومع تقدمه في العمر، لم ينطفئ هذا الشغف، بل تحول إلى نقطة انطلاق للعمل التطوعي. كان يرى أن العديد من المناطق في سنجار فقدت جزءاً كبيراً من غطائها النباتي نتيجة الإهمال والحرائق والنزوح، وأن إعادة الحياة إليها تبدأ من غرس شجرة واحدة على الأقل.
حملات تشجير.. من جهد فردي إلى نشاط جماعي
على مدى عامين متواصلين، قاد عامر أكثر من عشرات الحملات التي شملت شوارع وأحياء وأسوار مدارس وحدائق عامة في القحطانية والمناطق المحيطة. في البداية كان يعمل وحيداً، يحمل أدواته البسيطة وشتلاته الصغيرة، لكن مع مرور الوقت بدأت فكرته تنتشر، وبدأ الأهالي يشاركونه، طلاب المدارس، موظفون، شباب، نساء، وأحياناً عائلات كاملة؛ جميعهم شاركوا في حملات تشجير دعا إليها عامر.
لم يكن دوره يقتصر على وضع الشتلات في الأرض، بل كان يُصر على متابعة نمو كل شجرة، والتأكد من ريّها بشكل منتظم، وتوعية الأهالي بضرورة الاعتناء بها. كان يقول دائماً: “زراعة الشجرة خطوة… وحمايتها خطوة أهم.”
حب يتحوّل إلى مسؤولية ورسالة
تحوّل حب عامر لزراعة الأشجار إلى رسالة بيئية واسعة، جعلته واحداً من أبرز المتطوعين في سنجار. استطاع أن يصنع تأثيراً حقيقياً في وعي الناس، وأن يثبت أن العمل التطوعي يمكن أن يصنع فرقاً كبيراً مهما كانت الإمكانات قليلة.
اليوم، ينظر كثيرون إلى عامر بوصفه شاباً غيّر ملامح مناطق كاملة من خلال مبادرته، ورسّخ فكرة أن حماية البيئة مسؤولية مشتركة. لا يجري خلف الشهرة أو الدعم، بل يكتفي بأن يرى الأشجار التي زرعها تنمو وتكبر أمام عينيه.
وكلما بدأ حملة جديدة، يردد عبارته التي أصبحت شعاراً لمبادراته:
كل شجرة نزرعها هي حياة جديدة تُضاف إلى سنجار.
وهكذا يواصل عامر سليمان خلف رحلته، واضعاً بصمته الخضراء على أرض أنهكتها الظروف، لكنه يؤمن أنّها قادرة على العودة للحياة… تماماً كما تفعل الشجرة.





