تحقيقات

كيف تؤثر المجالس الاجتماعية في سنجار على تقديم الخدمات؟

تحديات وفرص لمراكز صنع القرار العشائرية في سنجار

 
تحديات وفرص لمراكز صنع القرار العشائرية في سنجار
 
 ايزيدي 24 – ذياب غانم 

 
تتمثل مراكز إصدار القرار في قضاء سنجار، شمال غرب العراق، ضمن محافظة نينوى، مصدراً وسبباً رئيساً في ايصال الخدمات الحكومية وغير الحكومية الى اهالي القرى والقصبات التابعة للقضاء، بالإضافة الى ناحية القحطانية، ذات الاغلبية الايزيدية، والتابعة ادارياً الى قضاء البعاج. 
 
لكونها تتمتع بنسيج اجتماعي، تعتبر المجالس الاجتماعية في المنطقة مركزاً رئيساً لإصدار القرار، وأعضاءها هم صناع القرار وتعتبر هذه المجالس الاجتماعية نقطة تواصل مع الجهات التي تقدم الخدمات. 

 
ما هي المجالس الاجتماعية؟

 
المجالس الاجتماعية عبارة عن مكان يجتمع فيه ابناء المجتمع، سيما الكبار بالعمر، تتضمن هيئات إجتماعية منها الهيئة الاختيارية، وتعتبر مركزاً لصناع القرار في المجتمعات الصغيرة والمتوسطة سواء كانت هذه القرارات مرتبطة بتقديم الخدمات، والمطالبة بها ام لا. 
 
لا يقتصر دور هذه المجالس الاجتماعية على المطالبة بالخدمات والتواصل مع الجهات الحكومية وغير الحكومية، بل يتم طرح المشاكل الاجتماعية أيضاً، وحلها في هذه المجالس، وهي بمثابة محاكم إجتماعية. 
 
الهدف من وجود هذه المجالس في سنجار والقحطانية هو تقارب ابناء المجتمع ورؤية وجهات النظر المختلفة وطرح الأفكار والتواصل بين المجتمعات المختلفة وتعزيز التماسك الاجتماعي بين المكونات والمجتمعات وتعزيز التعايش. 

 
“امين خضر”، بالرغم من أن عمره أقل من 40 عاماً، الا انه في كل صباح يستيقظ مبكراً ويجهز نفسه ليغادر المنزل الى حيث مجلس قرية تل قصب، شرق قضاء سنجار، يستمتع بالحديث في المجلس وأحيانا هو الآخر يدلي برأيه ويعتبر المجلس منزله الثاني. 
 
ليس هو فقط، بل العشرات من الأشخاص متوسطي العمر، يزورون المجلس الاجتماعي، يناقشون مختلف المواضيع ويطرحون مشاكلهم ويستمعون الى الحلول وطرق الوصول إليها. 
 
يقول امين، “المجالس الاجتماعية تعتبر قوة للمجتمعات المحلية وحتى الخارجية؛ يشهد مجلسنا زيارات يومية، سواء كانت من مسؤولين حكوميين او شخصيات اجتماعية، أيزيدية كانت ام مسلمة، واصبح جسرا بيننا وبين القرى والعشائر الأخرى، ومن خلال هذه الاماكن نستطيع الحفاظ على التعايش والتماسك الاجتماعي”.

 
سلبي أم ايجابي؟

 
تختلف المجالس الاجتماعية في القرى والقصبات حسب وجهة النظر والسياسات والاولويات، “لا تكون هذه المجالس نقطة ايجابية أحياناً”، بحسب وجهة نظر ناشطين سنجاريين، و”يجب اعادة النظر في القرارات والهيكلية فيها”.
 
يعتبر، الناشط “زاهر صادق”، وجود المجالس الاجتماعية نقطة سلبية، ويقول، “يعد دور المجالس الاجتماعية في مناطق سنجار دوراً ضعيفاً وسلبياً وذلك لعدم وجود تكافؤ بين ابناء القرى والقصبات التي تضم هذه المجالس ، حيث تتخذ القرارات من جهة واحدة، خاصة الأشخاص اللذين يترأسون المجالس”. 

 


 
وتابع قائلاً، “هناك مخاوف وانتقادات ومعارضة لكل الخطوات التي تخطيها المجالس من قبل الاهالي  
لانها لا تصمم قراراتها بالتشاور مع المجتمع، بل كل قراراتهم فردية وحسب مصالحهم فقط”.
 
واضاف، “افراد المجالس لا يشعرون بأنهم يديرون قبيلة او عشيرة او فخد،  لان المجالس تتخذ أحياناً مكان الحكومة في بعض الامور، واجراءاتهم تكون روتينية وطويلة، ولا يعرفون التصرف في كل مرة وأحياناً يكون لهم دور في حل النزاعات العشائرية والصلح العشائري”.

فيما يقول أحد “وجهاء العشائر” في سنجار، فضل عدم الكشف عن إسمه، “دور المجالس يقتصر على المطالبات بتقديم الخدمات التي تعاني منها مناطقنا وكذلك وضع حلول للمشاكل، واحياناً تكون سببا في تقديم الخدمات واحياناً تكون عائق امام تقديم الخدمات من ناحية أخرى، فكل مشروع يحتاج الى أرض، فالبعض من المجالس لا تخصص الاراضي وتتسبب في ضياع فرصة تقديم خدمة عامة لمجتمعهم”.

واردف، “هناك مجتمعات تسهل عملية تقديم الخدمات وتتعاون مع الجهات الحكومية وغير الحكومية، وهناك امثلة كثيرة في سنجار، على المجتمعات الأخرى أيضاً التعاون مع كل الجهات وتقديم التسهيلات للمصلحة العامة وان تشترط المحاصصة او المقاولات على الجهات التي تقدم الخدمات”.

 
لا دور للمرأة فيها

 
يعتبر المجتمع السنجاري، مجتمع ذكوري، بالرغم من وجود الحرية المطلقة للنساء، لا سيما الايزيديات، كون الايزيدية يشكلون النسبة الأكبر من السكان في سنجار والقحطانية في الوقت الحالي، وتصدر القرارات الخاصة بالمجتمع من الرجال فقط دون اشراك المرأة فيها. 
 
“المجالس الاجتماعية في سنجار والقحطانية خاصة بالرجال ولا يوجد مجالس مماثلة للنساء، وبذلك هناك تمييز بين الجندر فيها”، بحسب ناشطات سنجاريات.
 
تقول الناشطة الايزيدية “تركية شمو” ان، “هناك مساحة واسعة امام المراة الايزيدية بالمقارنة مع المجتمعات الاخرى، وتم منح الكثير من الامتيازات للنساء الايزيديات تاريخيا وحتى اللحظة.

 

لكن نشاهد غيابهن على المستوى العشائري، مع بعض الاختلافات في المشاركة السياسية، وهن غائبات تماما في صنع القرار”. 
 
واوضحت ان، “عدم وجود النساء في المجالس الاجتماعية يعود الى سببين، اولهما الخوف، والآخر عدم استقرار المجتمع”، مشيرة الى ان، “احيانا تتجنب النساء التواجد في اماكن صنع القرار واحيانا لا يتم اشراكهن”.

واكدت ” شمو”، “على المجتمع السنجاري فصح المجال لرأي المرأة ايضاً والاستماع اليها في بعض القضايا، على الأقل كونها جزء لا يتجزء من المجتمع، وتعتبر عنصر رئيسِ ولها تأثير مباشر على مستوى العالم، خاصةً بعد الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش بحقهن عام 2014 ولدينا امثلة حية على ذلك، كالناشطة الايزيدية نادية مراد والتي حصلت على جائزة نوبل للسلام ولمياء بشار وفريدة عباس واخرات”.

 
علاقتها بتقديم الخدمات

 
بعد هجوم تنظيم الدولة الاسلامية، المعروف ب “داعش”، على قضاء سنجار في الثالث من آب/ أغسطس 2014، عاد نحو 200 الف شخص الى مختلف مناطق القضاء، يعتبر “بعض العائدين الى القضاء”، “ان هناك تمييز في تقديم الخدمات من قبل المنظمات والجهات الحكومية وتختلف من منطقة إلى أخرى”.
 
مشيرين الى أن، “للانظمة الاجتماعية العشائرية دور في ذلك”، حيث تتعاون بعض المجالس مع المنظمات غير الحكومية والجهات الحكومية وتتنازل عن مصالحها لتقديم خدمة عامة للقرية او المجمع. 
 
يرى “مصطفى حسن” وهو ناشط عائد الى ناحية القحطانية، أن، “الانظمة الاجتماعية دائما ما تفرض رأيها، وهناك مناطق تضم اكثر من عشيرة ومجلس، ففي هذه المناطق تكون الصراعات أكبر من المناطق التي تسكنها عشيرة واحدة وفيها مجلس واحد”.
 
وفي نفس الوقت، يقول “حسن” ان، “هناك قرى في القحطانية تتميز بوجود مجلس اجتماعي وهناك اتفاق حول كل صغيرة وكبيرة مثل (قرية الوردية) وبذلك يحصلون على خدمات كثيرة، سواء كانت من جهات حكومية او غير حكومية”.

 
واشار الى ان، “في مركز ناحية القحطانية هناك اكثر من عشيرة، وكل واحدة منها لديها مصالح ويتسابقون للحصول على الخدمات على حساب الآخرين، ونتيجة الصراعات والمصالح لم نشاهد اي مبادرات اجتماعية قد تساهم في عودة بعض الدوائر الحكومية وجذب المنظمات غير الحكومية الى المنطقة، وبسبب ذلك نفتقد الى العديد من الدوائر الحكومية كدار القضاء والدفاع المدني وغيرها”.
 
واردف “حسن”، “في هذه الناحية نعاني منذ سنوات من عدم وجود محطة وقود حكومية بسبب عدم وجود قطعة ارض، حيث لم تبادر اي عشيرة بالتبرع بقطعة أرض لإنشاء محطة وقود، بالرغم من انها خدمة عامة”.

مشيرا الى انه، “قبل فترة وجيزة كان من المقرر ان يتم بناء مدرسة نموذجية في الناحية ضمن مجموعة المدارس الصينية، التي شملت جميع مناطق العراق، باستثناء القحطانية وقضاء سنجار، وذلك لعدم وجود قطع اراضي، فلو اجتمع هذه المجالس واتفقوا على قطعة ارض لكنا الان نمتلك مدرسة نموذجية ومحطة وقود، وهذه ابسط الامثلة”.

 
الحلول والتوصيات

 
ليس في سنجار فقط، وإنما في جميع مناطق العراق التي تتمتع بطابع عشائري هناك سلبيات وايجابيات للمجالس الاجتماعية العشائرية، لكن بحسب مختصين، على عشائر سنجار ان تكون أكثر تماسكاً للحصول على الخدمات والحقوق وان تقوم باشراك جميع افراد المجتمع في صنع القرار، كأن تقوم بتأسيس مجالس شبابية مصغرة او مستشارين.
 
بحسب الباحث الاجتماعي “جمال علي”، يجب “اعادة تنظيم المجالس الاجتماعية وانتخاب اشخاص من قبل ابناء العشيرة او القرية لتشكيل هيئة الاختيارية تتضمن افخاد العشيرة او القرية ويكون المجلس على شكل برلمان مصغر”.
 
ولا يختلف الباحث في عدم وجود النساء في اماكن صنع القرار مؤكداً ان، “وفق المعطيات الحالية الاجتماعية لا يمكن بأي شكل اشراك المرأة في المجالس الاجتماعية، لوجود بعض العادات والتقاليد القديمة وصورة نمطية ثابتة في هذه المجالس، لكن يمكن تشكيل مجالس اخرى خاصة بهن”.

 
ووفقا لرأي “علي” فأن، “تقديم الخدمات له علاقة مباشرة بالمجالس الاجتماعية العشائرية، لكون المنظمات والجهات الحكومية تعتمد على هذه المجالس ومطالباتهم في تقديم الخدمات من عدمها”. 
 
وبيّن أنه، “نلاحظ اختلاف واضح في الخدمات في المناطق التي تمتلك مجلساً قوياً ومتفقا وبالعكس تماماً بالنسبة للمناطق التي لا تمتلك القوة العشائرية وتشهد صراعات عشائرية تفتقد الى الكثير والكثير”.

تم انتاج هذه المادة ضمن مشروع (تعزيز التماسك الاجتماعي وبناء السلام) المنفذ من قبل منظمة جيلان ودعم من UNDP وتمويل سخي من الحكومة اليابانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى