في انتظار التصويت التوافقي.. تعديلات الأحوال الشخصية تنتظر الإقرار رغم الإعتراضات “يرسخ الطائفية وينتهك حقوق النساء”
تصر الأحزاب الدينية الشيعية على المضي في اقرار تعديل قانون الأحوال رغم الإعتراضات الواسعة من المجتمع المدني ووصفها التعديلات بالمنتهكة لحقوق الإنسان والمصادرة لمكتسبات المرأة العراقية
ايزيدي 24 بالتزامن مع شبكة نيريج – جرجيس توما
منذ أن أنهى مجلس النواب في 16 أيلول/سبتمبر2024 مناقشة القراءة الثانية لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وهي الخطوة الأخيرة قبل التصويت عليه وإقراره، تحاول القوى الدينية الشيعية التي تسيطر على غالبية مقاعد البرلمان، تمريره رغم اعتراضات شرائح واسعة عليه ترى فيه انتكاسة لحقوق المرأة ومخالفة لحقوق الإنسان واستعادة للطائفية على حساب الهوية الوطنية كونه يفرق بين “أحوال” العراقيين على أساس المذهب.
المنتقدون للتعديلات يقولون أنه سُيساهم في زواج القاصرات، ويسبب مشاكل كبيرة في حضانة الأم المطلقة لأطفالها الصغار، وسيلغي المساواة أمام القانون بحصول الإناث على حقوق في مذهب وحرمانهن منها في مذهب آخر، فضلاً عن خلق سلطة تشريعية رديفة لمجلس النواب، متمثلة بفتاوى المذهبين الشيعي والسني.
في حين يرى المدافعون عنه، وجلهم من الرجال الشيعة ومن المعممين والفئات المحافظة، أن لأبناء كل مذهب الحق في تنظيم أحوالهم وفق قناعاتهم ومعتقدهم ومرجعيتهم الدينية وهذا ما يتوافق مع الدستور، وان القانون في النهاية يعطي الخيار للمتزوجين بأن يتم عقد الزواج وفق ما يرغبون به.
وفشل الرافضون للتعديلات، والذين نظموا حملات إحتجاج طوال أشهر، في سحب المشروع وايقاف المضي به داخل البرلمان قبل الوصول الى مرحلة التصويت، في المقابل فشل النواب الشيعة الداعمين للتعديلات، في تمريره نتيجة رفض النواب الممثلين للعرب السنة والكرد حضور جلسات التصويت عليه، واصرارهم على اقرار قانونين آخرين مع قانون الأحوال وبسلة واحدة، الأول يهم المكون العربي السني ويتمثل في قانون العفو العام، والثاني يهم الكرد ويتمثل في قانون إعادة العقارات المصادرة في زمن حكم حزب البعث إلى أصحابها الأصليين.
ومشاريع القوانين الثلاثة، عالقة في البرلمان منذ سنوات، بسبب الخلافات بشأن بعض تفاصيلها، مع رفض كل مكون القبول بما يريده المكون الآخر، في نظام محاصصة يصعب معه تمرير اية قوانين خلافية، وهو ما عزز اسلوب تمرير القوانين من خلال الصفقات.
وهي الطريقة التي سيمرر بها قانون الأحوال الشخصية الجديد، خاصة وأن المكون الكردي ليس لديه مشكلة مع القانون لأن لاقليم كردستان الفيدرالي قانونه الخاص، كما أن أبناء المكون السني لهم خيارهم بعيدا عن تداعيات التعديلات المعني بها المجتمع الشيعي، بحسب نشطاء مدنيين.
وحاولت قوى وأحزاب شيعية دينية منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق في نيسان/أبريل2003، إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية لتتلائم مع الفقه الشيعي- الجعفري، من حيث تقليص السن في عقود الزواج إلى ما دون سن البلوغ المحدد في القانون، مما يعني تشريع تزويج القاصرات وكذلك تقليص مدة حضانة الأم لأطفالها من 15 سنة إلى أقل من ذلك، وغيرها من التعديلات الجوهرية على قانون الأحوال الشخصية النافذ.
كما أن وزير العدل السابق حسن الشمري، كان قد قدم في عام 2014 مشروع قانون “الأحوال الشخصية الجعفري” لمناقشته، وقد أثار كذلك جدلاً واسعاً، وجوبه هو الآخر بالرفض والإحتجاج، ففشلت محاولات اقراره.
تعديل قانون بلا نصوص !
نصت المادة الأولى من مقترح تعديل القانون، على تعديل المادة الثانية من قانون الأحوال الشخصية بإضافة الفقرة الثالثة، التي تعطي الحرية لكل عراقي وعراقية بأن يختارا المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، وألزمت المحكمة بقبول طلبات المتزوجين قبل صدور هذا التعديل في إختيار المذهب الذي يريدون تطبيق أحكامه الشرعية في أحوالهم الشخصية.
وإلزام المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي الإفتائي في ديوان الوقف السني، بوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية، وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليه خلال ستة أشهر من تأريخ إقرار هذا التعديل، والزام المحكمة المختصة عند اصدار قراراتها في جميع مسائل الأحوال الشخصية بتطبيق أحكام المدونة تلك.
ويمثل وضع “مدونة الأحكام الشرعية” نقطة اعتراض أخرى، يحاجج بها رافضو اقرار القانون، متسائلين “كيف يمكن اقرار قانون يعتمد على مدونة شرعية لم تُعرف تفاصيلها بعد؟”.
وقسم التعديل مدونة الأحكام الشرعية إلى بابين، ينظم الأول أحكام مسائل الأحوال الشخصية طبقاً للفقه الشيعي الجعفري، والآخر ينظم أحكام مسائل الأحوال طبقا للفقه السني. على أن تعتمد المحاكم بعد نفاذ التعديل ولحين إقرار مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية، إلى رأيي المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي والافتائي في ديوان الوقف السني كخبيرين في الأحكام الشرعية.
ونصت المادة الثانية من مقترح التعديل، على الغاء نص الفقرة 5 من المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية، وأحلت محلها مايلي: تصدق محكمة الأحوال الشخصية العقود التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين، على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو ديواني الوقفين الشيعي والسني بإبرام عقود الزواج بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين.
المحامية المتخصصة بالأحوال الشخصية نغم علي، تقول بأن المشكلة في مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية أنه بلا نصوص مباشرة، بل “إحالات إلى تشريعات فقهية مذهبية، مما يعني أننا سنكون أمام فوضى كبيرة في حال إقراره”.
وقالت بأن القوى التي قدمت المقترح، وربطته بمدونة الأحكام الشرعية “التي ستحل محل ما يتضمنه قانون الأحوال الشخصية الحالي، والتي ستكتب بعد ستة أشهر من المصادقة على مشروع التعديل، فعلت ذلك بخبث شديد”.
وتوضح:”تلك القوى، لاتريد أن تعرض مدونة الأحكام الشرعية الآن، لكي لا يتم الإعتراض على زواج القاصرات والاستمتاع بالرضيعة بالمفاخذة والتقبيل والاستمناء عليها وفصل الأطفال عن امهاتهم وسلب حقوق النساء بنحو عام والأيتام”.
وتقول متسائلة:”لو أن تلك القوى واثقة من نفسها تماما، فلم لاتعمل على وضع مدونة الأحكام الشرعية أولاً ومن ثم تقدم مقترح التعديل الى مجلس النواب؟!”.
المحامي حيدر كاظم، متخصص كذلك بقضايا الأحوال الشخصية من بغداد، لديه وجهة نظر مغايرة، إذ يقول بأن “الزواج بعمر التاسعة فما فوق مستند الى روايات وافعال الأئمة والصحابة، لذا فهو أمر حلال ولايجوز تحريمه بدون نص ديني، ولاسيما ان قانون الأحوال الشخصية يفترض أن تكون الشريعة الإسلامية مصدره الأساس”.
لكنه في ذات الوقت، يؤكد بأن تشريع ذلك كقانون سيعني فرضه “حتى بوجود أفراد من الشيعة والسنة يفضلون بقاء سن الزواج بالبلوغ المحدد بموجب القانون أي 18 سنة، أو 15 سنة مع الكفاءة ووجود ولي”.
ويشير إلى أن “من حق كل مكون في دولة مدنية كالعراق، أن ينظم أموره واحواله الشخصية وفق معتقده”، منبهاً إلى أن هنالك مواداً كثيرة في القوانين العراقية تخالف المذهب الجعفري “لكن مع ذلك لاتسعى الأحزاب الشيعية وممثلوها في مجلس النواب الى تعديلها، بينما يأتي اصرارها على تعديلات الأحوال الشخصية لإيجاد حل للكثير من المتضررين جراء ما ينص عليه القانون الحالي ولاسيما فيما يخص التفريق والحضانة”.
أستاذة القانون في جامعة بغداد د.بشرى العبيدي، ترى أن التعديلات ستتسبب بتفكيك الأسرة العراقية: “وإذا كان العراق يسجل سنوياً آلاف حالات الطلاق في الوقت الحالي، فأنه سيسجل عشرات الآلاف منها بعد تشريع التعديلات”.
ولفتت إلى أن إيكال التعديلات الأمر في قضايا الأحوال الشخصية إلى المذاهب المختلفة بين “السنة والشيعة” سيعني جواز تزويج القاصرات، وتوضح:”سن البلوغ لدى الشافعية والحنابلة، يتحقق بـ15 سنة للذكر والأنثى. وعند المالكية، بـ17سنة للذكر والأنثى، والحنفية بـ18 سنة للغلام و17 سنة للأنثى، وعند الامامية يتحقق البلوغ بـ15سنة للذكر و9 سنوات للأنثى”.
وتضيف:”في حين أن قانون الأحوال الشخصية النافذ حقق هذه الخاصّية في المادة (7) وقرر أن اهلية الزواج هي تمام العقل وإكمال الثامنة عشرة للذكر والأنثى. واستثنى في المادة من أكمل الـ15 وطلب الزواج، فللقاضي أن يأذن به اذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي”.
وفيما يخص الطلاق، تقول العبيدي، أن المذاهب جميعها متفقة على ايقاع الطلاق من قبل الرجل، وان لم تحرم ايقاعه من المرأة ولكن اختلفت بشروط صحته وإتمامه، في حين أن قانون الأحوال الشخصية :”قد نظّم أحكام الطلاق، وبين في المادة (37 – 2) أن الطلاق المقترن بعدد لفظي أو اشارة لا يقع إلا لمرة واحدة ولم يشترط شهود أو أي من الشروط التي تفرضها المذاهب.
أما بالنسبة للتفريق، فتقول أن الفقه الإمامي “لم يعط حق التفريق للزوجة المتضررة أو التي بينها وبين زوجها شقاق تستحيل معه استمرار الحياة الزوجية، إلا في حالة واحدة هي (الغيبة المنقطعة) التي لا يعرف فيها مصير حياة الزوج من مماته”، وبشروط تقول بأنها تعجيزية وهي أن “تنتظر الزوجة زوجها لأربع سنين تمضي على غيبته”.
أما في القانون المعمول به “فإن الزوجة بعد أن ترفع أمرها إلى القضاء تمنح المحكمة فترة سنتين لغرض البحث عن الزوج للتأكد من غيبته وبعد انقضاء هذه الفترة ولم تعثر عليه ترسل المحكمة إلى وكيله أو وليه ــ إن كان له وكيلا أو وليا ــ طالبة منه الحضور أمام القاضي لسؤاله عما إذا كان يوافق على إيقاع الطلاق بالزوجة”.
أما بالنسبة لحضانة الأطفال، تقول:”في المذهب الأمامي تنتهي حضانة الأم لوليدها الذكر بعد انتهاء مدة الرضاعة وهي حولين متتاليين أما بالنسبة للأنثى فمدة الحضانة 7 سنوات، في حين حدد المذهب الحنفي مدة حضانة الذكر بـ 9 سنوات، والأنثى بـ 9 سنوات، أما المذهب الشافعي فانه لم يحدد سنا معينة لانتهاء مدة الحضانة، بل جعلها مرهونة بقدرة الولد أو البنت على إدارة شؤونهم”.
وذكرت أن المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية، أخذ برأي الفقه الحنفي “مجيزا للأم تمديد مدة حضانتها لولدها حتى يبلغ 15 سنة ليخير بعدها في من يحتضنه (المادة 57)”.
وتتابع:”أن مقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، سيخلق تباينا في الحقوق وتمييزا اجتماعيا بين أفراد وشرائح المجتمع على اختلافها والمرأة على وجه الخصوص”.
مؤيدون ومعارضون
تلك النقاط الاشكالية، هي ما جعلت مقترح التعديل محل جدل واسع، ليس فقط على النطاق الشعبي، بل وحتى بين أعضاء مجلس النواب، وفي وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجماعي، وتحول التعديل الى مادة لمعارك سياسية بين المؤيدين والمعارضين، وصلت بعضها الى حد التشهير بالسمعة الشخصية ورفع دعاوى قضائية واتخاذ اجراءات “نقابية” بحق بعض الرافضين للتعديلات.
يرى النائب فراس تركي المسلماوي، بأن التعديلات، متوافقة مع نص المادة 41 من الدستور والتي “كفلت للشعب اختيار طريقة الأحوال الشخصية وفق الأديان والطوائف والمذاهب والمعتقد وهو اختياري وليس إجباري”.
المسلماوي، واحد من بين النواب الذين قدموا المقترح لمجلس النواب ويشددون على إقراره، رافضا ما وصفه بـ”الفهم المغلوط” لدى البعض في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بأن القانون يجيز زواج القاصرات.
ويؤكد النائب رائد المالكي، ان التعديل “يضمن المساواة للجميع”، وينفي أن يكون قد نص على السماح بزواج القاصرات أو حرمان المرأة من الميراث.
ووصف التخوف من التعديل بأنه “غير مبرر على الإطلاق خاصة أن موضوعه مُحدد بمسألة اساسية واحدة وهي ضمان حرية الإختيار للمواطن والمواطنة في تحديد أحكام القانون الذي يطبق عليهم بشأن أحوالهم الشخصية”، في حين ان القانون الحالي “مفروض على غالبية الشعب وفيه كثير من المشاكل” على حد قوله.
في الجانب الآخر، أعلنت عضو مجلس النواب عالية نصيف، مرارا عن رفضها للقانون، رغم تعرضها للكثير من الانتقادات كونها تمثل ناخبين شيعة. وقدمت طلباً إلى رئاسة المجلس وقع عليه 120 نائبا، لسحب مقترح التعديل، ووصفت في بداية حملة اقرار التعديلات، ما يجري بأنه “تجهيل قانوني وإيهام لبعض النواب بأن هذا التعديل يصب في مصلحة الأسرة العراقية”.
وقالت في بيان بأن التعديل بحاجة إلى “الرأي الحقيقي للمرجعية، ويجب دراسته بشكل معمق من رجال الفقه والشريعة ورجال القضاء”. وحذرت من أن التعديل سيدخل المجتمع في “متاهات المجمع العلمي والمشهور من الأحكام الشرعية وخصوصاً فيما يتعلق بعقد الزواج والنفقة والوصية الواجبة التي فيها أحفاد المتوفي وغيرها العديد من النقاط، علماً بأن المذهب الشيعي متعدد المرجعيات وكذلك المذهب السني”.
وتساءلت:”أيُّ عائلة تقبل بزواج القاصرات؟ أيُّ عائلة توافق على زواج ابنتهم خارج المحكمة؟ أي رجل يرضى أن يتعامل مع زوجته وفق مبدأ النفقة بشرط الاستمتاع؟ أي عائلة ترضى بأن يبقى أحفادها خارج الإرث في حال وفاة إبنهم؟! وأي عائلة توافق على رمي الزوجة وأطفالها خارج بيت الزوجية في حال حصول طلاق؟! “.
عضو مجلس النواب عائشة المساري، التي بدورها رفضت التعديلات وكانت من بين النواب الذين قدموا طلبا لسحب المقترح، تقول بأن التعديلات التي قدمتها الأحزاب الشيعية “تثير الجدل في كل دورة برلمانية، وكل جلسة لمجلس النواب”.
النائب حسن الخفاجي، أكد تسجيله للعديد من الملاحظات على مقترح المشروع ولاسيما المتعلقة بالمرأة :”لديها كيانها وشخصيتها، ونحن في المجتمع العراقي دورنا يكمن في صون مكانتها وتحصين وجودها، وفي نفس الوقت الأخذ برأيها ومشورتها “.
من جانبه أصدر الإطار التنسيقي الذي يتضمن أحزاباً شيعية تتبنى التعديلات، بياناً في 29 تموز يوليو2024 دعا فيه الى المضي باقرار مشروع القانون، مؤكدا انه “ينظم أمورا تتعلق بالأحوال الخاصة بكل مذهب أو دين ولا يلغي القانون النافذ”، وعده منسجماً مع الدستور.
بينما أشار بيان لحزب الدعوة الشيعي صدر في ذات اليوم، إلى أن “تعديل قانون الأحوال الشخصية جاء ليرسخ حرية الإنسان العراقي بمنحه الحق في تنظيم أحواله الشخصية على وفق ما يعتقد”.
يُضيع مكاسب المرأة
لمواجهة موجة التأييد للقانون، والتي سخرت فيها القوى الشيعية الدينية المسيطرة على البرلمان، كل امكاناتها الاعلامية المتمثلة بعشرات القنوات التلفزيونية والاذاعية والمواقع الاكترونية فضلا عن مئات منصات وسائل التواصل الاجتماعي، شكلت منظمات مجتمع مدني “حملات” لرفض مشروع التعديلات بمشاركة أعضاء بمجلس النواب وشخصيات عامة.
ونظمت العديد من المنظمات تظاهرات ووقفات احتجاج في عدد من المدن، واصدرت بيانات عبرت فيها عن رفضها للمشروع، إذ أصدر تجمع نساء العراق بياناً في 24 تموز يوليو 2024، دعا فيه العراقيين إلى رفضه وعدم الرضوخ له، لما فيه من “إساءة وضياع لحقوق بناتهم وأخواتهم” على حد ما جاء في البيان.
ودعا النواب إلى التراجع عما وصفه بالمضي “في العبث بمكاسب المرأة العراقية، والحفاظ على كرامتها، وقطع الطريق على دعاة تمزيق المجتمع العراقية باسم الدين و الطائفة والمذهب”.
وعد البيان سعي بعض القوى السياسية لتمرير تعديلات قانون الأحوال الشخصية، بانه تهديد لحقوق الإنسان في البلاد”عبر شرعنة الأساءة للمرأة وحرمانها من حضانة أبنائها وإيجاد المبررات للعنف الأسري، وتبرئة المتهمين بممارسته، في بلد يشهد تصاعداً في حالات الاعتداء على الأطفال وقتلهم”.
وجاء في البيان أيضاً أن المشروع “سيؤدي إلى تسليع المرأة، وتجريدها من حقوقها، وجعلها ضحية للعنف والإساءة والطرد والإهانة، بشكل يتنافى مع روح ومبادىء الشريعة الإسلامية التي يقوم عليها القانون الحالي”.
كما اتهم البيان القوى السياسية التي وصفها بالمتصدرة لحكم البلاد، بالتخلي عن دورها في معالجة ملفات “الكهرباء والمياه، وقطاعات الصحة والتربية والتعليم، وتصاعد خطاب الكراهية وتهديده للنسيج الاجتماعي”، وبدلاً من معالجة تلك الملفات، يقول البيان بأن تلك القوى:”تتصدى للعبث بنصوص قانون تلقاه الشعب العراقي بالقبول، بما ينسجم مع المبادىء العامة لحقوق الإنسان في العالم اليوم”.
وعبرت شبكة “صوتها” للمدافعات عن حقوق الإنسان، في بيان صدر عنها يوم 24 تموز يوليو2024، عن استنكار مقترح التعديل والقلق العميق إزاء محاولة تمريره، لأنه يمثل “خطوة إلى الوراء في مجال حماية حقوق المرأة والطفل والأسرة في العراق”.
وعدته متعارضاً مع الالتزامات الدولية التي وقع عليها العراق في مجال حقوق الإنسان. كما أن “المبادئ القانونية التي تضمنها القانون النافذ لها مصادرها في فقه الشريعة الإسلامية، والقانون اخذ بالفقه الجعفري في عدة مسائل منها الطلاق ثلاث، اذ اعتبره طلقة واحدة وميراث البنت وميراث الأخت وغيرها من الاحكام الأساسية، كما اخذ من المذهب الحنفي في البعض الاخر، وخلال سنوات طويلة من العمل بالقانون لم تظهر أي إشكالية شرعية على الاحكام القضائية التي أصدرها القضاء “.
وعددت الشبكة في بيانها أوجه اعتراضها على المشروع “تأثيره سلبي على المرأة، لأنه يؤدي الى تراجعً المكتسبات التي حققتها في العقود الماضية، بتقليل حقوقها في القرارات الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والوصاية” وأن من شأن التعديلات الإضرار بمصلحة الطفل، ويؤدي إلى “تعزيز ممارسات الزواج المبكر وتقليل الحماية القانونية للأطفال في حالات النزاع الأسري”.
كل تلك الاعتراضات والتحذيرات لم تتمكن من وقف مشروع التعديلات والذي وصل الى مرحلة التصويت النهائي، وهو في انتظار التوافق على القانونين الآخرين اللذان يطالب باقرارهما الكرد والعرب السنة في ذات الجلسة مقابل تمرير تعديلات قانون الأحوال.
خلود جبر (43 سنة) موظفة حكومية من العاصمة بغداد، مطلقة منذ سنتين، وهي أم لثلاثة أطفال أكبرهم في الثالثة عشر من عمره، شاركت في بعض الوقفات الاحتجاجية، تقول بأنها تشعر بقلق بالغ من اقرار التعديلات وفصل أطفالها عنها.
هي تعتقد بأن المشروع “التفاف على القانون” تقوم به الأحزاب الدينية “بعد فشلها في أوقات سابقة بتعديل احكام المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بالحضانة”. وتقول:”بوسعهم إجراء تعديلات في عدد ساعات مشاهدة الآباء المطلقين لأبنائهم، لكن أن يأخذوا من الأم أطفالها ويحرمونها منهم فهو ظلم كبير لا يمكن القبول به”.
خلود ترى مثل كثيرين غيرها، بأن الأحزاب الدينية الحاكمة تحاول عبر إشغال الرأي العام بقضية تعديل قانون الأحوال الشخصية والقول بأنهم يريدون تطبيق القواعد الشرعية، التغطية على المشاكل الاقتصادية والادارية والأمنية وملفات الفساد الكبرى المتورط فيها ممثلوها في مختلف مفاصل الدولة.