مراد سليمان علو
لا أدري ما فائدة الكأس دون سيجارة، على العموم الثرثرة ممكنة حتى دون تدخين، وهو أفضل شيء أفعله في هذا المساء. سأتحدث لكم عن المنتمي واللامنتمي. سأثرثر على طريقتي الخاصة دون استئذان صاحبنا (كولن ويلسن) الذي أخذ شهرة لا على البال ولا على الخاطر في الأوساط الثقافية في بغداد والموصل وربما في مدن أخرى في السبعينات والثمانينات أكثر من موطنه، وانا شخصيا ركبت الموجة حينها وقرأت له رواية (القفص الزجاجي) وكتاب (المنتمي، واللامنتمي، وما بعد اللامنتمي. وكتب أخرى) من الثرثرة الفارغة التي تشبه إلى حد كبير هذه التي نتناولها معا في هذه الأمسية الربيعية الجميلة.
العثور على عوالم المنتمي يمكن إيجادها كمادة أولية من كثير من المصادر الأدبية والفلسفية والفنية. وكذلك في الشوارع والمقاهي والمحطات. وهي تشبه عملية الحصول على الطماطة أولا ثم عزل تلك المليئة بالعصير الذي ينز نزا من قشرتها التي بدأت تتفتق. ومن ثم تحضيرها للعصر والهرس لصنع المعجون.
صدقني بحث كهذا يوازي متعة الاستماع إلى غناء الأسطورة الهندي (موكيش).
لا تبحث في منظمة (يزدا) أو مؤسسة (لالش) أو إحدى (بيوتات الأيزيدية) في أوربا وهي بعدد أفلام عادل أمام في عامه الثالث والثمانون. وأبدا، لا تبحث عن المنتمي الذي ببالك في المنظمات الإنسانية، والأحزاب. يكفيك جذب أطراف الحديث بين حين وآخر في صدفة مصبوغة بالسخام مع بعض أولئك الذين فروا هاربين من الانتماء؛ ليؤكدوا لك بأنهم الآن، ولله الحمد غير منتمين. وكأنهم دفعوا الثمن غاليا وسيكافئهم الرب وسيدخلون الجنة.
ما يهمني هي رغبتي في أن أسر بإذن الشنكالي وأقول له وأكرر قولي: لا تنسى شنكاليتك، لا تنسى هويتك. هويتك هي انتمائك. هويتك سلاحك الوحيد. هويتك أن تكون شنكاليا خالصا، وهي طريقك للنجاة. أن تكون لا منتميا؛ عليك الانتماء لشنكاليتك. وأن تكون منتميا فكن منتميا لشنكاليتك أولا. ولا تهتم بأولئك الذين يقولون لك:
“كل الذين من خارج مللتنا هم أعداؤنا”.
آسف إن آذيت شعورك، ولكنك تعرف أكثر مني إن قتال (الدواعش) والتعرض لفرمانين متتالين أسهل بكثير من أن يتعامل أحدنا مع عائلته الصغيرة الساكنة في مخيم في زمن النزوح هذا، والأمر أسوأ إن عدنا إلى شنكال. وهو كارثي لو حالفنا الحظ وهاجرنا إلى دولة أوربية. لسبب بسيط أرجو أن تتأمله قبل أن تنفجر غاضبا، وهو إننا فقدنا انتمائنا لشنكاليتنا.
أن تكون شنكاليا أعمق وأكبر من أن تعود للعيش في شنكال. أن تكون شنكاليا أكبر من أن تتغنى بشنكال وتغني لها وتكتب القصائد عنها.
أن تكون لا منتميا عليك أن تعود طفلا في الخامسة من عمرك وتشارك أصدقائك في إعادة بناء شنكال من رأسها حتى أساسها، وعندما تبدأ فترة برامج الأطفال تترك اللعب حول المنارة وتجلس لصق صديقك وتتسمر عيونكم على الشاشة الصغيرة؛ لتبدأ مغامرة جديدة.
أعرف قصّة عن حجل كان يعيش في الجهة الغربية من الجبل. كلنا نعرف تلك القصة، عندما يبدأ الحجل بالغناء. مررنا بنفس الظروف الصعبة، والمشكلة أننا نقلد ذلك الحجل. رغم إن القصص تكون مسلية وذو فائدة وتلهم الناس ولكن قصّة الحجل بالذات كأنها من تأليف كولن ويلسن، فهي مشهورة في خارج موطنها، وليست بذات أهمية في الوطن.