Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
غير مصنف

أسباب الخلط بين عزازيل وطاووس الملائكة في الإيزيدية

الشيخ صبحي نبو 

الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات التوحيدية في العالم ، تعرضت عبر التاريخ لعدد من المفاهيم الخاطئة، وأبرزها الربط بين عزازيل في الإسلام والديانات الإبراهيمية وبين طاووس الملائكة في الإيزيدية. يهدف هذا البحث إلى توضيح حقيقة هذا الخلط اعتماداً على النصوص الدينية الإيزيدية المقدسة، وبيان الأسباب التي ساهمت في انتشار هذا الفهم الخاطئ..

أولاً: مفهوم الشر في الإيزيدية

لا يوجد في الديانة الإيزيدية مفهوم ثنائي للخير والشر كما هو الحال في المسيحية والإسلام ،ولا يؤمن الإيزيديون بوجود ملائكة ساقطين أو إله مستقل للشر. كذلك، لا تتضمن نصوصهم الدينية قصة سجود الملائكة لآدم.  الشر في الإيزيدية ليس كيانًا مستقلاً ، بل هو نتيجة أفعال البشر عندما يختارون الكذب، الظلم والعنف .الإيزيديون يؤمنون بأن الإنسان يمتلك حرية الإرادة، ويمكنه اختيار الخير أو الشر، دون وجود قوة شريرة مستقلة تدفعه نحو الخطأ. لهذا السبب، لا يلعن الإيزيديون ما يُشار إليه بإله الشر، ولا يذكرونه بأي من أسمائه.
 في الإيزيدية، الشر ليس قوة مستقلة، بل هو جزء من التجربة البشرية، والمسؤولية تقع على الإنسان نفسه في اتخاذ قراراته.يأتي الشر في النصوص الدينية الإيزيدية بصفة بور (الحصان )و المقصود هي النفس، النفس الامارة بالسوءيجب على المرء السيطرة على لجام خيله، حينها يسمى بالخيل الأصيل بينما الذي لا يستطيع السيطرة على اللجام يسمى بالبطران اي المتعجرف والمتكبر حيث لا يشفع له أحد لا في الدنيا والاخره.
 النص الديني :ب ده ستوری خودی:
-خه لكو ب فكرن ل في عه زماني پادشایی من قانون چیکر و ئاساس دانی ناقل هدايه تا وی سلتانی.
-ناقل دبيرته نه فسی تو عه یب ناکه ی ئاخره ت هه يه دى مه د حه بسا که ی ئاگر هه یه دی مه دبهلا که ی.
-بوریت چالغ نه دچینه لغافيت سه بری نه د لينه ژ خرابیی چاره پینه. 
المصادر : قول ئاساسي، قول النفس، قول مشتاق سه بورم.

ثانياً: طاووس الملائكة في الديانة الإيزيدية

يؤمن الإيزيديون بأن الله خلق الملائكة السبعة من النور ،يحتل طاووس ملك مكانة رئيسية بينهم. يُنظر إليه في الإيزيدي كاسم من أسماء الله وأحد تجليات القدرة الإلهية وليس كمخلوق منفصل عن الذات الإلهية. طاووس ملك هو رمز النور والحكمة، لا يرتبط بقصة السجود لآدم أو العصيان ولا يؤدي دور مصدر الشر، بل يعد وسيطاً للطاقة والخير السماوي في الكون،وتقديسه يعد تعبيراً عن التوحيد وتكريماً لصفات الله.
النص الديني  : ب ده ستورى خودئ
-په دشی من ته ختی نووری چیکر په دشی من مه سکه ن چیکر په دشی من سه یری و سه یران لیکر.
عاشق و ماشوقیت موکوری/ من ياره ك دقيت في حه رفى ب كوري، 
کا بیژنه من:دور ژ په دشایه، ئان په دشا ژ دوری؟
دشی من ژ دوری بوو  ((هسناته کی ژی چی بوو)) شاخا موحبه تی ژی بوو.
 به ری، نه قلم هه بوو، نه لوحه من ياره ك د قيت بيژت ئه و حه رفى ل کوو د بووه : ل كوو مه له ك ئيك بوون، بوونه دووه!
ر هه فتا کو عه فه رین/ب راستي ليك د تيورين، ب موحبتئ بنورا نيك دبرين…. المصادر : قول نختا، زبوني مكسور، شيخوبكر. 

ثالثاً: عزازيل

يُظهر الموروث الإيزيدي تنوّعاً لافتاً في تصوراته حول الكيانات الإلهية قبل تأثره بالديانات الإبراهيمية، ويبرز إسم ((عزازيل)) مثالاً واضحاً على هذا الاختلاف. 
إن أسماء الملائكة كما تُعرف اليوم لم تكن جزءاً من التراث الإيزيدي قبل ظهور الديانات الإبراهيمية الثلاث، بل كانت تُعرف بأسماء مختلفة، مثل “الأسرار السبعة النورانيين”، أو “سبعة فرسان بيت آديا”، أو”يار” أو “شاه” ، التي تحمل معنى “الملك”، ثم عُرفت لاحقاً بـ”الملائكة السبعة الكبار”، إلى أن استُبدلت تدريجياً بالأسماء المتداولة في الديانات الإبراهيمية. وهنا يبرز سؤال مهم جداً: ما الأسباب والدوافع التي أدت إلى إخفاء اسم “نورائيل” واستبداله بـ”عزازيل”؟ 
الراجح أن اسم عزازيل دخل إلى الإيزيدية عبر تأثيرات المتصوفة، أمثال الحسن الحلاج، والفتوح الغزالي، وابن عربي وغيرهم، الذين رأوا في بعض مفاهيم الإيزيدية ما يشبه رؤاهم الرمزية. وبما أن الإيزيدية لا تتضمن قصة سجود الملائكة لآدم، فقد ظن هؤلاء أن طاووس الملائكة يمثل ذلك الملاك الذي رفض السجود، فأسقطوا عليه اسم عزازيل. لكن هذا التصور لا يمتّ إلى العقيدة الإيزيدية بصلة، إذ لا وجود لقصة السجود في نصوصها المقدسة، وطاووس الملائكة ليس سوى اسم رمزي لله، يُجسّد سرّه وقدرته، لا شخصية مستقلة ولا ملاك عاصٍ.
يرد في النص الديني الإيزيدي في قول “الأرض و السماء” ، أسماء الملائكة التالية : زمان دبیژته عه ردی سه ر من هه نه نوور و قه ندیل
السماء تقول للأرض، يوجد فوقي الأنوار و القناديل
(عزرائيل، جبرائيل، ميكائيل، إسرافيل، عزازيل، شمخائيل، و درائيل)
سبع الملائكة الكبار ( هه ر هه فت مه له كيت كبير)؟
 ومن هنا يُطرح السؤال أمام من يخلط بين عزازيل وطاووس الملائكة: حتى لو ورد اسم عزازيل في بعض النصوص أو الأقوال المتأثرة بلغات وأديان أخرى، فإن الإيزيدية لا تُعطي الأولوية للأسماء بقدر ما تركز على المعنى، لأن هذه الملائكة السبعة هي رموز للنور الإلهي، وليست مخلوقة من نار أو جن. 
وبالمنطق والعقل، إذا كان أحد هؤلاء الملائكة هو رئيسهم وأعظمهم، فلا يمكن أن يكون في مرتبة متأخرة أو يُذكر خامساً أو سادساً، بل يجب أن يكون الأول والأعلى مرتبة، لأنه يمثل المبدأ والنور الإلهي الأعظم.

رابعاً : الباحثون والمستشرقون

انشغل كثير من المثقفين الإيزيديين خلال فترة دراستهم الجامعية بالنقاش حول قصة سجود الملائكة لآدم، متسائلين حول إمكانية سجود الملائكة لبشر، وذهب بعضهم إلى تأليف كتب ومقالات تناولت هذه القصة وكأنها جزء من العقيدة الإيزيدية، مما زاد من التباسات الفهم العام وأسهم في ترسيخ مفاهيم خاطئة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الكتابات الاستشراقية والمقارنات السطحية بين نصوص الإيزيدية والنصوص الإسلامية في ترسيخ هذا الربط المغلوط، ما أدى إلى اتهام الإيزيديين ظلماً بلقب “عبدة الكيان المظلم”، رغم أن ديانتهم تقوم على أساس التوحيد الخالص وتقديس النور الإلهي وملائكته.
(تم الاحتفاظ بسرية أسماء المثقفين نظراً لوجود دلائل وإثباتات، ولتفادي تفسير الموضوع بشكل شخصي).

خامساً : بعض الأكراد وتشويه صورة الإيزيديين

من المعروف أن قسماً كبيراً من الأكراد تعود أصولهم إلى الإيزيدية، وقد اعتنقوا الإسلام في فترات لاحقة نتيجة الغزوات الإسلامية. بعض هؤلاء، بعد تحولهم، تبنوا مواقف متشددة تجاه جذورهم، وحرّضوا ضد أسلافهم الإيزيديين، كما لا يزال يحدث حتى اليوم. وقد ساهم هذا التيار في تشويه صورة الإيزيديين واتهامهم بأبشع التهم. كما أن بعض المثقفين والباحثين الأكراد كتبوا عن الإيزيدية استناداً إلى روايات دخيلة، أو اعتماداً على أقوال رجال دين إيزيديين لا يمتلكون الكفاءة الكافية لفهم وتفسير عمق العقيدة الإيزيدية. 
المصدر: التاريخ، والحاضر للأسف يشهد على ذلك! 

سادساً: رجال الدين الإيزيديين

يُميز التقليد الإيزيدي بين “قولبژ”، ئولدا (المرتل) و”العالم الديني”، الذي تقع على عاتقه مهمة تفسير النصوص بروح من الاستقلالية والحياد، بعيداً عن السياسة والمصالح الضيقة.
 غير أن التسعينات شهدت توظيف بعض رجال الدين لأغراض حزبية، مما أدخل روايات دخيلة مثل قصة السجود وربط طاووس ملك بعزازيل، وغيرها . اليوم، تتنامى على وسائل التواصل خطابات إقصائية تزيد الجدل حول المرجعية الدينية، وهو ما يبرز الحاجة إلى التمييز بين التفسير الصحيح للنصوص على يد علماء الدين الإيزيديين المؤهلين والملتزمين، وبين الخطابات التي تصدر عن رجال دين متأثرين بالسياسة أو خاضعين لتأثير بعض دعاة الإصلاح الإيزيدي، ممن يتعاملون مع النصوص المقدسة وكأنها أناشيد أو أغنيات دون الالتزام بالشروط التقليدية، وكذلك الفصل بين الخطاب الديني الأصيل والخطابات المتأثرة بالاعتبارات السياسية.  

الخلاصة:

بعد استعراض النصوص الدينية الإيزيدية وتحليلها، يتبين أن الخلط بين عزازيل وطاووس ملك لم ينشأ من داخل العقيدة الإيزيدية نفسها، بل من إسقاطات خارجية متأثرة بالتصوف الإسلامي والكتابات الاستشراقية، إضافة إلى اجتهادات شخصية لبعض المثقفين ورجال الدين الذين لم يلتزموا بالمنهج النصي الصارم.  
لقد أوضحنا في هذا البحث أن مفهوم الشر في الإيزيدية يختلف جذرياً عن التصورات الإبراهيمية ،فهو ليس قوة مستقلة أو كياناً مظلماً، بل نتيجة خيارات الإنسان وأفعاله.
كما بينا أن طاووس ملك ليس ملاكاً عاصياً ولا شخصية مرتبطة بالشر، بل هو رمز للنور والحكمة وتجلي من تجليات القدرة الإلهية. أما اسم عزازيل، فقد دخل إلى بعض الأقوال لاحقاً بفعل التأثيرات الثقافية والدينية المجاورة، دون أن يكون جزءاً أصيلاً من التراث الإيزيدي.
كما أظهر البحث أن بعض الكتابات الأكاديمية والاستشراقية، إلى جانب مواقف سياسية واجتماعية معينة، ساهمت في تكريس هذا الخلط، مما أدى إلى انتشار صور نمطية مغلوطة عن الإيزيدية. غير أن العودة إلى النصوص المقدسة، وفهمها في سياقها الرمزي واللاهوتي الصحيح، يكشف بوضوح أن هذه التصورات لا تمتّ إلى العقيدة الإيزيدية بصلة.  
وعليه، فإن النتيجة التي يخلص إليها هذا البحث ليست قراراً شخصياً، بل استنتاج علمي قائم على النصوص والتحليل: إن الإيزيدية ديانة توحيدية أصيلة، تدعو إلى عبادة الخالق وتكرم ملائكته النورانيين، وتحترم جميع الأديان والمعتقدات، ولا تعرف ثنائية الخير والشر أو عبادة كيان مظلم . من خلال تحليل النصوص الإيزيدية، يتضح أن الخلط بين عزازيل وطاووس ملك لا يستند إلى العقيدة نفسها، بل إلى تأثيرات خارجية.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى