أول ممثلة إيزيدية في بعشيقة وبحزاني.. كاريس رعد تكسر القيود وتصنع الاختلاف
برعاية دولة رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني المحترم وضمن المبادرة الوطينة لتنمية الشباب، تنفذ ”مؤسسة ايزيدي 24 الإعلامية” هذه المادة ضمن مشروع ”نبذ خطابات الكراهية والحفاظ على التنوع” بالتعاون مع المجلس الاعلى للشباب ودائرة المنظمات غير الحكومية.

ايزيدي 24 – حسام الشاعر
في عصر يشهد طفرة في الوعي والانفتاح، خاصة تجاه المرأة، برزت “كاريس رعد شاري” كرمز للتحدي والإبداع، كأول ممثلة إيزيدية في منطقة بعشيقة وبحزاني بعد تحرير مدينة الزيتون من براثن داعش، تمكنت كاريس من كسر سلاسل التقاليد البالية التي كانت تقيد المرأة عن ممارسة هواياتها وموهبتها دون مساس بالحياء.
“مع وجود كم هائل من التابوهات والعادات التي لم يعد التمسك بها يقدم عجلة التطور”، كما يصفها المجتمع الإيزيدي الذي يشهد جيلًا جديدًا يسعى لترك بصمة في المجتمع. فمن هي كاريس وما قصتها الملهمة؟
طموح منذ الطفولة
كاريس رعد عيدو شاري، مواليد بعشيقة عام 2001، من سكان بحزاني، خريجة معهد فنون الجميلة في الموصل، وفنانة صبية متعددة المواهب. تشمل هواياتها التمثيل، تقديم البرامج التلفزيونية، والرقصات الفلكلورية بالتراث الإيزيدي.
“كشابة طموحة مفعمة بالطاقة، كان لي حلم منذ نعومة أظافري أن أصبح ممثلة وأقوم بأدوار مختلفة، وبتشجيع من والدي الفنان والمخرج رعد شاري، نحوت هذا النهج”، تروي كاريس قصتها لـ”إيزيدي 24”.
واجهت كاريس تحديات مبكرة إبان النزوح جراء احتلال داعش الإرهابي لمدينتي بعشيقة وبحزاني، حيث تركت الدراسة لثلاث سنوات. لكن بعد العودة إلى مسقط الرأس وتحرير المنطقة، شجعتها أمها على إكمال دراستها حتى تخرجها من الصف الثالث الإعدادي، وكان لها الفضل الكبير في هذا الجانب الدراسي.
مواجهة الكاميرا والمجتمع
في إحدى ليالي عام 2020، جاءها اتصال للمشاركة في برنامج “تعكسب” بوجهها الحقيقي أمام الكاميرا، بدون تحضير أو بروفات، كمقدمة برنامج مع الفنان القدير هفال الشيخ.
“كانت تلك أول انطلاقة لي في مسيرتي الفنية”، تقول كاريس.
البرنامج، الذي يتضمن مقابلات مع الناس في المناسبات وتقديم هدايا للفائزين، أنتجته استوديو آدم بإخراج كرم طباني، وكان فكرة هفال الشيخ بالتعاون مع الاستوديو منذ 2018.
من خلال “تعكسب”، اكتسبت كاريس خبرة في التعامل مع الكاميرا وكسر تابوهات المجتمع المتحفظ، الذي كان يرفض خروج المرأة على الشاشات، استمرت في العمل، مما زاد من ثقتها وتأثيرها.
من المعهد إلى الأدوار الرئيسة
تم قبول كاريس في معهد فنون الجميلة للبنات في الموصل يناير 2021. ثم في صيام إيزي، مثلت لأول مرة في مسلسل “يا هلا بالصوم” في ديسمبر من نفس العام. شاركت بعدها بدورين في مسلسل “الماضي الجميل/ الكزيغ”، مما زاد من خبرتها في الأدوار المتنوعة. كما أتيحت لها فرصة للمشاركة في مسلسل “حياة” بدور أم حياة، بطلة المسلسل.
كاريس كسرت تابوهات دامت لسنوات، حيث كان المسرح يعتمد على الرجال لأداء أدوار النساء، حتى في الأغاني التي تتطلب صوتًا أنثويًا، فيقلد الرجال الصوت أو يغيرونه.
الانتماء إلى فرقة مدينة الزيتون
مع زيادة عدد الممثلين في بعشيقة وبحزاني، أسس والدها رعد شاري وهفال الشيخ فرقة مدينة الزيتون للتمثيل عام 2019، كجهة طوعية مستقلة تضم فنانين من نقابة الفنانين وخريجي معاهد وكليات فنون الجميلة. تهدف الفرقة إلى جمع الشباب تحت سقف واحد، دعم مواهبهم، وتوسيع الأعمال عبر محافظة نينوى وغيرها. لم تسجل الفرقة بعد في وزارة الثقافة، لكن هذا مطلبها الأوسع. انضمت كاريس إليها، مما ساعدها في تطوير موهبتها.
نجاحات متوالية: من المنطقة إلى العراق والعالم
لم يقتصر عمل كاريس على بعشيقة وبحزاني، بل امتد إلى الموصل، الشيخان، ألقوش، أربيل، ومعظم المنظمات الدولية والمحلية.
شاركت في حلقات ومسلسلات عدة، ثم طُلب منها التمثيل في عمل غنائي مع الفنان أراس الريس في ألقوش، وعمل آخر مع الفنان شاكر من الشيخان. كما عملت مع منظمات في مشاريع حول التنوع، التعايش السلمي، حقوق الإنسان والمرأة، والتميز العنصري وتقبل الآخر.
حلمها وطموحها
“حلمي أن أمثل في مسلسلات وبرامج ومسارح عراقية كي أصبح أول فنانة إيزيدية تصل إلى هذا الهدف”، تقول كاريس، معترفة بصعوبة الأمر لكنها تنتظر الفرصة المناسبة لاستغلال قدراتها التمثيلية وترك بصمة خالدة.
“أثبت للمجتمع أن الإيزيديين لهم مواهب في جميع التخصصات والفنون والآداب، وأننا رغم كوننا أقلية إلا أننا جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي وهذا الوطن العريق، وسنساهم في بنائه وارتقائه حتى ينافس الدول المتقدمة كما كان في عهده السابق”.
رسالة ملهمة للنساء والشباب
توجه كاريس رسالة للنساء: “لا بد لك أن تتحرري من كل القيود التي تقف عائقًا أمام هدفك وطموحك إن كان ساميًا، لا تستسلمي. المجتمع مبني على أساس نقد هدام وتقييد حرية المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها كالتمثيل والشعر والموسيقى وقيادة السيارة وما إلى ذلك. اعلمي أن طريق الحياة ليس خطًا مستقيمًا بل يشبه نبضات القلب، فهو متعرج فيه القمم والقيعان، ما عليك سوى الاستمرار وستبلغ سفينتك الشاطئ بأمان. اعلمي أن دعم الوالدين هو خير النعم، تمسكي بهما فهما جناحا النجاح، بهما ستحلقين عاليًا”.
قصة كاريس ليست مجرد نجاح شخصي، بل إلهام لكل امرأة إيزيدية تسعى لتحقيق أحلامها، مؤكدة أن الإيزيديين قادرون على الإسهام في بناء العراق بموهبهم وإبداعهم.