تقارير

ترامب يقطع شريان المنظمات،كيف اصبحت مدينة معاناة الايزيديين دون مساعدات

ايزيدي ٢٤ – ذياب غانم

 

عاد “عماد مراد” (25 عام) الى قرية رمبوسي جنوب قضاء سنجار شمال غرب العراق، بعد قضاءه أكثر من عشر سنوات في مجمع شاريا، التابع لمحافظة دهوك باقليم كردستان العراق تحت الخيم ووسط معاناة حر الصيف وبرد الشتاء ونار الخيم، بعد ان نزح الى هناك منذ هجوم تنظيم داعش على قضاء سنجار في صيف 2014.

بعد عودته، كان يأمل عماد ان يحصل على دعم مادي من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية المتواجدة في المنطقة، ظل ينتظر لعام كامل دون ان يجد اي فرصة عمل او منحة مادية للعائدين الى أطراف سنجار، قبل عودته، كان يعلم بأن الكثير من المنظمات توجهت الى مناطق جنوب سنجار، ومع عودته، اصابته خيبة أمل جعلته يفكر في ايجاد حلول أخرى.

مع نهاية عام 2024، وفي احدى الايام الشتوية القارصة، اياديه في جيوبه، رن هاتفه، رقم غريب يتصل، رد عماد واستمع إلى الشخص المتصل، بعد رد السلام، قال المتصل “انا موظف في منظمة الهجرة الدولية، نمنح العائدين فرصاً للعمل باجر يومي لمدة 40 يوم، هل تستطيع العمل؟” بفرح كبير جاوب وقال نعم.

بعد موافقة عماد، قرر الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” تجميد الميزانية الخارجية لامريكا ومؤسساتها لثلاثة أشهر لمعرفة البيانات وكنية الميزانية ومع القرار، قرر تصفية الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID) وحلها، فاوقفت منظمة الهجرة الدولية مشاريعها الممولة من قبل أمريكا ولم يستطع عماد العمل.

المشاريع الكبيرة التي تضررت من قرار ترامب في سنجار كثيرة و لكن ابرزها هي ” قرية كوجو الجديدة و مشاريع العودة و بناء المنازل الخاصة بمنظمة الهجرة الدولية “

قرار ترامب

بعد تسنم دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميريكية وفي 20 كانون الثاني المنصرم قررت الولايات المتحدة الأميريكية تجميد جميع مساعداتها المادية باستثناء المساعدات العسكرية المقدمة لمصر وإسرائيل.

وفي 3 فبراير الجاري اعلن “ايلون ماسك” وزير الكفاءة الحكومية، في الولايات المتحدة، موافقة الرئيس الأمريكي على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية ووقف المساعدات الخارجية عبر حسابه على منصته (إكس)، قائلا، “نحن نغلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، واثار القرار غضب لدى البعض من الامريكيين الديمقراطيين وشهدت تظاهرات أمام مبنى الوكالة.

الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، هي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية وهي مسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين، أسسها الرئيس جون كينيدي عام 1961 بأمر إداري لتنفيذ برامج المساعدات التنموية في المناطق بموجب قانون المساعدات الخارجية وعمل الكونغرس على تحديث التفويض من خلال عدد من قوانين الاعتماد المالي السنوية وتشريعات أخرى.

وعلى الرغم من كون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID إحدى وكالات الحكومة الأمريكية المستقلة من الناحية الفنية، إلا أنها تخضع لتوجيهات السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزير خارجية الولايات المتحدة ومجلس الأمن القومي.

وتدير وزارتا الخارجية والدفاع، إلى جانب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حزمة كبيرة من المشاريع في العراق، وساهمت خلال السنوات الماضية في إحداث فارق كبير بمختلف القطاعات، وعلى رأسها البنية التحتية، خصوصاً في مناطق شمال وغرب العراق منها قضاء سنجار، وهي من المناطق الأكثر تضرراً من الحروب التي شهدتها البلاد خلال العقدين الماضيين.

ويذهب جزء من أموال هذه المساعدات إلى وكالات ومنظمات محلية بهدف تنفيذ أنشطة ومشاريع، من بينها مشاريع خاصة بالطفولة، وتمكين النساء في مناطق الصراع، ودعم الناجيات من الحروب، إضافة إلى مشاريع إدماج النازحين، والإشراف على نقلهم من مخيمات إلى أخرى، أو إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية، ولهذه المشاريع ارتباطات مباشرة مع الحكومة المركزية، ومع الحكومات المحلية في المحافظات.

توضيح ال USAID

وكشفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) انها “منحت اجازة ادارية لموظفيها بعد قرار ترامب وتم توقيف جميع البرامج التي يمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مؤقتاً”.

وقالت الوكالة ان القرار لا يشمل “الموظفين المسؤولين عن المهام الحرجة في البعثات، والقيادة الأساسية، وبعض البرامج المعينة”. ومن المتوقع أن يستمر الموظفون الأساسيون في أداء مهامهم بشكل طبيعي.

واوضحت إلى أن “معظم المقاولين الذين يعملون مع الوكالة سيشهدون إنهاء عقودهم”، وقالت USAID إنها تدرس “الاستثناءات لكل حالة على حدة”، بما في ذلك تمديد فترة السفر أو العودة بناءً على الصعوبات الشخصية أو العائلية، أو مخاوف التنقل والسلامة، أو لأسباب أخرى.

وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، عن “قيادة جديدة وإعادة هيكلة محتملة للوكالة”.

ثأثير القرار على سنجار

قضاء سنجار، غرب محافظة نينوى شمال العراق، من اكثر المناطق التي تضررت في هجوم داعش على المدن العراقية، بعد تحريره عام 2017 توجهت المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية الى القضاء لمساعدة اهالي المنطقة والمساهمة بإعادة الحياة إليها.

توجد في سنجار نحو 30 منظمة محلية واكثر من 10 منظمات دولية وتعتمد هذه المنظمات بالدرجة الأساس على تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تنفيذ مشاريعها، وتوقفت الكثير منها عن العمل على اثر حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتوقف العشرات من موظفي هذه المنظمات عن العمل.

بحسب “محمود البرغشي” مدير مؤسسة بنان للتنمية، ان “قرار إيقاف برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID  كان له تأثير كبير على العراق بأكمله لانه كان هناك مئات المشاريع قيد العمل والتنفيذ ومنها قيد الموافقة في ظل غياب الدعم الحكومي بالشكل المطلوب لانه عادة ما تعمل الوكالات والمنظمات الدولية اثناء غياب الدعم الحكومي”.

مضيفاً، “غياب التمويل الامريكي في سنجار سيكون له تأثير كبير جدا نظرا لإهمال الحكومة ملف سنجار وخاصة ان الحياة والاستقرار عادوا الى مدينة سنجار وتوابعها من خلال الدعم الدولي وخاصة ان اغلب وأهم المشاريع التي كانت تنفذ في سنجار من قبل المنظمات الدولية والمحلية كان بدعم وتمويل من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية حيث كان للوكالة دعم في جميع القطاعات وهذا سيقلل توفير فرص العمل، إضافة إلى تباطؤ الانتعاش الاقتصادي في المنطقة”.

مشيراً الى ان، “اهم المشاريع التي أثرت بها سنجار هو إيقاف مشروع انشاء قرية كوجو لانه بدعم وتمويل من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية ال USAID” و مشاريع العودة من المخيمات التي تموله منظمة الهجرة الدولية الـ  ” IOM ” و كذلك مشاريع بناء المنازل للعائدين التي تنفذه الـ “UNDP ” …

الحصة الاكبر للموظفين

وفقاً لوجهات نظر بعض العاملين في مجال المنظمات فان الدعم الذي يصل سنجار عن طريق المنظمات غير الحكومية يتبخر لان رواتب الموظفين في المنظمات والمحاصصة بين المنظمات والمقاولين عالية جداً وما يحصله المواطن والمنطقة اقل مما يحصل عليه المنظمات بموظفيها والشركاء.

يقول الناشط “فرحان ابراهيم” وهو مدير منظمة جسر الشباب الناشطة في سنجار، “لم تحصل منطقة سنجار على أكثر من 10% من إجمالي التمويل المخصص من قبل الممولين، النسبة الأكبر يتم اختزالها بين الوكالات والشركات والمنظمات الوسيطة، على سبيل المثال، يحصل موظفو المنظمات المحلية في شنكال على رواتب تتراوح بين 300 إلى 600 دولار شهريًا، بينما يتقاضى الموظفون الذين يعملون مع الشركات والمنظمات الدولية مبالغ تتراوح من 1500 إلى أكثر من 5000 دولار، هذا التوزيع غير العادل للموارد يعكس خللاً في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة ويؤثر بشكل سلبي على تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين”.

ويرى ابراهيم انه، “لم يعد قضاء سنجار بحاجة إلى وسطاء لوصول التمويل إلى مناطقنا، حيث أن الوسيط يحصل على النسبة الأكبر من التمويل، ويعتمد على موظفين برواتب عالية جداً، بينما لا تصل الفائدة الحقيقية إلى المجتمع المحلي”.

ما هي الحلول؟

يقول “فرحان ابراهيم” مدير منظمة جسر الشباب، “قررنا تغيير استراتيجيتنا والتركيز على البحث عن مصادر تمويل أخرى، لأننا شعرنا أن التمويل الأمريكي، وخاصة من خلال برامج الوكالة الأمريكية، لا يساهم بشكل كبير في تطوير منظمتنا مقارنةً بما تستفيد منه الشركات الربحية. كما شعرنا بخجل كبير أمام مجتمعنا، حيث كنا في الواجهة دون أن نملك حق صرف الميزانية أو توجيهها نحو مشاريع مستدامة”.

وتابع، “السياسة التمويلية للوكالة الأمريكية كانت تفتقر إلى الاستجابة الكافية لاحتياجات المجتمع الإيزيدي في مناطق سنجار، ولم تسهم في تطوير المجتمع المدني، حيث أنها كانت تضمن دعم الموظفين لفترات محدودة، وتفتقر إلى نفقات الإدارة والدعم، مما جعلها غير ملائمة مقارنة بمصادر التمويل الأخرى”.

فيما يقول البرغشي بان، “الحلول التي من الممكن العمل عليها هي محاولة التواصل مع البعثات الدبلوماسية من القنصليات في العراق والضغط عليهم من أجل استثناء مناطق سنجار والاقليات من هذا القرار لانه لا زالت سنجار بحاجة ماسة إلى الدعم الدولي”.

موكدا انه، “بعد توقف برامج الوكالة بدأت الوكالة الدولية والممولين بالتفكير في تقليل الدعم وحتى بعدها بدأت بالانسحاب وهذا سوف يؤثر على عودة النازحين والاستقرار في سنجار”.

تأثيره على عودة النازحين

عملت المنظمات الدولية على عودة النازحين الايزيديين من مخيمات النازحين باقليم كردستان الى مناطقهم الأصلية، منها منظمة الهجرة الدولية التي كانت تمول عملية العودة وتدعم العائدين عن طريق خلق فرص العمل واعطاء المشاريع الصغيرة للعوائل العائدة وبناء منازل.

وتعتمد هذه المنظمة بالدرجة الأولى على الدعم الامريكي ومع توقف المساعدات الخارجية الامريكية توقفت المنظمة عن العمل على عودة النازحين.

وكشف مدير دائرة شؤون النازحين واللاجئين والاستجابة للأزمات في محافظة دهوك (شمال)، “ديان جعفر”، الأربعاء الماضي، أن قرار وقف المساعدات الأميركية “أدى إلى توقف عملية عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، إذ كانت هذه العملية تعتمد على تمويل الوكالة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة”، مشيراً في تصريح صحافي، إلى “الفراغ الكبير الذي سيُحدثه القرار الأميركي، لا سيّما وأن 35% من المساعدات الأميركية كانت تُقدّم عبر الأمم المتحدة”.

وبحسب بيانات موقع (الخارجية الأميركية)، فإن “حجم الدعم المالي الذي قدمته جميع الوكالات الأمريكية للمنظمات والمؤسسات العراقية في عام 2024 وحده بلغ(180 مليون و447  ألف و919) دولارا، فيما بلغ مبلغ الدعم (%84) و(151 مليون و476 الف و883) دولارا قدمته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى