اراء

العراق بين صناديق الاقتراع وشبح الفوضى: قراءة في المأزق السياسي الراهن

 

 فرحان إبراهيم 

منذ عام 2003، والعراق يعيش على وقع أزمات متراكمة، إلا أن اللحظة الراهنة تبدو الأخطر على الإطلاق. مع اقتراب موعد الانتخابات، يزداد القلق الشعبي والسياسي من احتمال عدم إجراء هذا الاستحقاق، أو أن يتحول إلى شرارة صراع دموي جديد. المشهد الحالي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالضغوط الإقليمية والدولية، فضلاً عن التحديات الداخلية المركبة. العراق اليوم يقف بين المطرقة والسندان: مطرقة الضغوط الأميركية وسندان الفصائل المسلحة، فيما المنطقة المحيطة مشتعلة بالصراعات المتعددة.

في العراق، يتداول الباحثون والمحللون أسئلة مباشرة: “هل ستُجرى الانتخابات أصلًا؟ وإن أُجريت، هل ستعكس إرادة الشعب أم ستُدار بالمال السياسي والسلاح؟”

السوداني أمام تحديات حاسمة

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يواجه خيارات صعبة للغاية:
1. التقرب من واشنطن: لتجنب أزمة اقتصادية قد تضرب النفط والتحويلات المالية، ما يمنح فرصة مؤقتة للتنفس الاقتصادي، لكنه يضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
2. الانسجام مع الفصائل والانخراط في المحور الإيراني: متحديًا الولايات المتحدة والغرب، وهو خيار قد يؤدي لعزلة دولية وعقوبات اقتصادية، مع احتمال تعرض البلاد لضربات محتملة.

كلا الخيارين محفوف بالمخاطر، ويجعل السوداني أمام خيارات كلها مرّة، تعتمد نتائجها على أحداث خارجية وداخلية غير متوقعة.

الضغوط الإقليمية وتأثيرها على العراق

الوضع الإقليمي يزيد التعقيد:
• غزة ولبنان: تصعيد متواصل يرفع احتمالات تأثير الصراعات على الداخل العراقي.
• اليمن: صراع طويل يضغط على التحالفات الإقليمية.
• إيران: معرضة لضغوط عسكرية مباشرة من إسرائيل والولايات المتحدة، مما ينعكس على القوى العراقية الموالية لها.
• سوريا: تتجه نحو حرب أهلية مفتوحة بعد سقوط نظام الأسد، مع وجود نظام مستمد أيديولوجيته من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وفتح جبهات قتالية مع المكونات المختلفة (درزية، كردية، علوية). إيران تدعم العلوية، والسلطة المدعومة من تركيا لها علاقة بالدرز، وأمريكا والمجتمع الدولي يدعمون الأكراد.

انهيار سوريا يفتح حدودًا رخوة أمام عودة الجماعات المسلحة، ما يهدد الوضع الأمني والسياسي في العراق بشكل مباشر.

الداخل الممزق وصراع القوى

العراق يواجه تحديات داخلية معقدة:
1. تمسك الطبقة السياسية بالحكم مع دعم إيراني كبير، ورفض أي انتقال نحو حكومة مدنية أو مشاركة مكونات أخرى.
2. أزمة الرواتب والنفط مع إقليم كردستان، أي تصدع فيها يهدد استقرار الدولة.
3. تفكك الإطار التنسيقي، خصوصًا مع غموض موقف التيار الصدري، ما يخلق فراغًا سياسيًا.
4. تدهور الوضع المعيشي في الجنوب والوسط، ارتفاع البطالة والفقر، ورفض شعبي متزايد لبقاء الطبقة السياسية التقليدية.
5. تدخلات إقليمية لدعم المكوّن السني، ما يزيد من هشاشة التوازنات الداخلية.
6. استمرار معاناة الأقليات: الإيزيديون والمسيحيون وغيرهم بلا حماية حقيقية، مما دفع ناشطين للمطالبة بفتح الملف في الأمم المتحدة.

الانتخابات: مخرج أم شرارة؟

تتزايد المخاوف من أن تتحول الانتخابات المقبلة إلى شرارة صراع داخلي. الأحزاب الكبرى لا تعتبر صناديق الاقتراع أداة للتغيير، بل وسيلة لتصفية الحسابات. مع احتمالات التزوير والعنف، يصبح الرهان على الانتخابات خطوة نحو الاستقرار صعبًا للغاية.

السيناريوهات المحتملة

ثلاثة سيناريوهات يمكن تصورها:
1. انتخابات متأزمة أو عدم الإجراء أصلاً: وحتى إذا أُجريت، قد لا يتم تشكيل حكومة، ويبقى السوداني في السلطة مع محدودية القدرة على اتخاذ القرارات.
2. صفقة إقليمية–دولية: إعادة توزيع النفوذ بين القوى السياسية بما يحفظ مصالح الأطراف الخارجية ويحد من الانفجار الداخلي.
3. انفجار الشارع: تراكم الغضب الشعبي من الفساد وتردي الوضع المعيشي قد يؤدي إلى احتجاجات واسعة وعنف يهدد استقرار البلاد.

نحو أي مستقبل يتجه العراق؟

المشهد العراقي يعكس معادلة صعبة:
• انقسام داخلي عميق وواضح.
• إقليم مشتعل بالحروب والصراعات.
• ضغوط دولية قوية على الدولة والفصائل.

حسب وجهة نظري:
الحل الوحيد يكمن في الوصول إلى تسوية سياسية شاملة، تضع مصلحة الدولة فوق مصالح الأطراف المستفيدة من هشاشتها والغارقة في الفساد، والتي تغذي الفوضى باستمرار. يجب أن تضمن هذه التسوية مشاركة حقيقية لجميع المكونات، مع اعتماد سلطة مركزية قوية، بهدف تفادي الانزلاق نحو فوضى جديدة لا يتحملها الشعب العراقي، وحماية الدولة من المزيد من الانقسامات والصراعات المسلحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى